تونس - تكشف تفاصيل المشهد السياسي التونسي في علاقة بالمسار الحكومي، عن صور مُتعددة تدفع بقوة نحو تكرار سيناريو انقلاب يوسف الشاهد على الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، مع رئيس الحكومة المُكلف هشام المشيشي، بما قد يقود البلاد إلى معركة سياسية جديدة ستتشابك فيها التوازنات الحزبية والبرلمانية مع الأدوات الدستورية. وتتالت المعطيات الدالة على عودة شبح هذا السيناريو ليُخيم على المشهد التونسي من جديد، وأخذت أبعادا خطيرة عشية الجلسة البرلمانية العامة المُخصصة لمناقشة منح الثقة من عدمه للحكومة الجديدة، باختيار المشيشي الاحتماء بغطاء حركة النهضة وحليفها حزب قلب تونس، بعيدا عن غطاء الرئيس قيس سعيد. وبدا واضحا من خلال تلك المُعطيات أن خشية المشيشي من سقوط حكومته جعلته يسعى بكل الوسائل إلى ضمان تمريرها في البرلمان، حتى وإن كان ذلك عبر تفاهمات جانبية وُصفت بـ”المُريبة”، على حساب الرئيس سعيد. وتردد صدى تلك التفاهمات تحت قبة البرلمان الذي عقد الثلاثاء جلسة عامة لمناقشة منح الثقة للحكومة، وسط أجواء اتسمت في الكثير من جوانبها بتصعيد لافت ضد الرئيس سعيد عكسته سلسلة لا تنتهي من الانتقادات وحتى الاتهامات التي وجهها له نواب من حركة النهضة الإسلامية، وكذلك أيضا نواب حزب قلب تونس. كما نال المشيشي هو الآخر نصيبا من تلك الانتقادات؛ حيث لم تشفع له تأكيداته بأن حكومته ستكون “حكومة عمل وإنجاز”، وستعمل وفق “مقاربة تعتمد على النجاعة والتحلي بالجرأة في التغيير”، في التخفيف من حدة الاتهامات الموجهة له بالسعي إلى فرض حكومته عبر التحالف مع النهضة وقلب تونس. نبيل القروي: على قيس سعيد أن يقف عند صلاحياته نبيل القروي: على قيس سعيد أن يقف عند صلاحياته واعتبر المشيشي في كلمة ألقاها خلال الجلسة البرلمانية أن تونس “تعيش اليوم نزيفا رغم أنها شهدت ثورة تنادي بتنمية دون تمييز”، لافتا في الوقت نفسه إلى أن “الواقع بيّن أن مطالب الثورة انقلبت إلى وهم وخيبة أمل للكثير من أبناء تونس، مما دفعهم إلى قوارب الموت في مطاردة الأمل الذي لا يرونه ممكنا في وطنهم”. وبدأت الجلسة البرلمانية العامة التي تواصلت أعمالها إلى ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء -بحضور 156 نائبا من أصل 217- بإشارات ضمنية لافتة وجّهها رئيس البرلمان راشد الغنوشي إلى الرئيس قيس سعيد، لم تخل من الرسائل المُبطنة في علاقة بالأدوات الدستورية التي كثيرا ما يُركز عليها الرئيس سعيد. وقال الغنوشي إن الدستور “هو الخيمة التي يأوي إليها الجميع والمرجع الذي يحتكم إليه تعبيرا عن التعاقد المجتمعي”، لافتا في هذا السياق إلى أن “الاحتكام للقانون والتزام الدولة بدستورها ومؤسساتها هما من مظاهر تحضر المجتمع”. وقرأ مراقبون في إشارة الغنوشي إلى ما وصفه بـ”الاحتكام والتزام الدولة بدستورها ومؤسساتها” رسالة واضحة إلى الرئيس سعيد الذي تكشف بعض التسريبات أنه حاول في آخر لحظة الإطاحة بحكومة المشيشي، والحيلولة دون عرضها على البرلمان لنيل الثقة. وتجد هذه القراءة ما يدعمها في تصريحات استبق بها نبيل القروي، رئيس حزب قلب تونس، الجلسة البرلمانية العامة، وقد وجه فيها انتقادات حادة لقيس سعيد وأعضاء فريقه الرئاسي، وذلك في موقف تصعيدي لافت ذهب فيه إلى حد اتهام الرئيس التونسي بالتلاعب بالدستور. وأكد نبيل القروي أن حزبه سيمنح الثقة لحكومة هشام المشيشي، وسيعمل بعد ذلك على سحب الثقة من عدد من وزراء السيادة المعيّنين من قبل مستشارة رئيس الجمهورية نادية عكاشة. وتابع “يجب على قيس سعيد أن يبقى عند صلاحياته، ولا ينتظر أن يتم التشاور معه… نحن مؤسسة دستورية والدستور يُخول لنا تنحية من نريد وتعيين من نريد.. سنمارس صلاحياتنا مع حلفائنا”. وكشف في تصريحاته التي بثتها إذاعة “جوهرة أف أم ” المحلية، أن الرئيس سعيد اختار المشيشي لتشكيل الحكومة رغم أنه لا يملك أي سند سياسي وندم على تكليفه بعد مرور شهر، حيث اقترح خلال اجتماعه مع عدد من الأحزاب الإطاحة بحكومة المشيشي، والإبقاء على حكومة إلياس الفخفاخ. وتؤكد هذه التصريحات أن المشيشي دخل في تفاهمات مع حركة النهضة وحزب قلب تونس على حساب الرئيس سعيد. وكانت حركة النهضة الإسلامية (54 مقعدا برلمانيا)، وحزب قلب تونس (27 مقعدا)، وكتلة الإصلاح الوطني (16 مقعدا)، وكتلة تحيا تونس (10 مقاعد)، والكتلة الوطنية (11 مقعدا)، وكتلة المستقبل (9 مقاعد)، قد أعلنت أنها ستمنح الثقة لحكومة المشيشي. وعلى عكس ذلك، أعلنت الكتلة الديمقراطية التي تتألف من نواب حزب التيار الديمقراطي، وحركة الشعب (38 مقعدا)، وكتلة ائتلاف الكرامة (19 مقعدا)، وكتلة الحزب الدستوري الحر (16 مقعدا)، أنها لن تمنح الثقة للحكومة المُقترحة برئاسة هشام المشيشي. وعمقت هذه الدلائل والمعطيات الخشية من سقوط حكومة هشام المشيشي في فخ مناورات حركة النهضة، ما يعيد تكرار سيناريو رئيس الحكومة التونسية الأسبق يوسف الشاهد، الذي انقلب على الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، عندما تحالف مع حركة النهضة، ومكنها من إحكام سطوتها على حكومته.
مشاركة :