سجال غير مسبوق في السباق الرئاسي الأميركي | عدلي صادق | صحيفة العرب

  • 9/3/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

مستفيدا من تفوهات سابقة ومواقف لاحقة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، أزعجت العرب والمسلمين والملونين، تقدم جو بايدن، المرشح الرئاسي عن الحزب الديمقراطي خطوة أشبه بمأسسة اتفاق تفاهم مع ممثلي الجاليات العربية، أعقب ما سمّاها “خطته لليهود في الولايات المتحدة” أو “القسم اليهودي من برنامجه الانتخابي”. في “خطة الشراكة” التي أعلنت السبت، بين مسؤولي حملة بايدن وممثلين عن العرب الأميركيين؛ تعهد المرشح بضم عناصر منهم في إدارته، واتخاذ خطوات عملية لمحاربة التمييز ضد الجاليات العربية والإسلامية، وإلغاء الأمر التنفيذي، الذي أصدره الرئيس دونالد ترامب، لتقييد انتقائي لإجراءات اللجوء، وحظر دخول الأشخاص، من عدة دول ذات غالبية مسلمة. ولكي يأخذ نصيبه من أصوات اليهود، طرح بايدن في “القسم اليهودي” من برنامجه، التعهد بمحاربة معاداة السامية، والوقوف بثبات ضد “حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها ومعاقبتها” BDS والتأكيد على الالتزام البديهي والتاريخي في برامج مرشحي الرئاسة الأميركية، بـ”حماية أمن إسرائيل”. وفي الحقيقة، مثلما هناك متحمسون من أصول عربية، في حملة المرشح الديمقراطي، هناك أيضا متحمسون يهود صهيونيون، وحاخامات، في الحملة نفسها. ذلك على الرغم من رؤية جو بايدن للسياسة الخارجية الأميركية، ومعظم فقراتها مناقضة تماما لرؤية ترامب على صعيد تسوية النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي. في الجانب الآخر، لا تزال حملة المرشح الجمهوري الرئيس تشهد سجالات مريرة، بين يهود صهيونيين متطرفين، من أنصار الحزب نفسه، وبعض رموز حملته للانتخابات الرئاسية. فالأولون يدققون في كل كلمة يلقيها المتحدثون الجمهوريون في الفعاليات الدعائية، ويتوقفون عند الكثير من الكلمات ويشككون في النوايا، دون أن يكون المتحدثون، قد خطر في أذهانهم تأويل المتطرفين، ويضعون مفهوم معاداة السامية، كما يرونه هم، مسطرة يقيسون بها كل جملة. فحتى نداء أو شعار “أميركا أولا” الذي أطلقه ترامب، رفضه اليهود المتطرفون الموالون للحزب الجمهوري، لأنه يشبه الشعار النازي في الحرب العالمية الثانية “ألمانيا أولا”. بل وصل الأمر إلى أن يستنكر المتطرفون الممثلون لتيار ما يسمى “الكاثوليكية اليهودية المتعصبة” تشبيه متحدث يعارض الإجهاض ويستفظعه، فبالغ من دون قصد تشكيكي وشبّه الإجهاض بالمحرقة اليهودية في الأربعينات، وفُسر التشبيه بأنه تقليل متعمد مما جرى في المحرقة. وفي سياق التركيز الذي تشهده الحملات الجارية على قضايا المنطقة العربية والشرق الأوسط عموما؛ لم يتردد جو بايدن في تضمين خطة الشراكة مع العرب الأميركيين، التي أعلن عنها السبت الماضي، التعهد الصريح بحل الدولتين في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ومعارضة أي خطوات أحادية الجانب، من قبل أي من الجانبين تقوض هذا الحل. مايك بنس لم يتنبه إلى أن الأهم عند الناخب الأميركي هو البرنامج الاجتماعي وإلى من ينحاز الرئيس إضافة إلى الالتزام بالوفاء الشخصي للشركاء والزملاء وهذا اختبار سقط فيه ترامب بامتياز بل إن الأمر وصل إلى حد المجاهرة بالخطوات التفصيلية التي أضمرها المرشح جو بايدن، وهي غير مسبوقة أميركيا، على مستوى التحدي الصريح للخط الإسرائيلي والصهيوني الأميركي المتطرف. لم يكن هذا التعهد مفاجئا. فقد صارح به جو بايدن الناخبين وأعضاء الحزب الديمقراطي، منتقدا سياسة ترامب في المنطقة، ومعبرا عن رفضه الصريح لخطط الضم والتوسع الاستيطاني، وقال إنه سيواصل معارضة هذين التجاوزين، عندما يفوز بالرئاسة. كما تعهد بإعادة المساعدات الاقتصادية الإنسانية للشعب الفلسطيني، بما يتوافق مع القانون الأميركي، بما في ذلك مساعدة اللاجئين عبر وكالة “أونروا” ولم ينس الحديث عن ضرورة العمل على معالجة الأزمة الإنسانية المستمرة في غزة، وإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، والعمل على إعادة فتح بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن. ومن المفارقات، أن حملة بعض اليهود المتطرفين، على بعض المتحدثين الجمهوريين، اضطرت الأخيرين إلى العودة للتركيز على الخطوات التي يعارضها المرشح الديمقراطي، وهي دعم التوسع الاستيطاني والضم والانحياز الأعمى لإسرائيل على النحو الذي لا يفيد، بالمحصلة، التسوية التي تطمح إليها الولايات المتحدة. ولم يعد يخلو حديث لنائب الرئيس ترامب، مايك بنس، من التذكير بأن ترامب يلتزم بكلمته بدليل أنه نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. ولم يتنبه مايك بنس إلى أن الأهم عند الناخبين الأميركيين هو البرنامج الاجتماعي وإلى من ينحاز، والالتزام بالوفاء الشخصي للشركاء والزملاء، وهذا اختبار سقط فيه ترامب بامتياز، حيث فقد ترامب تعاطف مؤيديه من السود، الذين أصيبوا بخيبة أمل من أدائه في حوادث الغضب الشعبي على إثر عملية قتل المواطن الأسود. وانفضت من حول ترامب شخصيات مرموقة كالسيناتور من الحزب الجمهوري تيم سكوت، من ساوث كارولينا، الذي انتقل من انتقاد النزعة العنصرية أو ما سماه ضعف السلطة الأخلاقية لدى الرئيس، إلى انتقاد حاشيته ومساعديه ومجموعته، الذين يدفعون بالأمور الاقتصادية إلى إفقار المواطنين البسطاء، وإلى المزيد من الإثراء لمن سماهم حرفيا “نُخب مانهاتن” و”أباطرة هوليوود”، وهذان عنوانان رمزيان لكثافة التواجد الرأسمالي اليهودي. لعلها المرة الأولى، في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي يكون فيها السبب في اشتعال السجال في الحملات، مفاهيم قيمية ورؤى اجتماعية وحسابات جذرية تماما على صعيدي السياسة الداخلية والخارجية. وبالطبع، كانت سياسات ترامب غير المسبوقة شكلا ومضمونا، هي سبب اشتعال السجال.

مشاركة :