في ظل التنافس مع الحضارة الغربية سادت مصطلحات ومفاهيم لمجاراة الغرب من مثل النظام السياسي في الإسلام، والنظام الاقتصادي في الإسلام، حيث تساق هذه العبارات لتأكيد أن الإسلام شامل لكل مناحي الحياة، وأن الغرب لم يتقدم علينا بشيء، وتساق بطريقة تؤكد أنه أتى بها كمنظومة متكاملة مقننة وموجودة بين دفتي كتاب. فيقال إن النظام السياسي في الإسلام يشمل الشورى والتعددية وتداول السلطة، والنظام الاقتصادي يشتمل على حرمة الربا والاحتكار والغرر ومشروعية البيع والإجارة والشركة وغيرها، وفي الحقيقة هذه ليست بنى (جمع بنية) في مجالاتها، وإنما هي أقرب إلى الجوانب الأخلاقية أو أخلاقيات المجال منها إلى كونها بنية متكاملة، وهذا لا ينتقص من الإسلام بكل تأكيد، لأن الإسلام ليس دين اقتصاد أو سياسة في المقام الأول أو أنه نظرية فيهما، بل حتى المجال الاجتماعي والأسري نجد أن الإسلام لا يعطي بنية متكاملة كما هو الحال في العبادات، وما ذاك إلا لأن مجاله وأساسه الوحدانية وربط علاقة الإنسان بالله في المقام الأول، ثم ربطه إنسانيا بأخيه الإنسان، والتي تعتبر المقصد العام من التشريع بعد الوحدانية. ولذا نجد أن التنظيمات والبنى قد تركت، وإن وجدت أو وجد شيء منها فللإشارة لها أو التمثيل لها وليس لتطبيقها حرفيا، أي يراد منا تطبيق مضمونها لا تطبيقها هي نفسها، وهذا ما لم يدركه المنافحون عن الإسلام منذ قرن، حيث ادعوا أن الإسلام أتى بنظام اقتصادي أو سياسي ليجاري الأنظمة الحديثة، ثم يدعون السبق بذلك وكأننا نحن المسلمين أو -الإسلام- في سباق مع من يأتي بالنظرية أولا، مع أن كل تلك الأخلاقيات موجودة في كل النظريات الحديثة أو أغلبها ولكن بسياقات مختلفة، وكذلك أوجد تصور وجود بنية متكاملة لدى الجماعات الإسلامية الراديكالية وبعض الأنظمة فكرة تطبيق الشريعة بنفس طريقة تطبيق القوانين في حين لا يوجد مثل هذا المصطلح متعلقا بالفرد، مع أن الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- بعثوا للفرد ولم يبعثوا للدول أو لتحديد النظام الاقتصادي أو السياسي. الإسلام لا توجد به سياسة أو اقتصاد ولكن يوجد به سياسي واقتصادي، كالشخص يمارس السياسة والاقتصاد من خلال تدينه الذي يمنعه من الظلم والتحايل والغش، فالنبي عليه الصلاة والسلام حينما أثنى على النجاشي لم يذكر أنه تبنى نظاما معينا أو إجراء معينا، وإنما ذكر القيمة فقال "ذاك ملك لا يظلم عنده أحد"، وعليه فإن تحديد ما هو متعلق بالإسلام عن غيره لهو من أبرز مظاهر تجديد الخطاب الديني أو تجديد الأحكام، فإذا قال لي شخص ما هي رؤية الإسلام لمسألة انتقال السلطة أو سلطة الشعب أو المناصحة أو التأمين؟ فسأجيبه بأن رؤية الإسلام لها أن تبقى خارجه، فهذا هو تجديدها فلا نريد كشرعيين أن نجدد ما ليس من الدين، فبه هدر للطاقات وتشتيت للناس، وهذا ما وقع به القدماء من أخطاء حينما جعلوا البنى من الإسلام نفسه حينما يرددون أن هذا جائز للمصلحة أو ممنوع للمفسدة أو سدا للذريعة، وإنما على المسلمين أن يوجدوا تلك الأنظمة السياسية والاقتصادية بإشراف ديني ليس إلا ثم ينسبونها لهم كمنتج حضاري ولا ينسبونها للإسلام كأحكام.
مشاركة :