البيع على المكشوف في سوق الأسهم السعودية

  • 9/7/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

الجدل حول عملية البيع على المكشوف (البيع شورت) قديم جدا، وتنوع هذا الجدل بين مؤيد ومعارض وأتى من منطلقات متعددة، بعضها دينية وبعضها اقتصادية بحتة، وقد كتبت عن هذا الموضوع عدة مرات. لكن الجديد في الأمر هو أنه الآن أصبح ممكنا - ولكن بشكل غير مباشر - القيام بالبيع على المكشوف من قبل جميع فئات المتداولين في سوق الأسهم السعودية! لم يصدر تنظيم جديد بذلك، ولا يزال البيع على المكشوف بشكل مباشر غير ممكن، ولكن بالإمكان القيام بذلك من خلال العقود المستقبلية التي بدأ العمل بها منذ 30 آب (أغسطس) 2020. الفكرة من البيع على المكشوف هي أن يقوم المتداول بالبيع الآن والشراء لاحقا، على عكس الطريقة المعتادة وهي الشراء الآن والبيع لاحقا. وتأتي الحاجة إلى البيع على المكشوف عندما يعتقد المتداول أن أحد الأسهم مبالغ في سعره ويرى أنه سينخفض في الفترة المقبلة، فيبيعه الآن مثلا بسعر 100 ريال ويشتريه لاحقا بسعر 90 ريالا، فيحقق في هذا المثال عشرة ريالات ربحا من كل سهم، وهذا لا يزال غير ممكن في السوق السعودية. أو أن الشخص يعتقد أن الأسهم السعودية بشكل عام ستنخفض خلال الأسابيع المقبلة فيقرر البيع على المكشوف لأحد أسهم المؤشرات، وهو عبارة عن صندوق يحتوي على عدد كبير من أسهم أكبر الشركات السعودية (مثل صندوق فالكم وصندوق مؤشر إم تي 30) ويتم تداوله تماما كالأسهم، ومن ثم يقوم لاحقا بشرائه بعد أن ينخفض سعره، وهذا كذلك لا يزال غير ممكن، عدا من قبل صناع السوق الرسميين الذين يعملون في هذه الصناديق (وهذه إشكالية سنأتي إليها في مقالات قادمة). إذا البيع على المكشوف بهذا الشكل المباشر غير ممكن، ومع الأسف إلى ما قبل 30 آب (أغسطس) 2020، لم يكن لدى المتداول الذي يتوقع هبوط الأسعار عمل أي شيء عدا الخروج من السهم (أو من السوق ككل) ليقلص خسارته، ولم يكن بإمكانه تحقيق أي ربح من توقعاته هذه. الأمر الذي استجد هو إطلاق سوق المشتقات المالية والبدء بتداول أول منتج وهو العقود المستقبلية لمؤشر (إم تي 30). نظرا لطبيعة العقود المستقبلية نجد أن كل عقد مستقبلي عبارة عن عقدين، عقد شراء وعقد بيع على المكشوف، لذا فإن البيع على المكشوف شرط من شروط الأسواق المستقبلية لعقود المؤشرات. ولكن ما علاقة ذلك بسوق الأسهم؟ وكيف يمكن للمتداول بيع الأسهم السعودية على المكشوف؟ أولا لنكن واضحين أكثر نقول، إن الأسهم السعودية ذاتها لا تباع على المكشوف، ولكن يحصل المتداول على النتيجة نفسها وكأنه باع الأسهم على المكشوف، مع العلم أن العقود المستقبلية لا تتطلب تسليم أسهم عند استحقاقها، بل فقط تكون هناك تسوية مالية يومية بين الرابحين والخاسرين من العقود، وبالضرورة يكون مجموع الربح لأي يوم مساويا لمجموع الخسارة، أي أن سوق العقود المستقبلية عملية مجموعها النهائي صفر. بما أن العقود المستقبلية مبنية على مؤشر (إم تي 30) الذي يرصد أداء 30 شركة (تزيد وتقل حسب ما يتم من موازنات دورية)، وأداء هذا المؤشر قريب جدا لأداء مؤشر (تاسي)، إذا تصبح العقود المستقبلية أداة لمحاكاة أداء الأسهم السعودية. فإذا اشترى متداول عقدا مستقبليا لشهر أيلول (سبتمبر) بسعر معين، فإن أداء هذا العقد يتأثر بأداء مؤشر (إم تي 30)، الذي بدوره يتأثر بأداء 30 شركة من أكبر وأهم الشركات السعودية. وفي المقابل إذا قام المتداول ببيع عقد مستقبلي على المكشوف فإنه يربح إذا انخفض مؤشر (إم تي 30) الذي بدوره ينخفض إذا انخفضت الأسهم السعودية. هنا يجب التنويه إلى اختلاف مهم بين البيع على المكشوف في العقود المستقبلية والبيع على المكشوف للأسهم مباشرة (وهو الشكل غير الممكن في السوق السعودية) وهو أن البيع على المكشوف المباشر يعني في حقيقة الأمر بيع أسهم في السوق، مما يشكل ضغطا على الأسهم فينخفض سعرها، ولكن بما أن سوق العقود المستقبلية منفصل عن سوق الأسهم، فإن بيع العقود على المكشوف لا يؤثر مباشرة في حركة الأسهم! أي أنه في واقع الأمر سوق العقود المستقبلية عبارة عن مراهنات بين المتعاملين على اتجاه أسعار الأسهم، ويمكن تشبيه ذلك بالمراهنات التي تتم على بعض المباريات في بعض الدول (ليست دائما بمقابل مالي)، حيث إن نتيجة المباراة نفسها بالطبع لا تتأثر بالمراهنات، ولكن العكس، المراهنات تتأثر بنتيجة المباراة. إذا العقود المستقبلية السعودية تتأثر بسوق الأسهم، ولكن سوق الأسهم لا تتأثر (غالبا) بالعقود المستقبلية (سنعود لاحقا لشرح بعض التأثيرات الممكنة، بعضها نظامي وبعضها غير نظامي). ماذا عن الجانب الشرعي لمن يرى أن البيع على المكشوف حرام؟ هل البيع على المكشوف في العقود المستقبلية له الصفة نفسها الموجودة في بيع الأسهم على المكشوف؟ لا أعلم ولكن هناك فروقات كبيرة، أولها أن بيع الأسهم على المكشوف يتطلب اقتراض أسهم شخص آخر وبيعها في السوق، ولكن في العقود المستقبلية لا يوجد حاجة إلى ذلك، يمكن لأي شخص لديه حساب عقود مستقبلية أن ينشئ مركز بيع على المكشوف لعقود مؤشر (إم تي 30) مقابل ضمان مبدئي قليل نسبيا الهدف منه ضمان توفر المال لدى المتداول في حال خالفت العقود توقعاته وارتفع سعرها. أي أنه لا يوجد اقتراض لأي أصل من الأصول، ولكن هل في ذلك بيع لما لا يملكه الشخص؟ في سوق عقود المؤشرات لا يوجد حقيقة أصل لا للبيع ولا للشراء، لأن العملية كما ذكرنا مجرد مراهنات على اتجاه أسعار الأسهم. سنعود - إن شاء الله - لموضوع التحريم لاحقا لأن هناك كذلك أمورا أخرى وجوانب تشابه واختلاف لا يتسع المجال للتطرق إليها. ختاما، لأول مرة في تاريخ الأسهم السعودية يمكن للمتداولين تحقيق أرباح من هبوط الأسهم، لا من ارتفاعها، وهو ما يعرف بالبيع على المكشوف، ويمكن عمل ذلك من خلال العقود المستقبلية لمؤشرات الأسهم. نقلا عن الاقتصادية

مشاركة :