تسبب فايروس كورونا في حرمان الجزائر من تحويلات هامة بالعملة الصعبة من أموال المغتربين الذين كانوا يتدفقون بقوة على البلاد لقضاء العطلة الصيفية، الأمر الذي شكل ضربة موجعة للاقتصاد ولاحتياطي العملة الصعبة. الجزائر - منعت جائحة كورونا الملايين من المهاجرين الجزائريين من قضاء الإجازة الصيفية في وطنهم، وحرمت معها خزينة البلاد من مبالغ هامة من النقد الأجنبي. وحسب تقديرات غير رسمية، يعيش نحو 7 ملايين مغترب جزائري حول العالم، بينهم أكثر من 5 ملايين في فرنسا وحدها، ونحو 150 ألفا في إسبانيا، و60 ألفا في بريطانيا. في مارس الماضي، أغلقت الجزائر حدودها البرية والجوية والبحرية لمواجهة تفشي فايروس كورونا، وما زال الوضع على حاله مع بعض الاستثناءات لرحلات إجلاء العالقين بالخارج. قبل أسابيع، قالت الرئاسة الجزائرية، في بيان، إن الحدود البرية والبحرية والجوية للبلاد ستبقى مغلقة، بسبب استمرار تفشي فايروس كورونا. وألغت الخطوط الجوية الجزائرية، بين 19 مارس ونهاية يوليو الماضي، 4357 رحلة جوية، ما يعادل 1.07 مليون مقعد، أغلبها موجهة للمهاجرين، وسط خسائر تقدر بـ135 مليون دولار ومن المتوقع أن تصل إلى 290 مليون دولار نهاية العام. وفي ظل إغلاق المجالين البحري والجوي للجزائر، وجدت السلطات نفسها أمام عملية إجلاء للرعايا العالقين بالخارج من غير المهاجرين، مكنت حتى الآن من إعادة أكثر من 30 ألف مواطن إلى بلادهم. وعادة ما تشهد المطارات والموانئ الجزائرية حركة كثيفة للمهاجرين العائدين في العطلة الصيفية، يصاحبها ارتفاع كبير في أسعار التذاكر بسبب الطلب الكبير عليها. في كل صيف يحمل المهاجرون العائدون إلى الجزائر، أمتعة وأموالا بالنقد الأجنبي، سواء نقدا أو في حسابات بالعملة الأجنبية في بنوك محلية، يتم صرفها في الغالب في السوق الموازية للعملات. عبدالرحمن عية: قدوم المغتربين كان يساهم في جلب النقد الأجنبي للبلاد عبدالرحمن عية: قدوم المغتربين كان يساهم في جلب النقد الأجنبي للبلاد ووفق تقديرات للحكومة الجزائرية، فإن تحويلات المهاجرين سنويا عبر البنوك تتراوح ما بين 2 و3 مليارات دولار. ومع تبخر الإجازة الصيفية، سيتوقف نشاط تجار الحقائب إذ كان يزدهر خلال كل إجازة صيفية، كما ستتضرر شركات النقل البحري والجوي التي كانت الإجازة الصيفية تمثل لها فرصة من ذهب لتحقيق عائدات مالية هامة. وكان العديد من المواطنين يشتغلون في حمل حقائب المسافرين القادمين من الخارج خلال الصيف حيث تشكل وظيفة موسمية تسد قوت شريحة من الناس، إضافة إلى تراجع نشاط وسائل النقل الخاصة والعامة والتي كانت تنتعش في الموسم السياحي بفعل الحركية. يرى النائب عن المهاجرين بالبرلمان الجزائري سمير شعابنة أن غلق الحدود البحرية والجوية والبرية للجزائر، منع نحو 800 ألف مغترب بفرنسا وحدها من قضاء الإجازة في وطنهم. ونسبت وكالة الأناضول لشعابنة قوله إن “عدم تمكن عدد كبير من المهاجرين الجزائريين من قضاء إجازتهم السنوية الصيفية في وطنهم، له تداعيات اقتصادية واجتماعية”. فمن الجانب الاقتصادي، أوضح أن “الجزائر استقبلت العام الماضي 800 ألف مغترب من فرنسا قضوا الإجازة في البلاد، والعدد كان مرشحا ليكون أعلى هذا العام لولا جائحة كورونا”. وحسب شعابنة، فإن الإجازة هذا العام كانت ستنقسم إلى 3 فصول، الأول خلال رمضان وعيد الفطر، والثاني خلال يونيو ويوليو شهر الإجازة الصيفية، والثالث في أغسطس مع عيد الأضحى. لذا فإن تعذر قضاء المغتربين لإجازاتهم بالجزائر، حرم البلاد من مداخيل هامة من النقد الأجنبي، تصل إلى 800 مليون يورو (930 مليون دولار) على الأقل للقادمين من فرنسا فقط، باحتساب متوسط نفقات بـ1000 يورو للفرد الواحد (حوالي 1117 دولارا)، وفق شعابنة. وإلى جانب الآثار الاقتصادية، يرى شعابنة أن “هناك تبعات اجتماعية، من منطلق أن الآلاف من المغتربين حرموا من حضور مناسبات في الجزائر على غرار حفلات الزفاف وأخرى دينية”. من جهته، يرى الناشط الجزائري المقيم بمارسيليا الفرنسية يوسف بوعبون أن “لجائحة كورونا تبعات اقتصادية خصوصا على المغتربين بالخارج والبلاد عموما”. وأوضح بوعبون أن “جائحة كورونا منعت صغار التجار من المغتربين، من العودة إلى أرض الوطن، حيث كانوا في كل مرة يخلقون حركية اقتصادية بالبضائع التي يجلبونها معهم”. كما أن للجائحة تأثيرا كبيرا على الشركات الحكومية للنقل البحري والجوي، التي حرمت خزائنها منذ 5 أشهر من النقد الأجنبي لقاء عمليات حجز التذاكر بالخارج، حسب بوعبون. وأشار إلى أن “غياب المغتربين هذا العام عن الجزائر، سيسهم في تباطؤ حركية اقتصادية وسياحية (حجز الفنادق والمنازل)، كانت تشهدها البلاد كل صيف”. 800 مليون يورو حرمت منها مداخيل البلاد من النقد الأجنبي، من المهاجرين القادمين من فرنسا ورأى أن تباطؤ الحركة سيكون بشكل خاص في “مناطق تعرف بوجود عدد كبير من أبنائها في الخارج، كمنطقة القبائل والعاصمة ووهران وسطيف وباتنة وقسنطينة وجيجل وغيرها”. وحسب بوعبون، فقد حرمت الجائحة المغتربين من علاقات اجتماعية في بلادهم، على غرار الزواج المختلط (زواج مغترب أو مغتربة بمواطن أو مواطنة من المقيمين بالجزائر) إضافة إلى حضور المناسبات العائلية والدينية. أما الخبير وأستاذ الاقتصاد بجامعة ابن خلدون الحكومية عبدالرحمن عية فيرى أن “قدوم المغتربين وخاصة من أوروبا لقضاء الإجازة الصيفية، هو أكثر من ضروري لما له من إسهام في جلب النقد الأجنبي للبلاد”. وحسب عية، فإن “مئات الآلاف من المغتربين يقومون سنويا بصرف مبالغ مالية كبيرة من النقد الأجنبي، في الساحات العامة. وأشار إلى أن النقد الأجنبي، الذي يأتي مع المغتربين، كان في العادة يتم شراؤه من طرف المواطنين المقيمين في الجزائر لأغراض السياحة خصوصا، كون البنوك لا تمنح سوى 110 يوروهات سنويا للفرد الواحد بسعر الصرف الرسمي. ويبلغ سعر صرف اليورو في البنوك الجزائرية نحو 139 دينارا، وفي السوق الموازية 200 دينار تقريبا، كما يقدر سعر صرف الدولار في البنوك بـ120 دينارا، وفي السوق الموازية 175 دينارا. ويواجه الاقتصاد الجزائري تداعيات انتشار فايروس كورونا المستجد مع انخفاض قيمة الدينار وارتفاع التضخم وتوقف الشركات عن العمل، وكل هذا يأتي إلى جانب انخفاض عائدات النفط. وأعلن الديوان الوطني للإحصاء في أغسطس الماضي عن “أرقام مقلقة” من انخفاض بنسبة 3.9 في المئة في إجمالي الناتج الداخلي في الربع الأول من 2020، إلى اقتراب نسبة البطالة من 15 في المئة في يوليو بعدما ثبتت عند 11.4 في المئة في نهاية 2019. وبحسب توقعات صندوق النقد الدولي، سيشهد الاقتصاد الجزائري انكماشا نسبته 5.2 في المئة هذا العام مع عجز في الميزانية هو الأعلى في المنطقة. وتواجه الجزائر أزمة سيولة حادة كشفها بوضوح اضطرار مكاتب بريد في العديد من مناطق البلاد، إلى دفع مستحقات عملائها بواسطة النقود من فئة 50 و100 و200 دينار جزائري نتيجة افتقادها للسيولة المالية وللنقص الحاد للأوراق المالية. ومع إجراءات الحجر منيت الشركات المملوكة للدولة بخسائر تبلغ نحو مليار يورو من جراء الأزمة الصحية، حسب تقديرات وزير المالية أيمن بن عبدالرحمن. ولم يتم تقييم خسائر القطاع الخاص بعد، لكن العديد من المتاجر مغلقة بما في ذلك المطاعم والمقاهي ووكالات الأسفار، وهي تواجه خطر الإفلاس بسبب إغلاقها منذ 19 مارس.
مشاركة :