ليس إنسان من لم يسأل نفسه من أين أتيت ؟ وإلى أين سأذهب ؟ وما حقيقة الحياة ؟ وما حقيقتي ؟ لا يستحق العيش من لم يقف مع نفسه ولو لمرة واحده يسألها عن سر وحقيقة وجوده وحقيقة هذه الحياة التي يعيش بين جنباتها ويحياها!فالحياة تمضي بحلوها ومرها،خيرها وشرها،ووسط هذا المعترك الصعب لابد من نافذه روحانية يتنفس الإنسان من خلالها الصعداء نحو الهدوء والسكينة وراحة الضمير وهذا كله لا يتحقق إلا بنفس راضية عن ذاتها أولا وعن خالقها آخرا.وذلك يكون بالارتماء في أحضان الله عز وجل لكونه الأمان المطلق والسير نحو السعادة الأبدية .وكون هذه الحياة قصيرة وفانية والموت هو نهايتها الحتمية كان لابد للعاقل الفطن أن لا يجعلها غاية تنتهى إليها كل طموحاته،وإن فعل هذا تحطمت على عتبات دنياه كل ما سعى إلى تشييده وبنائه وكان الندم يوم لا ينفع الندم .إن حركة الحياة حركة سريعة جدا للغاية القصوى،فلا تعرف الهدوء والسكون، فهي ليل ونهار،هدوء وتعب،عمل وراحة،وكل يوم تعاد ذات الكرة فينة بعد أخرى !إن استمرار هذه الحركة والتي لا تعرف السكون وبهذه السرعة تجعل كلا من الأرض والشمس تبتعد كل سنة عن موقعهما في السنة الماضية بنحو500 مليون كم! لذلك فنحن نعيش فوق أحد هذه الأجرام السماوية التي تتحرك بسرعة فلكية مخيفة. وبالإضافة إلى هذا فإن كوكبنا يعد كوكبًا صغيرًا وعاديًا فيما إذا قورن مع بقية الكواكب الموجودة في هذا الكون الواسع المترامي الأطراف... إن هذه الدرجة العجيبة من الدقة في التوازن الموجود في نظام الكون تشير إلى حقيقة لا مفر منها وهي, أن حياتنا على كوكبنا الأرضي مرتبطة بقيد شعرة لأن الأجرام السماوية إذا تزحزحت أو تحركت أو انحرفت ببضع ميليمترات فقط خارج أفلاكها فإنه من الممكن أن تتولد نتائج وخيمة تجعل الحياة فوق كوكبنا مستحيلة. لقد كان من الممكن حدوث حوادث واصطدامات مروعة ضمن هذا القدر الكبير من السرعات المختلفة وهذا القدر الكبير من التوازن الموجود داخل هذا النظام, ولكن الحياة لا تزال مستمرة على كوكبنا، ولا زلنا مستمرين في العيش مما يشير إلى أن احتمال وقوع الكوارث فيه أمر نادر, فالنظام فيه مستمر ويسير دون أي خلل أو اضطراب. ونحن البشر نعيش على هذا الكوكب ونستمر في هذا العيش بأمان من دون أي قلق دون أن نشعر حتى بسرعة دوران الأرض...أكثر الناس لا يفكرون كثيرا في كيفية استمرار هذه الحياة على الأرض، ونظرا لأنهم لا يفكرون، فهم لا يدركون أن حياتهم مرتبطة في الحقيقة بتوفر شروط غير اعتيادية تفوق الخيال ولا ينتبهون إلى هذه الحقائق, لذا نرى أن أغلبية الناس الذين يعيشون على هذا الكوكب لا يدركون لأي غاية محددة خلق هذا الكون, فهم يستمرون في حياتهم دون أن يعبئوا كثيرا بسبب ولا بغاية وجودهم على هذا الكوكب ولا يعيرون أي اهتمام إلى هذه الدرجة العالية من التوازن والنظام العجيب الموجود في كل زاوية من زوايا هذا الكون العظيم. بينما العقل و التأمل هو الذي يجعل الإنسان إنسانًا ويميزه عن باقي المخلوقات وهو أثمن العطايا التي منحها الله لبني البشر... والإنسان الذي لا يفكر ولا يستخدم ملكة العقل عنده لا يمكن أن يصل إلى الحقائق حول العديد من الأمور مثل: لماذا ولأي سبب يعيش الإنسان؟ لماذا خلقت الدنيا؟وبعد هذا كله يتبقى السؤال الذي يتبادر إلى الذهن : إلى أين نجن ذاهبون ؟ وتتأتى الإجابة الطبيعية من بحث العقلاء المنصفين عن حقيقة حياتهم وأنها لم تكن هباء،بل لها نهاية وبداية،نهاية حياتهم من فوق هذه البسيطة ( الحياة الدنيا ) وبداية رحلتهم الأبدية حيث الحياة الباقية ( الدار الآخره ) .ولابد من إعداد العدة والزاد والراحلة لقطع هذه المسافات البعيدة والعقبات الكؤود .وهذا يتحقق باللجوء إلى علام الغيوب،والقيام على قدم العبودية بأن تكون الدنيا في أيدينا لا في قلوبنا وتلك هي المعادلة الصعبة بأن نجعل الحياة وسيلة وليس غاية .أليس من الغباء والحماقة أن يضحى الإنسان بحياته الأبدية من أجل متعة قصيرة مصيرها إلى زوال لا محالة ؟ فكم من شهوة ذهبت لذاتها وبقيت تبعاتها.
مشاركة :