تعتبر دراسة الدكتور عبدالعزيز عبدالغني إبراهيم عن العقيلات وعنوانها (نجديون وراء الحدود) الصادرة في عام 1991م من أهم الدراسات الأكاديمية التي تناولت العقيلات ودورهم العسكري والاقتصادي في العراق والشام ومصر خلال قرنين من الزمان ابتداء من منتصف القرن الثامن عشر الميلادي إلى منتصف القرن العشرين حيث تميزت هذه الدراسة بالمنهجية العلمية التي ركزت على دور العقيلات خارج الجزيرة العربية وعلى الرغم من وجود جهود وكتابات أخرى قام بها المسلم والحليسي والوهيبي والسويداء وغيرهم فما زال المجال واسعاً للكتابة عن تاريخ العقيلات وأدوارهم السياسية والاقتصادية والعسكرية. ومما أسعدني اهتمام الجامعات في بلادنا بهذا الموضوع فبين يدي دراسة أكاديمية للباحث منصور بن سليمان الشريدة تصحح مفهوماً خاطئاً حول اقتصار تجارة العقيلات على التبادل التجاري والرحلات الممتدة خارج الجزيرة العربية مع العراق والشام ومصر كما يظن كثير من الناس، حيث اختصت الدراسة بالبحث في دور العقيلات التجاري بين إقليم القصيم وإقليم الحجاز خلال الفترة (1263 1357ه) فعلى الرغم من الأثر الواضح لتلك التجارة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية على أهل القصيم إلا أن هناك عدم اهتمام بهذا الدور في كثير من الدراسات التي تناولت تاريخ المنطقة وهذا الأمر هو ما لفت نظر الباحث وجعله يختار هذا الموضوع لدراسته. وقد جاءت الدراسة في ثلاثة فصول وتمهيد ومقدمة وقد اشتمل التمهيد على حديث عن جغرافية القصيم وأصل مسمى العقيلات حيث استعرض الباحث ثلاثة آراء ذكرتها مصادره في أصل تسميتهم بالعقيلات وناقشها واستبعد اثنين منها ثم رجّح الرأي القائل بأن أصل تسميتهم مرتبط بقبيلة بني عقيل التي استقرت في البحرين أواخر القرن الثالث الهجري وكانوا أهل شوكة وخفارة على البراري حتى عهد العيونيين ثم ورثوا سلطتهم على البحرين ونجد؛ فالمؤلف يرى أن اسم العقيلات يتضمن أحد معنيين أو كليهما الأول: أن هؤلاء كانوا من رعايا دولة العقيليين فنسبوا إليها. والثاني: أنهم سمّوا بالعقيلات تشبيهاً لهم ببني عقيل الذين كانوا أهل تجارة بين البلدان. كما يؤكد أن هذه التسمية لم يطلقها أهل نجد على أنفسهم وإنما أطلقها عليهم أهل الأقطار الأخرى وأولهم أهل العراق ظناً بأن هؤلاء التجار من ذرية العقيليين لأنهم جاءوا من بلادهم وورثوا حرفتهم، في حين أكد أن مصطلح العقيلات أو عقيل ليس حكراً على أهل القصيم كما يظن البعض ولكنهم أشهر من أطلق عليه هذا المصطلح. وقد تطرق الباحث في الفصل الأول إلى أوضاع العقيلات بعد سقوط الدولة السعودية الأولى فتناول أسباب خروج العقيلات من القصيم التي عزاها إلى الصراعات الداخلية، كما تحدث في هذا الفصل عن بداية نشاط العقيلات في التاريخ الحديث. أما الفصل الثاني الذي هو لب الدراسة فقد خصّص للتجارة بين القصيم والحجاز وتناول فيه تاريخ العلاقة بين القصيم والحجاز منذ عهد الدعوة الإصلاحية ويتضمن أسباب ميل أهل القصيم إلى الحجاز التي تجلت بعد استقبال أهل القصيم للشريف محمد بن عون بشكل ودّي حينما جاء على رأس حملة إلى نجد عام 1263ه، كما تحدث في هذا الفصل عن دور العقيلات في التجارة مع الحجاز وفيه تفصيل لطبيعة تجارتهم التي كانت تشمل الإبل والخيل والغنم والحبوب والتمر والسمن. وفي الفصل الثالث من الدراسة تناول الباحث الدور السياسي للعقيلات سواء دورهم في الصراع مع ابن رشيد أو دورهم في الثورة العربية أو في الصراع بين الملك عبدالعزيز والشريف حسين أو دورهم في الصراع مع الإخوان. وأخيراً فإننا نشكر الباحث الكريم على هذه الدراسة التي تكشف جانباً مهماً من تاريخ العقيلات الذي يحتاج إلى مشروع علمي شامل أو ربما موسوعة تاريخية تضطلع بتسجيله والإحاطة به إلا أن الباحث كان بإمكانه أن يخدم بحثه ويظهره بمظهر أفضل لو اعتمد على الوثائق وقام بتحليلها حيث لم يشر في قائمة المصادر والمراجع إلى أي وثيقة غير منشورة فهل من المعقول أن لا يكون استعان بوثيقة واحدة على الأقل؟! ولا يفوتنا أن نشير إلى أن هذه الدراسة صدرت في كتاب عن دار جداول في بيروت في مطلع 2015م.
مشاركة :