هذه رحلة استخرجها محيي الدين طيلوني من مذكرات السياسي والمؤرخ الفلسطيني محمد عزة دروزة وهي رحلة دينية سياسية ابتدأت من الأول من ذي الحجة 1355ه/12 فبراير 1937م وانتهت في الثاني من المحرم 1356ه/12 مارس 1937م حيث رافق دروزة الحاج أمين الحسيني إلى الحجاز في موسم الحج بهدف تأدية الفريضة ولقاء الملك عبدالعزيز للتشاور حول القضية الفلسطينية، وكان الحاج قد أبرق إلى الملك عبدالعزيز يستأذنه بالقدوم فتلقى برقية جوابية يرحب به وبمرافقيه فكانوا ضيوفاً على الملك وبالتالي فقد كفاهم مؤونة نفقات رحلتهم. وقد انطلقت رحلتهم من القدس إلى اللد على سيارة الحاج أمين ليركبوا الطائرة من مطار اللد إلى مطار ألماظة في مصر حيث استقبلهم الشيخ فوزان السابق سفير المملكة هناك والشيخ كامل قصاب وخير الدين الزركلي حيث ركبوا السيارات إلى مصر الجديدة ونزلوا ضيوفاً على الملك فاروق في فندق هليوبولس ثم زاروا السفارة السعودية والتقوا فيها ببعض السياسيين. ويشير صاحب الرحلة أن مما أسبغ على رحلتهم هو عودة المصريين للحج حيث بلغ عددهم ما يزيد على عشرة آلاف بعد انقطاع طويل حرمت فيه المقدسات وأهلها من العوائد التموينية والنقدية وكذلك كسوة الكعبة التي كانت ترسل من مصر فمنعها الملك فؤاد لتعود المياه إلى مجاريها بعد وفاته. انتقل المؤلف وأصحابه على السيارة إلى السويس ثم ركبوا الباخرة (زمزم) إلى جدة حيث تم استقبالهم ونقلهم على مركب بخاري حكومي للاستراحة في ضيافة الحكومة السعودية ثم اتجهوا إلى مكة لتأدية مناسكهم وقد أسهب في وصف مكة والحرم والكعبة بأسلوب جميل ليتجهوا بعد ذلك إلى المكان الذي أعدته الحكومة لنزولهم حيث زارهم مستشارا الملك يوسف ياسين ورشدي ملحس ليذهبوا معهما للسلام على الملك عبدالعزيز الذي استقبلهم بحفاوة ودعاهم للمشاركة في غسل الكعبة في اليوم التالي حيث قدم المؤلف وصفاً لطريقة غسل الكعبة التي شارك فيها ب(مقشة) احتفظ بها بعد ذلك في حقيبته للذكرى. ثم يسترسل المؤلف في وصف نسك الحج وشعائره معرجاً على الزيارات واللقاءات التي قاموا بها أثناء ذلك ومما أشار إليه من المسائل الثقافية المهمة أنه جاءهم وفد (الشباب السعودي) في منى ودعاهم إلى حفلة اعتادوا تنظيمها في كل سنة للبارزين والمثقفين من الحجاج بهدف التعارف حيث ألقى في تلك الحفلة الشاعر أحمد أيوب قصيدة عن حجة الوداع النبوي. ثم تحدث عن العرض العسكري الذي أقيم أمام الملك عبدالعزيز في مكة المكرمة حيث بدأ العرض بالكتائب النظامية ثم بكتيبة الشرطة لتأتي كتائب الهجانة حسب قبائلها وصفه المؤلف بالمشهد العجيب البهيج حيث كان نحو 600 من الهجن تركض براكبيها وهم يلوحون بسيوفهم وينشدون أهازيجهم البدوية التي لم يستطع فهمها ولكنه يقول إنها نبرة بدوية قوية محببة وكان كل كتيبة من أولئك تحت علم خاص. ويشير المؤلف إلى أنه في آخر العرض العسكري جاءت كوكبة من المشاة مؤلفة من أبناء الملك وإخوته وأبناء إخوته وعمومته وأخذوا يرقصون أمام القصر الملكي بسيوفهم رقصة السيف (العرضة) وهم يهزجون بالأهازيج وما لبثوا إلا والملك عبدالعزيز يتحمس للمشهد ويلقي (بشته) ويأخذ سيفاً ويندفع ليشارك في العرضة بضع دقائق. وأخيراً ففي هذه الرحلة الفلسطينية لمحات تاريخية واجتماعية وسياسية وثقافية لم تعد حاضرة في مشهد الحج اليوم ولكنها تبقى حاضرة في الذاكرة الشعبية بكل تجلياتها ودلالاتها في حين يظل موسم الحج موسماً يجمع الناس من كل أنحاء العالم فمن الجميل أن يكون لدى الجهات المسؤولة استراتيجية لاستثماره ثقافياً على نحو ما كان يفعل الشباب السعودي قبل ثمانين سنة.
مشاركة :