شكل تنظيم «أجناد مصر»، الذي أعلن عن وجوده مطلع العام الماضي عبر توثيق ثماني عمليات إرهابية ضد عناصر الشرطة، تحديا للسلطات المصرية، لكن توالي سقوط عناصره يعكس نجاح القوى الأمنية في حل أحجية هذا التنظيم الوليد، إلا أن خبراء في شؤون الجماعات الإرهابية أشاروا إلى وجود طفرة أظهرها التنظيم مؤخرا عبر قيامه بعمليات نوعية، أبرزها تفجير مقر القنصلية الإيطالية في القاهرة، وهو ما يبقيه داخل دائرة التنظيمات الأكثر خطورة في البلاد. وقالت مصادر أمنية مصرية أمس إن عنصرين اثنين تابعين لتنظيم «أجناد مصر»، يشتبه في اشتراكهما في تفجير القنصلية الإيطالية، قتلا في اشتباك مع قوات الأمن داخل منطقة فيصل، الكثيفة السكان غرب القاهرة. ويأتي مقتل عضوي تنظيم «أجناد مصر» بعد نحو أربعة أشهر من مقتل القائد الميداني للتنظيم همام عطية (33 عاما) الملقب بمجد الدين المصري، خلال اشتباكات مع قوات الأمن في حي فيصل نفسه، في أبريل (نيسان) الماضي. وأضافت المصادر الأمنية أن القتيلين هما طالبان جامعيان، أحدهما من مدينة كفر الدوار بمحافظة البحيرة، وآخر من مدينة طنطا بمحافظة الغربية، مشيرة إلى أنهما تلقيا تدريبهما على يد عطية، ويعدان من أبرز مساعديه، موضحة أن العنصرين كانا مطلوبين على خلفية عمليات إرهابية، وأنهما كانا ضمن المجموعة التي شاركت في زرع عبوة ناسفة أمام قسم شرطة الطالبية، القريب من مخبئيهما، وهي العبوة التي أدت إلى مقتل النقيب ضياء فتوح، ضابط المفرقعات، أثناء تفكيكها مطلع العام الحالي. وظل تنظيم «أجناد مصر» بمثابة لغز بالنسبة للأمن المصري طوال عام ونصف العام تقريبا، حتى تمكنت قوات الأمن من «تصفية» زعيمه مجد الدين المصري (عطية) في 5 أبريل الماضي. وفي هذا الشأن قال العميد خالد عكاشة، الخبير الأمني، لـ«الشرق الأوسط» إن حل أحجية التنظيم بدأت حينما سعى عطية للاتصال بتنظيمات إرهابية أخرى أكبر حجما، وذلك بهدف الحصول على دعم مادي وتقني، مشيرًا إلى أن أجهزة جمع المعلومات نجحت في تتبع اتصالات عطية بقيادات تنظيم أنصار بيت المقدس في سيناء. وتابع عكاشة، الذي أعد دراسة عن تنظيم أجناد مصر، موضحا: «أستطيع أن أؤكد أن اتصال عطية بأنصار بيت المقدس كان السبب وراء انكشافه.. وقبل تلك الاتصالات كان التنظيم يمثل لغزا». واعترف تنظيم «أجناد مصر» بمقتل قائده في التاسع من أبريل الماضي، وأوضح أنه شارك بالقتال في العراق وسيناء، فيما أشار بيان للشرطة المصرية أن عطية كان من أبرز قيادات تنظيم أنصار بيت المقدس في شمال سيناء، لكنه انشق عنه سنة 2013 ليؤسس بعد ذلك تنظيم «أجناد مصر». ومنذ عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي تنامت العمليات الإرهابية في مصر، وظهرت إلى جانب التنظيمات الكبرى المعروفة لأجهزة الأمن مجموعات إرهابية أصغر حجما، تفتقر إلى الخبرة والتمويل. ويرجع الدكتور ناجح إبراهيم، القيادي السابق بالجماعة الإسلامية، تاريخ التقاط الأجهزة الأمنية للخيط الذي قادها إلى كشف غموض تنظيم «أجناد مصر» إلى مارس (آذار) من العام الماضي، وذلك حينما داهمت قوات من الجيش والشرطة منطقة عرب شركس، حيث ألقت القبض على أعضاء، وقتلت آخرين بالخلية التي تعد إحدى أخطر الخلايا الإرهابية في البلاد. وفي هذا الصدد قال إبراهيم لـ«الشرق الأوسط» إنه «على العكس مما هو شائع إعلاميا، فإن خلية عرب شركس تابعة لتنظيم أجناد مصر.. وبعد تنفيذ عملية اغتيال النائب العام وعملية القنصلية الإيطالية، كنت أول من ربط بين العملية وتنظيم أجناد مصر.. فقد كان أسلوبهم واضحا في كلتا العمليتين». وأشار إبراهيم إلى عملية اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات بسيارة مفخخة نهاية الشهر الماضي، لكن تنظيم أجناد مصر لم يعلن تبنيه لأي من العمليتين، كما أوضح أن العمليات الأخيرة للتنظيم «جاءت للرد على ثلاث ضربات مني بها التنظيم، أولها مقتل زعيمه مجد الدين المصري، وثانيها موت مفكرهم العسكري نبيل المغربي في السجن، وثالثها تنفيذ حكم الإعدام في أعضاء خلية عرب شركس». ويعتقد العميد عكاشة أيضا أن تنظيم «أجناد مصر» مسؤول عن عملية القنصلية الإيطالية، وأنه تطور نوعيا خلال تلك العملية، مرجحًا أن تكون القيادة الجديدة للتنظيم، التي كانت تعرف مساعي عطية للاتصال بتنظيمات كبرى، قد نجحت بالفعل في الحصول على الدعم المطلوب. وفي هذا الصدد قال عكاشة إن «هذا يفسر الطريقة المرتبكة التي أعلن بها تنظيم أنصار بيت المقدس مسؤوليته عن عملية تفجير القنصلية الإيطالية، رغم أنني أقرب للاعتقاد أن تنظيم (أجناد مصر) ربما نجح في إقامة اتصالات مع تنظيم (المرابطون)». وأشار عكاشة إلى وجود تنظيم جديد منشق عن تنظيم «أنصار بيت المقدس»، يقوده ضابط الجيش السابق هشام عشماوي، الذي يعتقد على نطاق واسع أنه انشق عن التنظيم بعد إعلانه عن مبايعته لتنظيم «داعش» وخليفته المزعوم أبو بكر البغدادي، مضيفًا أن تنظيم «أجناد مصر» نجح بسبب افتقار الأجهزة الأمنية لأي معلومات عنه، خصوصا في أساليب التمدد وتحصيل الخبرات وتوفير الموارد. ومن جانبه، يرى إبراهيم أن التنظيم الذي تبلور خلال اعتصام رابعة العدوية (الاعتصام الذي أقامه أنصار مرسي غرب القاهرة وفضته قوات الأمن في أغسطس (آب) 2013 مما تسبب في مقتل المئات)، وحمل على عاتقه الثأر لقتلى عملية الفض لا يزال يمثل خطرا على البلاد، باعتباره «ثاني أقوى تنظيم مسلح تكفيري في مصر».
مشاركة :