مسلسل ملاحقة الديكتاتور حسين حبري دام 25 عاماً

  • 7/29/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

«مسلسل سياسي – قضائي»، قال رئيس الأساقفة الجنوب أفريقي، ديسموند توتو، حين وصف المسار المتعرّج والطويل (بدأ قبل 25 سنة ولم يُختم بعد) في ملاحقة حسين حبري، الديكتاتور التشادي السابق (1982 - 1990) المتّهم بجرائم ضد الإنسانية. وفي 20 تموز (يوليو) الجاري، بدأت محاكمته في داكار. وهذه أول محاكمة لرئيس سابق يشرف عليها الاتحاد الأفريقي، وأول مرة يلاحق ديكتاتور أفريقي سابق أمام محكمة دولة أخرى (ليست دولته) في القارة الأفريقية، ويُتّهم بانتهاك حقوق الإنسان. والمحاكمة منعطف كبير في تاريخ العدالة الدولية المضطرب في أفريقيا. والدعوى وثيقة الصلة بمسائل، منها إرساء أسس عدالة عابرة للحدود في عالم تتزايد فيه الجرائم، وغالباً ما ينجو المجرمون من القصاص. ديكتاتور دعمه الغرب وكان حبري ديكتاتوراً دموياً دعمه كلّ من الرئيس الأميركي رونالد ريغن، والرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران. فالغرب حسِب أنه يقف في وجه نفوذ العقيد معمر القذافي في عهد الحرب الباردة. وفي هذه الحرب، راج في الغرب دعم ديكتاتوريين مقابل الولاء لمعسكره. وأدت مرحلة حكم حسين حبري الى مقتل 40 ألف ضحية، وفق لجنة التحقيق التشادية. ونهجه الدموي لم يحل دون دعم الـ «سي آي أي» (وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية) وباريس له، ومدِّه بالسلاح. وإثر سقوط نظام حبري في كانون الأول (ديسمبر) 1990، بدأ عدد من الناجين من سجونه مسعى بدا أنه أقرب الى الحلم منه الى الواقع: الادعاء على الرجل الذي دمّر حياتهم. وهذه فكرة مجنونة في بلد لم يكن يوماً نموذج الديموقراطية. وبادر سليمان غينغوانغ الى جمع إفادات وشهادات 792 ناجياً من سجون حبري، وسجّل بخط يده معاناتهم وعذاباتهم على أوراق صفراء اللون، وألصق بها صورهم. وعلى رغم أن النظام التشادي تغيّر منذ إطاحة قائد سابق في الجيش التشادي حسين حبري، وانحسر العنف، لا يزال المسؤولون الباطشون المقربون من الديكتاتور السابق في الشرطة السياسية في مناصبهم. وتقاطُع عدد من العوامل هو وراء تحقّق هذا الحلم في العدالة: فإثر ملاحقة بينوشيه، ومساعي المنظّمات غير الحكومية الأفريقية، التي استعانت بخبرات منظمة «هيومن رايتس ووتش» القضائية والإعلامية ومنظمة «فيديرالية حقوق الإنسان الدولية»، رُفعت القيود السياسية عن ملاحقة حبري قضائياً. اعتقال بينوشيه في 1998، ألقت لندن القبض على ديكتاتور التشيلي السابق، أوغوستو بينوشيه. وكان وقع عملية الاعتقال هذه كبيراً في العلاقات الدولية وخلّف أثراً كبيراً. وبادرت لندن الى هذه الخطوة إثر إصدار قاض إسباني مذكرة توقيف ضد بينوشيه، ووضعته في الإقامة الجبرية جزاء جرائم ارتكبها في بلده على بعد آلاف الكيلومترات من إنكلترا. وبرز من جديد مبدأ الكفاءة الدولية الذي توسّل به في الماضي الى مكافحة القراصنة في المياه الدولية. وتابع ريد برودي المحامي في «هيومن رايتس ووتش»، من كثب قضية بينوشيه، وقرّر دعم سعي سليمان غينغوانغ ورفاقه الى الادعاء على حبري. وانطلقت عملية ملاحقة حسين حبري المعروف بـ «بينوشيه أفريقيا». وعبّر ديكتاتور التشاد السابق عن انزعاجه، وندّد بالإمبريالية القضائية الغربية والعدالة الانتقائية، في وقت لم يلاحق الى يومها قائد جيشه السابق بين 1983 و1984، الرئيس التشادي إدريس ديبي. دارت فصول المواجهة القضائية الأولى مع حبري في السنغال. ورمزية المحاكمة قوية: محكمة سنغالية تلاحق مستبداً تشادياً. ولكن عجلة المحكمة تعثّرت بدعم الرئيس السنغالي عبدولاي واد حبري. وفي 2001، يسّر المحامي برودي حصولي على إذن دخول مركز التوثيق والأمن التشادي السابق، للالتقاط بعض الصور. وحين ولجنا المبنى، وجدنا آلاف الأوراق مرميّة على الأرض: أرشيف الشرطة السياسية الباطشة التي كانت تأتمر بأمرة حبري. ووقعنا على لائحة أسماء 1208 أشخاص أُعدموا، ولائحة أسماء 12 ألف ضحية، ومحاضر الاستجوابات، والمراسلات بين أجهزة الاستخبارات. وكانت لحظة العثور على هذه الوثائق جوهرية في استئناف الملاحقة القضائية. فهذه الوثائق المكتوبة بأيدي المتهمين بالجرائم، سلّطت الضوء على بنية نظام القمع. وأول ورقة اطلعنا عليها، كانت رسالة شكر الى الـ «سي آي أي» على دورة تدريب لعناصر من الشرطة السياسية. كلمة الفصل سياسيّة إثر إخفاق ملاحقة حبري أمام القضاء السنغالي، بحث ضحايا الحكم الديكتاتوري التشادي ومحامي «هيومن رايتس ووتش»، عن محكمة مخوّلة محاكمته. ولجأوا الى بلجيكا التي كانت يومها رائدة في تطبيق مبدأ الكفاءة الدولية، واتهمت هذه حسين حبري بجرائم ضد الإنسانية. ولكن السلطات السنغالية رفضت تسليمه. وطلب الاتحاد الأفريقي من السنغال محاكمة الديكتاتور السابق «باسم أفريقيا» أو تسليمه الى بلجيكا. وفي 2009، ادّعت بلجيكا على السنغال أمام محكمة العدالة الدولية بتهمة رفض تسليم حبري. وسعت منظمات الأمم المتحدة والبرلمان الأوروبي الى ثني الرئيس السنغالي عن رأيه. ولكن عبدولاي واد خسر السباق الانتخابي في 2012، وغادر السلطة. وألزمت محكمة العدالة الدولية السنغال بمحاكمة الرئيس التشادي السابق ما لم تسلّمه الى بلجيكا. فأعلن الرئيس السنغالي، ماكي سال، محاكمة حسين حبري أمام محكمة جديدة في داكار: غرفة الاستثناء الأفريقية. فسقطت آخر العوائق السياسية التي كانت تحول دون محاكمته. ولكن، هل تفتتح أول دعوى على ديكتاتور سابق تستند الى الكفاءة الدولية، عهداً جديداً في أفريقيا، أم تبقى الاستثناء في تاريخها؟

مشاركة :