أوباما وأفريقيا... قصة خيبة أمل

  • 7/29/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

في ذاك اليوم، اعلن باراك اوباما في اول خطاب له على ارض افريقية أنه سيغير وجه العالم. ففي 4 حزيران (يونيو) 2009 زار القاهرة، ولم يكن مضى على الرئيس الأميركي الجديد الذي يحمل اسم والد كيني، اكثر من اشهر قليلة في البيت الأبيض. وفي قارة أجداده، أعلن «انطلاقة جديدة» ومصالحة بين الولايات المتحدة وهذا الجزء من المعمورة. وهو انتخب جامعة الأزهر «منارة المعرفة الإسلامية»، على قوله، وفخر القارة الأفريقية، منبراً لإعلانه هذا. وعلى رغم ان خطابه ألقي في افريقيا، لم يدر على شؤونها. وكان شاغل أوباما هو الخروج من دائرة الحروب التي بادر اليها سلفه جورج بوش في «العالم الإسلامي» (العراق وأفغانستان وبعض الدول الأفريقية بواسطة عمليات الدرون). ولم يتردد صدى خطابه في بغداد فحسب بل بلغ مقاديشو في الصومال التي تابع سكانها خطابه مباشرة على التلفزيون والدهشة تعلو وجوههم شأن الأمل. وبدا أن هذا الرجل وصل في الوقت المناسب ليرسي السلام في العالم، وأن أصوله الأفريقية تخوله من دون غيره من الرؤساء الأميركيين تغيير وجه السياسة على وجه المعمورة ومد جسور التفاهم. وعمت العلاقات الدولية مشاعر أخوة شملت طبعاً افريقيا. وباراك أوباما زار كينيا مرتين في شبابه ليتعرف على مسقط رأس والده. وشعر بالانتماء. وفي كتابه «أحلام والدي» تكثر الإشارات الى المسألة العرقية وأفريقيا وصدام الهويات، والشعور بالغضب ازاء اللاعدالة والظلم. وإثر انتخابه انتظرت القارة الأفريقية اوباما كما لو كان المخلص. ولكنه خيب أملها، على رغم أنه زار غانا زيارة قصيرة دامت 24 ساعة. وأعلن من برلمانها انه لا يرى ان شعوب افريقيا تنتمي الى عوالم قصية. «فأفريقيا ركن جوهري من أركان العالم المتصل...». وإثر هذا الخطاب، وعلى خلاف التوقعات، لم يقدم أوباما على شيء في افريقيا. ولزم البيت الأبيض أكثر من ثلاث سنوات قبل أن ينتهج استراتيجية مدارها على الصحراء الأفريقية الكبرى. وقوام هذه الإستراتيجية أربعة محاور سائرة: التنمية وعملية السلام، والديموقراطية والصحة. الصين في افريقيا وفي 2009، فاق حجم التبادل التجاري الصيني مع افريقيا نظيره الأميركي. وبدأ سباق الى بسط النفوذ في افريقيا لم تشارك فيه الولايات المتحدة. وفي ولايته الأولى، غاب الرئيس الأميركي عن الشؤون الأفريقية. فهو انشغل بالأزمة المالية والانسحاب العسكري من العراق وأفغانستان وغيرهما من المشاغل... وسعى الى تجنب هبوب اعصار عنصري في الولايات المتحدة وعدم تأجيج الخلافات العنصرية. لذا، تجنب ان يظهر في صورة «الرجل الأسود الغاضب»، وأكد أكثر من مرة انه لم يولد في كينيا. واضطر الى التنصل من شؤون افريقيا ورفع لواء سياسة «الانسحاب من افريقيا» أو «الى خارج افريقيا» في سعيه الى ولاية ثانية. ويستوقف هذا الغياب الأميركي عن القارة السوداء، في وقت تصدرت أولويات سلَفيّ اوباما الشؤون الأفريقية. فبادر جورج دبليو بوش الى تمويل برامج ضخمة في افريقيا رمت الى مكافحة انتشار فيروس نقص المناعة - السيدا. وأفضت هذه البرامج الى تناول 3 ملايين انسان المضادات الفيروسية لهذا المرض. ولم يتوانَ بيل كلينتون عن إغضاب شطر من الأميركيين، فهو تقرب من نيلسون مانديلا واتخذه صديقاً، وربطته علاقة بالرئيس النجيري أولوسيجون أوباسانجو. وكان كلينتون وراء إقرار قانون «التنمية الأفريقية والفرص»: وهو نظام شرّع الأسواق الأميركية على عدد من السلع الأفريقية من غير مقابل. وواجه اوباما صعوبات كثيرة في تجديد العمل بهذا القانون الذي لا تخفى رمزيته الكبيرة. والتزمت ادارة اوباما أولويتين في افريقيا: الاستثمار والأمن. فسعت سعياً محموماً ومتعثراً للحاق بركب الصين التي قطعت اشواطاً كبيرة في افريقيا، من جهة. ووسّعت، من جهة اخرى، نطاق الحرب السرية التي تنفذها طائرات درون ويشرف عليها مستشارون عسكريون. وفي سبيل ابرام هذا التحالف الغريب والمضحك مع افريقيا، عُقدت قمة اميركية - افريقية في آب (اغسطس) 2014 في واشنطن، جمعت خمسين رئيساً افريقياً. ولكن كثرة المدعويين حالت دون افساح المجال امام مقابلات ثنائية وعلاقات شخصية. وتكللت بصورة جماعية فحسب. وفي 2013، حين زار اوباما ثلاث دول افريقيا، توجه الرئيس الأميركي في حرم جامعي بجوهانبرغ الى الطلاب قائلاً:» إذا تقدمت بلادكم، نستفيد نحن. فأنتم ستشترون اجهزة آيباد». فزياراته الأفريقية هي اقرب الى عالم الأعمال والأرباح منها الى مشروع زرع بذور عالم جديد. وأطلقت الإدارة الأميركية عدداً من المبادرات في 2013: قمة افريقية كبرى، وخطة زراعية ومشروع «باور افريقا» الطموح والرامي الى حمل القطاعات الخاصة في الدول الأفريقية على المساهمة في مد القارة الأفريقية بالكهرباء. وهذا المشروع تستفيد منه 60 مليون أسرة. ولكن المشروع هذا لم تنعقد ثماره بعد. وختم اوباما جولته الأفريقية بزيارة أثيوبيا، وهي دولة فاق معدل نموها الاقتصادي 10 في المئة في العقد الأخير. وهي المقر الأميركي لمكافحة الإرهاب في القارة الأفريقية. ولكن هل تختزل السياسة الأميركية في افريقيا باتفاق عمليات «سوداء» تندرج في سياق حرب الولايات المتحدة على الإرهاب أو باتفاق تجاري لترويج السلع الأميركية؟ ومقر المنظمة الأفريقية هو في برج شيدته الصين ومولته. وهذه الزيارة هي فرصة أوباما الأخيرة لإقناع القارة بأن بلاده تعاملها معاملة الند وتقيم لها الوزن ولا تنظر اليها على انها سوق لأجهزة «آيباد» فحسب. «أداؤه الأفريقي هو ربما مرآة قلة حيلة الرؤساء الأميركيين بصفتهم أفراداً، على خلاف رأينا في قدراتهم ووسع ذات يدهم» يقول توماس كواسي تيكو من جامعة وسترن أونتاريو الكندية وصاحب كتاب «العلاقات الأفريقية الأميركية في عهد اوباما».

مشاركة :