إنَّ من مصلحة العالم كلِّه أن يتفق على إصدار قانون يمنع المسَّ بالرموز الدينية لما في مسِّها من نشر الكراهية وتأجيج الصراعات؛ ومن خلال ذلك يجد المتطرِّفون المنفذ إلى الجاليات المسلمة التي يجب أن تكون أكثر وعيًا وحنكة.. كان يوسف عليه الصلاة والسلام في مجتمع على غير دينه، وليس ذلك فحسب بل آذوه وسجنوه، ومع ذلك فلم يمنعه كلُّ ما حصل له في الماضي من النظر إلى المستقبل لينقذ هؤلاء الذين عادوه بما منحه الله من علم وحكمة. نموذج يوسف هذا هو الصورة الحقيقية للمسلم الذي يعيش في بيئة تختلف معه في العقيدة والديانة. فالمسلم خيِّر عادل إيجابي أينما حَلَّ نفع، هذا الخطاب الذي ينبغي أن يعيه المسلمون حول العالم، وهو يستند إلى محكمات الشريعة وقواطع الدين. الجاليات المسلمة في الغرب تعيش إشكالات متعدِّدة، لعلَّ من أبرزها تحقيق هُويّتها الدينية مع اندماجها الصحيح في المجتمعات التي تعيش فيها، وهذه الثنائية قد يصعب على بعض المسلمين هناك تحقيقها، والسبب - في نظري - مركب من أمرين: الأول: ضعف الوعي بالدين الإسلامي في نصوصه ومقاصده الذي جاء رحمة للعالمين. والثاني: تعرض بعض أفراد هذه الجاليات لخطابات متطرِّفة. ويدعم هذا السبب المركَّب ما يتعرض له بعض هؤلاء مما يُعرف بالإسلام فوبيا التي تدعم هذه الخطابات المتطرِّفة بتطرُّفها المضاد. ومن ثَمَّ فيقع على المسلمين - خاصة عبر مؤسساتهم الدينية - مسؤولية عظيمة في توجيه الخطاب المعتدل إلى هذه الجاليات. وهذه بعض النقاط التي يمكن أن ينطلق منها هذا الخطاب: 1- الحضارة مفهوم مشترك، المقصود بها رفاهة الإنسان وسعادته، ومع ذلك فلكلِّ حضارة أسلوبها في التفكير وأسلوبها في الإنتاج، لكن لا يعني ذلك بحال الصدام. فكما جعل الله الناس من شعوب وقبائل شتى ليتعارفوا، أوجد الحضارات لتتشارك في إيجابياتها، وتتعاون في مصلحة عمارة الأرض، ومن ثم فالمسلم الذي يعيش في هذه المجتمعات الإنسانية ينبغي أن يشاركها بما لديه من إرث وتعليم ومهارة ليكون فاعلاً في خير الإنسانية. 2- إعداد مشروعات تعليمية حوارية خاصة مع الشباب تُجلِّي أنه لا تعارض بين تحقيق المسلم لهُويّته الدينية وهُويّته الوطنية، ولا تعارض بين تحقيق هذه الهُويّة وبين أن يكون المسلم إنسانًا فاعلاً في مجتمعه، ومعنيًا بالهمِّ الوطني والاجتماعي والاقتصادي والأمني بحيث يُكذِّب الدعايات التي تريد شيطنته. 3- لابُدَّ من إزالة كل العقبات التي لا يؤيدها شرع ولا عقل وتجعل المسلم يعيش في عزلة عن مجتمعه المحيط، ومن المناسب حصر هذه العقبات وتفكيكها، وكم من المسلمين من يتعلق بأوهام أو شبه أو أفكار مغلوطة ليس عليها دليل، بل الإسلام ينهى عنها. 4- من المصلحة أن تتعاون حكومات العالم الإسلامي مع حكومات العالم الغربي في توجيه الخطاب المعتدل للجاليات المسلمة، والمصلحة مشتركة بين الطرفين، فالمسلمون هناك هم سفراء للعالم الإسلامي لنشر الصورة الحقيقية عن الدين الإسلامي الذي يعاني من صورة نمطية مغلوطة، والحكومات الغربية من مصلحتها أن يكون مواطنوها المسلمون، وكذلك المقيمون مندمجين في مجتمعاتهم ولهم أثر إيجابي. 5- ومما يساهم في تقديم أفكار إيجابية أن تتبنى المجامع العلمية - وأدعو هنا مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي والمجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي - جمع المسائل الشرعية التي تساعد هذه الجاليات بمكوِّناتها على الاندماج مع مجتمعاتها، فمن الملاحظ أن من أسباب ضعف الإيجابية لدى بعض المسلمين - هناك - غياب المعلومة الشرعية الصحيحة. 6- أخيرًا هذا الموضوع نُظِّر له كثيرًا، والحقيقة أنه لا ينقصه تنظير، الذي يحتاج إليه - الآن - هو خطوات عملية، وأفكار رائدة قابلة للتطبيق على أرض الواقع. ومع ما سبق طرحه فإنَّ من مصلحة العالم كلِّه أن يتفق على إصدار قانون يمنع المسَّ بالرموز الدينية لما في مسِّها من نشر الكراهية وتأجيج الصراعات؛ ومن خلال ذلك يجد المتطرِّفون المنفذ إلى الجاليات المسلمة التي يجب أن تكون أكثر وعيًا وحنكة.
مشاركة :