يعاني الوعي العربي - في الوقت الراهن - من إشكالية العلاقة ما بين القيم والإنسان والحياة، فبعكس الحضارة الغربية الحديثة التي تسود فيها القيم الأخلاقية والاقتصادية والجمالية والتي منحت الشخصية الغربية صورة مثالية في أذهان الآخرين. وإن كانت القيم تختلف من شخص إلى آخر ومن ثقافة إلى أخرى إلا أن القيم الاجتماعية تعد من أقوى الروابط التي تؤدي إلى تماسك المجتمعات. ففي بلادنا تأخذ المنظومة القيمية والأخلاقية حيزًا إنسانيًا رائعًا لا نظير له خلق طابعًا إنسانيًا منسجمًا لحياة اجتماعية نموذجية جاءت مشبعة بروح الفطرة وممتلئة بالسماحة الإنسانية في أصدق صورها. تمتد جذوره بعيدًا في الجذر الإنساني، فالتقدم الذي حدث لم يقتصر على الجانب الاجتماعي والاقتصادي فحسب بل تطورت معه منظومة القيم. ولكن ما الدرس الأساسي الذي تقدمه لنا التجربة التاريخية حول مسألة القيم والمنسجمة مع واقعنا المعاصر؟ فقدرة النظام الأخلاقي على إنتاج الضوابط الأخلاقية ناتجة عن قدرة الفكر الإسلامي على ترجمة الرسالة الإسلامية، فالقيم توجه كل خياراتنا وما الذي نضعه في سلم أولوياتنا ونلتزم به. وفي هذه الحالة فإننا نذهب مع د. دراز بأن أي مذهب أخلاقي يقوم على فكرة الإلزام وهي الفكرة التي يدور حولها النظام الأخلاقي ذلك أنه إذا لم يكن هناك إلزام فلن تكون هناك مسؤولية. وقد اعتبر الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون أن فكرة الإلزام الأخلاقي تنتج عن قوة الجذب نحو الفعل الإنساني. وهذا يتمثل في أخلاق الممتازين الطامحين إلى المثل الإنسانية العليا ولكن هذا لا يعني الإلزام الوظيفي ففي هذه الحالة يفقد صفته الأخلاقية ولكنه الإلزام الطوعي القائم على جاذبية المثل العليا وقد فسرها الفيلسوف الألماني "كانت" بالملكة العليا في النفس الإنسانية. ولذلك فالإسلام زود النفس الإنسانية بالبصيرة الأخلاقية والمثل العليا فالقيم الأخلاقية غالبًا لها قوة على ضمائر الأفراد بما تنطوي عليه من قيم ومثل عليا. فإذا ما نظرنا مثلًا إلى د. عبدالرحمن السميط - نصير المحتاجين في إفريقيا - فقد كرس حياته لإسعاد غيره فقد كان له حضور واسع في أوساط الفقراء الأفارقة ووجود شخصي بين المحتاجين. وكانت هذه إحدى القضايا التي شغلت تفكيره إبان نشاطه الإنساني في إفريقيا لأن هذه في نظره هي طبيعة الأشياء فقد ارتبطت به طائفة من المبادرات الإنسانية التي تستجيب لاحتياجات المجتمعات الإفريقية وذلك من خلال جمعية العون المباشر فقد أسلم على يديه أكثر من 11 مليون شخص في إفريقيا وبنى 5700 مسجد وحفر 9500 بئر وأنشأ 860 مدينة و4 جامعات و204 مراكز إسلامية وقد حصل على جائزة الملك فيصل العالمية. فإذا ما أخذنا القيم على المستوى الإنساني فإن الراهبة الألبانية - الهندية تريزا والحائزة على جائزة نوبل للسلام العام 1979م تعد واحدة من أعظم الشخصيات الإنسانية في القرن العشرين وبغض النظر عما قيل فيها مدحًا أو قدحًا إلا أننا - كما يقول د. روبنز - أمام امرأة تتعاطف تعاطفًا عميقًا حين ترى الآخرين يتألمون لدرجة أنها تقاسي الألم هي نفسها. فقد كان معنى الحياة بالنسبة لها يوجد في أحد أفقر قطاعات مدينة كالكوتا والتي تمتلئ بالملايين من اللاجئين الذي يتضورون جوعًا ويعانون من الأمراض. بالنسبة لها ربما كانت المتعة هي الخوض في الوحل والمستنقعات حتى تصل إلى كوخ لكي تمد يد العون للذين يعيشون بداخله والذين تفتك بهم الأمراض يدفعها بذلك قوة إحساسها بأن مساعدة الآخرين على التغلب على بؤسهم يساعد على التخفيف من آلامها فقد تعلمت أن أسمى ما في الحياة هو أن تضع نفسك في خدمة الآخرين وهذا يعطيها إحساسًا بأن لحياتها معنى حقيقي، فالإنسان بشكل عام كائن عاطفي تحركه بوصلة الضمير. * نقلا عن "الرياض"
مشاركة :