القاهرة – عبرت مواقف تركية عديدة حيال مصر عن حالة واضحة من الازدواجية، ففي الوقت الذي لم تغير فيه أنقرة سلوكها من الملفات الخلافية الحادة، في ليبيا أو شرق البحر المتوسط، أو المرتزقة ودعم المتطرفين والإخوان، تزعم أن هناك تعاونا استخباراتيا بين البلدين، وتبعث برسائل ترمي من ورائها الإيحاء بالدفء. وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، الخميس، إن هناك مباحثات على مستوى الاستخبارات بين أنقرة والقاهرة، ولم يحدد متى وأين وكيف، والأهم لماذا. وأكدت مصادر عسكرية أن جميع أجهزة الاستخبارات المحترفة لديها خيوط اتصالات مفتوحة مع خصومها والمتنافسين معها، بغرض منع تجنب الصدام في مناطق الصراعات المشتركة، وهي كثيرة في حالة مصر وتركيا. وأضافت لـ”العرب”، أن التنسيق الاستخباراتي ضروري لتفسير أي حركة عسكرية على الأرض، كي لا يفسرها أي من الطرفين على أنها عدوانية وموجهة ضده عمدا، ما يؤدي إلى تسخين غير مقصود، ربما يتطور إلى التحام. حمدي بخيت: التصريحات التركية لا تنفصل عن المناخ العام الدولي حمدي بخيت: التصريحات التركية لا تنفصل عن المناخ العام الدولي وفي مسرح عمليات مفتوح مثل ليبيا تتواجد فيه أذرع عسكرية تركية مختلفة، ومليء بالتعقيدات الإقليمية، من مصلحة البلدين التنسيق، طالما لا يرغبان في الصدام مباشرة. وحددت القاهرة في 20 يونيو الماضي خطا أحمر في سرت والجفرة، وطالبت بعدم تخطيه من قبل تركيا وفريق حكومة الوفاق الذي تدعمه في طرابلس، لأن ذلك يعني تدخل مصر عسكريا في الأزمة، وبعدها لم يشهد الخط تجاوزا عمليا من أنقرة، وبدأ الحديث عن وقف إطلاق النار يتواتر بدعم قوى دولية. ويقول متابعون إن أجهزة استخبارات تابعة لقوى إقليمية ودولية نشطة في ليبيا، تحاول ضبط إيقاع الأزمة بما يحول دون الصعود إلى حافة الهاوية، وقد تجد دول كبرى نفسها منغمسة في صراع محتمل أن يتحول إلى أزمة عالمية. ووصف ياسين أقطاي المستشار السياسي للرئيس التركي قبل أيام، الجيش المصري بالعظيم، وقال “نحن نحترمه كثيرا، لأنه جيش أشقائنا.. لا نتمنى ولا ننتظر منه أن يعادي تركيا”، في إشارة أخرى إلى التصالح مع المؤسسة العسكرية بمصر. وتحاول تركيا الخروج من مأزقها الإقليمي بخطب ود بعض الدول والهجوم على أخرى، لتشتيت الانتباه وعدم التركيز على محاصرتها وردع ممارساتها، وتسعى للإيحاء بأن ما يظهر في العلن من تجاذبات يخفي هدوءا يكتنف العلاقات. وأوقع خطاب الليونة التركي المفتعل أحد ساستها في تناقض فاضح، حيث قال أوغلو إن مصر “لم تنتهك في أي وقت الجرف القاري لتركيا في اتفاقيتها التي أبرمتها مع اليونان وقبرص بشأن مناطق الصلاحية البحرية.. لا أريد أن أبخسها (مصر) حقها بدعوى أن العلاقات السياسية بيننا ليست جيدة للغاية، وإبرام اتفاق مع مصر بهذا الخصوص يقتضي تحسن تلك العلاقات السياسية”. واعتبرت تركيا سابقا أن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين القاهرة وأثينا “باطلة، وتنتهك أيضا الحقوق البحرية الليبية”، وشنت عليها حملة سياسية وإعلامية. واعتادت مصر أن تواجه خطاب تركيا السياسي ببرود وعدم اكتراث، لأنه أصبح فاقدا للثقة والمصداقية، ويميل إلى تبني منهج التقية، يُظهر خلاف ما يبطن، ولا تتوقف القاهرة عن تعريته في بعض المحطات، لأن كل الإشارات الإيجابية التي ينطوي عليها فقيرة في الإجراءات التي تؤكدها، ولم تغير من مواقف وحسابات أنقرة شيئا. وأعلنت مصر واليونان، الثلاثاء، رفضهما للتصرفات الاستفزازية التي تزعزع الاستقرار في منطقة شرق البحر المتوسط وتضع الأمور في إطار المواجهة والتأجيج. ويشير توسع تركيا في التلميحات إلى أنها تريد بأي وسيلة تخريب التعاون بين مصر وحلفائها، فهي تعلم أن التنسيق يضعف قوة خصومها في شرق المتوسط وليبيا. وتصورت أنقرة أن اتفاقها البحري مع حكومة الوفاق في طرابلس قبل نهاية العام الماضي، وأضاف لمصر نحو 30 ألف كيلومتر من المياه الإقليمية، كفيل بسكوتها عن تجاوزات تركيا في المنطقة، وتريد أن يكون هناك تواصل، بغض النظر عن أي خلافات سياسية قائمة. الملف الليبي على رأس اهتمامات القاهرة الملف الليبي على رأس اهتمامات القاهرة ولدى القاهرة شكوك بالغة في عدم تطابق تصرفات تركيا مع خطابها السياسي، ولذلك لا تأخذ كلامها على محمل الجد، وتقابله بإشارات مضادة تدحض ما تخطط له أنقرة. وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري، في مؤتمر صحافي عقده مع وزير الخارجية الأرمني زوهراب مناتساكانيان، الأحد، “إذا لم تتوافق التصريحات التركية مع أفعال فلا أهمية لها.. هناك من يجلب مقاتلين أجانب وتنظيمات إرهابية إلى ليبيا”. وكشف تقرير للقيادة الأميركية في أفريقيا “أفريكوم”، أنه بين الأول من أبريل وآخر يونيو الماضيين، نقلت تركيا المئات من وحدات قواتها النظامية إلى ليبيا، تحديدا من فرق المدربين والمستشارين وأفراد المشرفين على أنظمة الدفاع الجوي ومعدّي العبوات الناسفة التي يمكن وضعها على جانب الطرقات. وفسر عضو لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان المصري، اللواء حمدي بخيت، أن التصريحات التركية لا تنفصل عن المناخ العام الدولي الذي انقلب ضدها في عقب مواقفها العدائية في شرق المتوسط، وعبارات الغزل ترتبط بزيادة الضغوط الأميركية التي مارستها إدارة الرئيس دونالد ترامب على الرئيس التركي لتحسين علاقاته مع الدول العربية، في ظل تفاهمات عربية إسرائيلية تسعى واشنطن لنجاحها. وأوضح لـ”العرب”، أن أنقرة وجدت نفسها وحيدة في الميدان بعد أن طالبتها الولايات المتحدة بسحب قواتها من شرق المتوسط، وسط عداء أوروبي لسياسات أردوغان، ومواقف روسيا التي حملت تفسيرات تقف ضد الخطوات التركية في ليبيا وشرق المتوسط، ما دفعها للعب بورقة الغزل الكلامي بحثا عن استقطاب مصر. ويرى مراقبون أن أي تغير حقيقي في العلاقات بين أنقرة والقاهرة لن يكون ثنائيا، بل محكوم بمنظومة إقليمية ودولية، إذا وجدت مصلحة في هذه الخطوة سوف تعمل على تحقيقها، لأن هناك جملة من القضايا الشائكة من الصعوبة أن يلتقي فيها البلدان، ما لم تكن مصحوبة بضغوط قوية لتسويتها.
مشاركة :