تونس - حذر سياسيون تونسيون من اتفاقيتين تجاريتين مع تركيا وقطر تعمل حركة النهضة الإسلامية على إعادة تمريرهما في البرلمان بعد ضمان أصوات مائة نائب من كتلتها البرلمانية وحلفائها في ائتلاف الكرامة وحزب قلب تونس. وكانت النهضة قد فشلت في أبريل الماضي من عرض مشروع الاتفاقيتين على الجلسة العامة للبرلمان بعد احتجاجات واسعة صدرت من الحزب الدستوري الحر وحركة تحيا تونس التي يرأسها رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد. وحذرت رئيسة الحزب الدستوري الحر والنائبة عبير موسي رئيس البرلمان راشد الغنوشي من إعادة تمرير الاتفاقيتين. وقالت موسي في تصريح لإذاعة محلية شمس أف أم الخاصة، "إن مكتب البرلمان سيجتمع غدا الجمعة للنظر في القوانين المعطلة، من بينها مشروع اتفاقيتين لتونس مع قطر وتركيا". وأكدت أن حركة النهضة تعتزم تمرير هاتين الاتفاقيتين بعد ضم نوابا ممن وصفتهم بـ"جبهة العار وخيانة الوطن" في إشارة إلى التحالف البرلماني المعلن قلب تونس وائتلاف الكرامة. وشددت موسي على أن حزبها "لن يسمح بتمرير الاتفاقيتين، وسيراسل رئيس الحكومة هشام المشيشي لسحبهما نهائيا من البرلمان وإبعاد ما أسمته "الخطر الداهم". واتهمت موسي راشد الغنوشي بالاستقواء بالتحالف مع كتلتي قلب تونس وائتلاف الكرامة بغية " تخريب الوطن"، بعد إدراكه أن "مسيرته السياسية انتهت داخل حركة النهضة والبرلمان". ويذكر أن كتلة حركة النهضة، قد عرضت مشروع الاتفاقيتين في أبريل الماضي، وتم تأجيل النظر فيهما. وقد صاحب تأجيل النظر في الاتفاقيتين اتهامات من النواب لرئيس البرلمان باستغلال سلطته، لتمكين الدولتين من المزيد من التغلغل وإحكام القبضة على الاقتصاد التونسي، في إطار أجندة سياسية مرتبطة بالمشروع الإخواني في تونس. وتتعلق الاتفاقية الأولى بإنشاء فرع للصندوق القطري للتنمية في تونس، وسيكون لهذا الصندوق وفق مشروع القانون المتعلق به سلطة كبيرة لا يمكن حتى للدولة أنّ تتحكم فيها. وتنص بنود هذه الاتفاقية على أنّه "لا يمكن للدولة التونسية أن تعطّل بشكل مباشر أو غير مباشر المشاريع التي يشارك فيها الصندوق"، وهذا يعني أنه إذا تم في أحد مشاريع الصندوق ارتكاب أخطاء أو تجاوزات أو جرائم، أو في حال دخل الصندوق في مشاريع مخالفة للبرنامج التنموي للدولة التونسية فإنّه لا يحق لتونس أن تتدخل في هذه المشاريع، وإن حاولت القيام بهذا فإنّه يتاح للصندوق أن يقاضيها وأن يطلب منها تعويضات. ويرى مراقبون أن الخطير في الاتفاقية التي تدفع النهضة إلى إبرامها مع قطر، تضمنها بندا يؤكد على أنه يحق للصندوق، أن يدخل في شراكات مع أطراف أجنبية في خصوص المشاريع التي يتولّاها في تونس بدون العودة للدولة التونسية، وفق بنود نفس الاتفاقية يحق للصندوق تحويل الأموال التي يجنيها في تونس إلى أي جهة أجنبية أخرى وبالعملة الصعبة بدون أي قيد أو شرط. وتنص الاتفاقية على أنه يسمح للصندوق باستخدام الموظفين والمستشارين ذوي الجنسيات الأجنبية وتمنح لهم تراخيص عمل، والأخطر من هذا، وفق المراقبين، أنه لا يسمح للدولة التونسية بمراقبة هؤلاء. أما الاتفاقية الثانية مع الجانب التركي فتتعلق أساسا بـ"قانون التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات"، وذلك رغم إعراب كل الأحزاب، منذ إسقاط نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في 2011 أي مباشرة بعد إمساك حركة النهضة بمقاليد الحكم، عن أنّ التبادل التجاري بين تونس وتركيا غير متكافئ ولا ينصف تونس. ويتضمن مشروع القانون مع الجانب التركي منح الأتراك حقّ الإقامة والتمتع بالامتيازات الجبائية والمالية تحت غطاء الاستثمار، وهو ما سيؤثر من الناحية الاقتصادية على المؤسسات والشركات الصغرى والمتوسطة التونسية، وسيؤدي في النهاية إلى انهيارها. ومن المتوقع أن تنعقد جلسة للمصادقة على القانون بعد استئناف البرلمان لنشاطه إثر نهاية العطلة البرلمانية، بعد إعادة تمريره على مكتب البرلمان للنظر فيه، وسط مخاوف من أن تتمكن حركة النهضة من جمع 109 أصوات. وفي حال نجحت حركة النهضة الإسلامية بتمرير مثل تلك الاتفاقيات، تبقى كلمة الحسم عند رئيس الجمهورية قيس سعيّد، الذي تعهد بصون السيادة الوطنية واستقلالية تونس. وكانت موسي قد لجأت إلى المحكمة الإدارية التي تنظر في قضايا خرق القانون وتجاوز السلطة، وتقدمت بقضية ضد تجاوز السلطة، وطلبت وقف تنفيذ قرار إحالة هذه المشروعات أمام الجلسة العامة للبرلمان. وتمسك الدستوري الحر بضرورة سحب مشروعات قوانين الاتفاقيات مع تركيا وقطر بصفة نهائية، حيث وجهت رئيسته رسالة إلى رئيس الحكومة السابق إلياس الفخفاخ، أكدت فيها أن الاتفاقيات المذكورة "تمس سيادة تونس واستقلال قرارها، وتضرب المنظومة الاقتصادية الوطنية، من خلال تحويل تونس إلى منصة في خدمة أجندات ومحاور خارجية"، وطالبت بالتدقيق في كافة الاتفاقيات التي أبرمتها الحكومات السابقة، والتي لم تعرض بعد على البرلمان أو على الجلسة العامة، وعدم تمرير أي اتفاقية لا تتلاءم مع المصلحة العليا لتونس. وحذر الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد) في غضون ذلك من استغلال الظروف الاستثنائية الحالية لتمرير مشروعات اتفاقيات خارجية "معادية لمصالح تونس، وترهن مستقبل الأجيال المقبلة لصالح اصطفافات وأحلاف أجنبية"، معتبرا أن أي خطوة في هذا الاتجاه ستقابل برفض شعبي، على حد تعبير قيادات المكتب التنفيذي للاتحاد.
مشاركة :