سيطرة النهضة على القضاء تنذر بمواجهة في تونس | صغير الحيدري | صحيفة العرب

  • 7/1/2020
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

تلوح في الأفق معركة بين الاتحاد العام التونسي للشغل وحركة النهضة الإسلامية بسبب سيطرة الأخيرة على القضاء ودعمها لأطراف تهاجم المنظمة النقابية العريقة ما دفع بأمينها العام نورالدين الطبوبي إلى التهديد بالنزول إلى الشارع من أجل ”تعديل البوصلة”، متهما القضاء بأنه مسيّس وذلك على خلفية إيقاف نقابيين في محافظة صفاقس بتهمة الاعتداء على نائب إسلامي. تونس – عاد التوتر ليطبع الشأن العام في تونس بعد أشهر من هدنة اجتماعية وسياسية فرضتها أزمة كورونا العاصفة، حيث يتراشق الاتحاد العام التونسي للشغل، وهو أعرق منظمة نقابية في البلاد، بالتهم مع ائتلاف الكرامة الشعبوي المحسوب على حركة النهضة الإسلامية وهو ما ينذر بمواجهة بين الطرفين. وفي أحدث تصعيد بين الطرفين، قال الأمين العام للاتحاد نورالدين الطبوبي، إن القضاء مسيّس وتتحكم فيه جهات تستغل الدين والخطابات الموجهة ضد الاتحاد للوصول إلى السلطة. وأضاف الطبوبي خلال حوار له مع إحدى القنوات الخاصة مساء الاثنين أن “ائتلاف الكرامة بنى حملته الانتخابية على سبّ الاتحاد، ونحن رفعنا به قضية لكنها لم تر النور حتى الآن”. ويحاول ائتلاف الكرامة، وهو مكون من رجال دين وبقايا رابطات حماية الثورة التي جرى حلها بسبب اتهامها بممارسة العنف، إلهاء اتحاد الشغل عن القضايا الحقيقية التي تهم التونسيين ومواجهة النهضة بسبب الحصيلة السلبية لسنوات حكمها من خلال استفزازه. ويخوض الاتحاد سلسلة من التحركات الاحتجاجية والعمالية في جهة صفاقس (جنوب) منذ فترة حيث تم إيقاف نقابيين هناك بتهمة الاعتداء على النائب محمد العفاس عن ائتلاف الكرامة الذي يوصف خطابه بالمتشنج. ويرى مراقبون أن الاتحاد يجهز لمعركة ضد حركة النهضة وسطوتها على البلاد حيث تتهم بوضع اليد على القضاء من أجل ابتزاز خصومها وتصفيتهم سياسيا. وهذا ما لمّح إليه الطبوبي خلال آخر إطلالة إعلامية له، حيث اعتبر أن القضاء تحركه أطراف سياسية. وأضاف أن “الاتحاد لن يبقى بعد اليوم على نفس المسافة من كل الأطراف السياسية” وذلك خلال كلمة له الأحد في صفاقس ما يشير إلى أن المنظمة الشغيلة ستسعى إلى الوقوف مع المعارضين لسياسات حركة النهضة الإسلامية خاصة في ما يتعلق بملف هيمنتها على القضاء. وتصاعدت في الفترة الأخيرة حدة الاتهامات لحركة النهضة بالسيطرة على القضاء وحتى وزارة العدل، حيث اتهمت عبير موسي زعيمة الحزب الدستوري الحر نوابا عن الحركة بالتواصل مع إرهابيين في السجون مستغلين نفوذ الحركة في مصلحة السجون التابعة لوزارة العدل. وبالرغم من أن الفترة التي قادت فيها الحركة وزارة العدل (2013-2014) قد انتهت إلا أن منتقديها يرون أن مخلفات تلك الفترة لا تزال تلقي بظلالها حتى الآن على أجهزة الوزارة. وقام آنذاك الوزير نورالدين البحيري بعزل قضاة أنصفهم في ما بعد القضاء وأرجعهم إلى عملهم. ويقول منتقدو الحركة إنها وسعت نفوذها داخل وزارة العدل من خلال تعيين قضاة موالين لها وعزل كل من يعارض سياساتها لاسيما وأن هناك العديد من القضايا التي تتورط فيها على غرار الجهاز السري (جهاز مواز للأمن التونسي) والاغتيالات السياسية وغيرها. وأمام المأزق الذي وجدت حركة النهضة نفسها فيه إلى جانب ذراعها ائتلاف الكرامة، عادت خطابات التكفير والتحريض على القتل إلى الواجهة. والاثنين، تم إيقاف شخص توعد بهدر دم نورالدين الطبوبي وذلك بعد ساعات من حديثه عن ضرورة الدفع نحو استقلالية القضاء “المسيّس”. وفي هذا الصدد يقول المنذر بالضيافي المحلل السياسي التونسي، إن “الإسلاميين يتخوفون من الاتحاد العام التونسي للشغل لأنه قوة ضاربة قادرة على التعبئة في الشارع بخلاف كل الأحزاب بمختلف مرجعياتها الفكرية”. ويضيف بالضيافي في تصريح خص به “العرب”، “الإسلاميون أدركوا أن الاتحاد هو الطرف الوحيد في تونس الذي يستطيع الوقوف بوجه مشروعهم السياسي والثقافي والمجتمعي وتعطيله ووقف تمدده”. وتعاني حركة النهضة الإسلامية منذ أيام من أزمات متعددة الأبعاد باتت تهدد تماسكها وهو ما جعلها تصدر مشاكلها إلى الشأن العام في محاولة للتخفيف من الضغط المسلط عليها. فداخليا، يسعى راشد الغنوشي إلى عدم التخلي عن كرسي رئاسته للحركة بالرغم من أن القانون الأساسي لها لا يسمح بذلك وهو ما جعله يلجأ إلى الدفع نحو تنقيح هذا القانون من أجل تثبيته رئيسا لأربع سنوات جديدة. أما خارجيا، فقد تسببت رئاسة راشد الغنوشي للبرلمان التونسي في الكثير من الانتقادات للحركة لاسيما بسبب ارتباطاته الخارجية حيث هنأ في وقت سابق على سبيل المثال رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج على استعادة قاعدة الوطية من الجيش الوطني الليبي ما أثار جدلا داخليا واسعا وصل حد المطالبة بسحب الثقة منه. ويرى مراقبون أن هذه الأسباب دفعت بحركة النهضة إلى استعمال القضاء وغيره من أجل تخفيف الضغط عليها وتوجيه الأنظار إلى قضايا تخص الاتحاد مستغلة في ذلك أذرعها على غرار ائتلاف الكرامة. وفي رده على سؤال عمّا إذا كان الاتحاد سينضم إلى مشروع وطني للتصدي للإسلاميين، يقول منذر بالضيافي إن “الاتحاد يستعد لمؤتمر من أجل انتخاب مكتب تنفيذي جديد لذلك عليه تحديد موقف واضح من مشروع الإسلاميين وسيادة تونس في ظل تجاذبات إقليمية لكي يوحد النخب والجماهير التي تسعى إلى معرفة توجهات الاتحاد ورؤيته للقضايا الراهنة”. وتعيش تونس أصلا حراكا سياسيا واجتماعيا أفرزته مطالبات بتغيير النظام السياسي وتحسين الأوضاع الاقتصادية في البلاد في ظل الركود الكبير الذي تشهده بسبب فايروس كورونا المستجد. وبالإضافة إلى ذلك، تستمر المشاحنات السياسية حيث ابتزت حركة النهضة الإسلامية رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ من خلال أذرعها ائتلاف الكرامة، وقلب تونس (ليبرالي 27 نائبا) بقضية تضارب صالح من أجل كسب المزيد من النفوذ داخل الحكومة.

مشاركة :