اعتادت مصر والرئيس السيسى منذ توليه دفة الحكم فى يونية ٢٠١٣ أن يلقى كلمة سنوية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ,هذا المحفل الدولى الهام والذى يضم كافة دول العالم , ولقد أكمل بالفعل 75 عاما منذ إنشاء الأمم المتحدة عام 1945, وحيث يضم ذاك المحفل أقطاب وقادة العالم مجتمعين ممثلين لدولهم رغم اختلافهم وهذه سمة البشر.. وأنا فى تصورى من خلال متابعة كلمة الرئيس الحالية والملقاة للتو أمس "الثلاثاء 22/9" أن سياسة مصر الخارجية والفعالة لا تنبع إلا من رؤية سوية وعادلة للأمور وأنها بدورها لابد أن تنبع من سياسة داخلية ناجحة ومحترمة تتسم بالاستقرار والاستمرار والازدهار وإلا لما كانت لتنجح رغم المعاناة والمشاكل الحياتية التى يواجهها المواطن المصرى وأى مواطن آخر في العالم جراء الأزمات الاقتصادية والمشاكل الناجمة عن فيروس كورونا. ولعل أهم ما لفت نظرى خلال استعراض الرئيس لسياسات العام الفائت ليس فقط سياسة مصر الخارجية المعتدلة وتبنيها لسياسة قارتها الإفريقية وقضاياها الإقليمية وأمور عالمها العربى والاسلامى والنامى"المنبثق من عدم الانحياز" ولكن أيضا وقوف مصر بجانب الجميع بدءا من الدول العظمى :كالولايات المتحدة والصين وفرنسا وغيرها خاصة من جراء جائحة كورونا وارسالها مساعدات عينية تعبر عن روح التعاون والتكاتف البشرى,هذا فضلا عن لفيف من الدول العربية والإفريقية المتضررة سواء من كورونا أو الفيضانات أو الكوارث الأخرى كما حدث فى لبنان .. والمعروف أن مصر ليست دولة غنية وأنها تعانى كغيرها من الدول النامية ولكن هذا هو قدر مصر ودورها الاستراتيجي المعروف وتطلع الأصدقاء دائما إليها لتكون عونا ونصيرا للجميع...ولعل هذا يذكرنى بكلمة منقولة عن الراحلين: "على ومصطفى أمين" أن مصروفات مصر مصروفات دولة عظمى وامكانيات دولة نامية ...كما يفسر أيضا تبوء مصر لدور الصدارة فى أفريقيا ووجود مصر كثالث دولة فى العالم لها عدد سفارات فى أفريقيا بعد الولايات المتحدة وفرنسا. مضمون الكلمة:ولعل الكلمة كانت شافية فى توضيح الموقفين: الداخلى والخارجى وفى معالجة قضايا موجودة فى الوجدان المصرى وحياتية كقضية سد النهضة وفى تناول قضايا المنطقة وخاصة :ليبيا وسوريا واليمن وغيرها ووحدة وسلامة هذه الدول وبالطبع استمرار تبنى قضية العرب الأولى وهى القضية الفلسطينية ودعم إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية لتعيش فى أمان مع جيرانها ...بجانب استعراض الموقف الحالى من قضية سد النهضة وقضايا التنمية والأمن والسلم الدوليين ومكافحة العنف والإرهاب المستمر وغيرها من القضايا مثار الاهتمام. وأنا فى تصورى أن الكلمة كلها هامة ومليئة بسرد تفاصيل مواقف مصر الداخلية والخارجية المختلفة وتحليلها بمنطق مدروس ينم عن عمق وكياسة الدبلوماسية المصرية, ولعل أهمها على الإطلاق المواقف الثلاث التالية: -حرص مصر على حفظ السلم والأمن الدوليين ,ودعم قرارات مجلس الأمن الملزمة خاصة فى مجال مكافحة الإرهاب وتشجيع التسوية السلمية للنزاعات : خاصة على صعيد الأزمة فى ليبيا حيث تتمسك مصر بمسار التسوية السياسية.. بقيادة الأمم المتحدة على أساس الاتفاق السياسى الموقع بالصخيرات ومخرجات مؤتمر برلين و"إعلان القاهرة" الذى أطلقه رئيس مجلس النواب وقائد الجيش الوطنى الليبيان والذى يعد مبادرة سياسية مشتركة وشاملة لإنهاء الصراع فى ليبيا ويتضمن خطوات محددة وجدولا زمنيا واضحا لاستعادة النظام وإقامة حكومة توافقية.. ترقى لتطلعات الشعب الليبى..كما سبق وأعلنت مصر وتكرر أن مواصلة القتال وتجاوز الخط الأحمر ممثلا فى خط "سرت – الجفرة" ستتصدى مصر لـه دفاعا عن أمنها القومى.. وسلامة شـعبها مجددا الدعوة لكل الأطراف للعودة إلى المسار السياسى بغية تحقيق السلام والأمن والاستقرار.. الذى يستحقه شعب ليبيا الشقيق. -اهتمام مصر البالغ بقضية "سد النهضة" : خاصة فى ضوء تصاعد قلق الأمة المصرية البالغ حيال هذا المشروع الذى تشيده دولة جارة وصديقة على نهر وهب الحياة لملايين البشر.. عبر آلاف السنين.وقال الرئيس "لقد أمضينا ما يقرب من عقد كامل فى مفاوضات مضنية.. مع أشقائنا فى السودان وإثيوبيا سعيا منا للتوصل إلى اتفاق ينظم عمليتى ملء وتشغيل السد ويحقق التوازن المطلوب بين متطلبات التنمية للشعب الإثيوبى الصديق وبين صون مصالح مصر المائية.. وضمان حقها فى الحياة". ولقد خضنا –حسب قول الرئيس-على مدى العام الجارى جولات متعاقبة من المفاوضات المكثفة حيث بذلت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية جهودا مقدرة.. لتقريب مواقف الدول الثلاث من خلال المحادثات التى رعتها بمعاونة البنك الدولى.. على مدى عدة أشهر كما انخرطنا بكل صدق فى النقاشات التى جرت بمبادرة رئيس وزراء السودان,ومن بعدها فى الجولات التفاوضية التى دعت إليها جمهورية جنوب إفريقيا بوصفها الرئيس الحالى للاتحاد الإفريقى إلا أن تلك الجهود لم تسفر للأسف عن النتائج المرجوة منها.وأوضح الرئيس إن نهر النيل ليس حكرا لطرف ومياهه بالنسبة لمصر ضرورة للبقاء دون انتقاص من حقوق الأشقاء.ولقد أكدت تلبية مجلس الأمن دعوة مصر لعقد جلسة للتشاور حول الموضوع فى التاسع والعشرين من يونيو الماضى خطورة وأهمية هذه القضية واتصالها المباشر بالحفاظ على السلم والأمن الدوليين الأمر الذى يضع على عاتق المجتمع الدولى مسئولية دفع كافة الأطراف للتوصل إلى الاتفاق المنشود الذى يحقق مصالحنا المشتركة إلا أنه لا ينبغى أن يمتد أمد التفاوض.. إلى ما لا نهاية فى محاولة لفرض الأمر الواقع لأن شعوبنا تتوق إلى الاستقرار والتنمية وإلى حقبة جديدة واعدة من التعاون. تعزيز مسيرة مصر فى مجال حقوق الإنسان على كل الأصعدة: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية إيمانا منها بضرورة التكامل بينها فى ظل ما تضمنه الدستور المصرى وتعديلاته من مواد تضمن الحقوق والحريات وحقوق الأجيال القادمة وتنشئ مجلس الشيوخ ودوره فى دعم النظام الديمقراطى وتكفل للمرأة تمثيلا مناسبا فى المجالس النيابية حيث يخصص للمرأة ما لا يقل عن ربع عدد المقاعد بمجلس النواب فضلا عن تنظيم عمل مؤسسات الدولة وأجهزتها والفصل بين السلطات وتكريس مبدأ تداول السلطة..ولكن بمالا يعنى هذا تخريب الاصلاحات التى تمت أو عدم استكمال اقامة مشروعات التنمية المختلفة ...أو النهج المعروف الذى تنهجه جماعات معروفة من الداخل والخارج لدعم عدم الاستقرار السياسى والاجتماعى. وذكر الرئيس أنه تعددت أوجه العمل على تعزيز المواطنة وتحقيق العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص دون تمييز لأى سبب إلى جانب جهود تمكين المرأة المصرية ومكافحة مظاهر العنف ضدها بكافة أشكاله والدعوة لتجديد الخطاب الدينى وتأكيد حرية العقيدة واضطلاع الدولة ببناء دور العبادة دون تفرقة فضلا عن تمكين ذوى الاحتياجات الخاصة والاستثمار فى الشباب لاسيما من خلال إدماجهم فى عملية صنع القرار وإقامة حوارات مباشرة معهم من خلال منتديات الشباب الدورية وتنفيذ مبادرات تدريب وتأهيل الشباب.. للمشاركة الفعالة فى العمل العام. وفى النهاية أشار الرئيس إلى أننا، وفى خضم كل ما سبق ودون متاجرة أو ابتزاز لم نقصر أبدا فى أداء واجبنا الإنسانى وذلك إزاء نحو ستة ملايين مهاجر ولاجئ ممن اضطروا لمغادرة بلادهم بسبب الحروب والأزمات السياسية والظروف الاقتصادية الصعبة وتستضيفهم مصر حاليا على أرضها وبين شعبها حيث يتمتعون بكافة الخدمات التى تقدمها الدولة للمصريين دونما أى عون أو دعم يعتد به من شركائنا الدوليين رغم الأهمية التى يعلقونها.. على حقوق هؤلاء المهاجرين. رؤية مستقبلية: واختتم الرئيس كلمته الصائبة قائلا: إن مصر، كعضو مؤسس لهذه المنظمة وبما لها من إسهام فى صناعة الحضارة الإنسانية.. منذ فجر التاريخ لن تدخر جهدا فى سبيل تحقيق رؤية التجديد والإصلاح بناء على اقتناع راسخ ويقين ثابت أن "الأرض تسع الجميع" طالما كان نبذ الصراعات، وصنع وبناء السلام، والتعاون الدولى هى الأسس الحاكمة للعلاقات بين الدول والشعوب من أجل تحقيق التنمية والأمن والاستقرار والرفاهية للأجيال الحالية والقادمة.. على حد سواء.
مشاركة :