يفرض البعض قيودًا مشددة على فكرة التصريح بالتاريخ الحقيقي لسنة ميلادهم، ويصل الأمر بالبعض إلى حد اعتبار سنة ميلادهم على إنها لا تقل أهمية عن أخطر الأسرار الحربية التي لا يجوز لأحد معرفتها، فلا مجال لمعرفة هذا السر تحت أي ظرف، ولا مانع من إعطاء إجابات غير صحيحة عن العمر الحقيقي حال ما إذا سئلوا عن ذلك بشكل مباشر. معظم الشعوب حول العالم تتعامل مع سؤال تاريخ الميلاد على إنه مجرد سؤال عابر لا يختلف كثيرًا عن سؤال «كم الساعة الآن؟»، غير إن هذا السؤال في مصر وبعض الدول العربية يأخذ شكلا مختلفا تمامًا، وربما يتحول إلى شبه إهانة إذا طلبت من أحدهم أن يخبرك بتاريخ ميلاده، أو الكشف عن عمره. ومع التطور الكبير لمواقع التواصل الاجتماعي، أصبح هناك فرصة يمكن من خلالها كشف هذا السر بمنتهى السهولة، وبضغطة زر، من خلال عدد من المواقع المتخصصة في كتابة السير الذاتية للنجوم والمشاهير تحديدا، إلى جانب المواقع الأخرى التي تشترط من أعضائها تسجيل تاريخ الميلاد أو إرفاق السيرة الذاتية لتسهيل الحصول على وظيفة أو غيرها من الخدمات، ومع ذلك يعتبر الكثيرون أن الاعتراف بالعمر الحقيقي عيب، ليبقى سؤال «لماذا؟» محيرا أكثر. في هذه السياق، تقول الدكتورة إيمان دويدار، استشاري الصحة النفسية وتعديل السلوك، إن ميل بعض الأفراد لعدم الاعتراف بالعمر الحقيقي، هي ظاهرة طبيعية في بعض المراحل العمرية، ومرضية في مراحل أخرى. وتحدد «دويدار»، في تصريحات لـ «المصري لايت»، مراحل نشأة هذه السمة عند الإنسان، إذ تظهر مبكرًا في مرحلة الطفولة، وذلك لسيطرة شخصية القدوة على خيال الأطفال، الأمر الذي يجعلهم لا يعترفون بعمرهم الحقيقي، ويعطون لأنفسهم نفس عمر القدوة في حياتهم، والتي غالبًا ما يكون سن والدهم أو والدتهم، رغبة من الطفل في انتزاع بعض الحقوق لنفسه، مثل أن تستخدم الأنثى أدوات تجميل والدتها، أو ترتدي فساتينها، ويشرب الولد من فنجان قهوة مثل والده، أو يجلس على مكتبه، وهكذا. وتضيف «دويدار»، إن في مرحلة المراهقة تظهر هذه السمة بوضوح، وتأخذ نفس شكل مرحلة الطفولة، حيث يميل المراهقون لإضافة بعض السنوات إلى أعمارهم الحقيقي، وذلك حتى يشعر المراهق ببعض الاستقلالية، ويستطع من خلال ذلك رفض الضبط الأسري والمجتمعي، بحجة إن سنه كبير ويستطع اتخاذت قرارات بنفسه. وبحسب «دويدار»، فإن الوضع يختلف تمامًا في مرحلة الرشد بكل تطوراتها العمرية، عن ما يحدث في مرحلتي الطفولة والمراهقة، إذ يبدأ البعض في عدم البوح بأعمارهم الحقيقية، ويميلون إلى إعطاء إجابات تتضمن سن أصغر من عمرهم الحقيقي، أو عدم الاعتراف أصلا، بدوافع ومبررات تختلف من شخص إلى آخر. وتردف «دويدار»، أن دوافع النساء في عدم البوح بأعمارهن الحقيقية يرجع «لخوفهن من الوصم الاجتماعي في حال إذا ما تقدمت في العمر دون أن تتزوج» على حد قولها، إذ يشكل هذا الأمر عبئًا ثقيلًا عليهن، وتبدأ معه أزمات نفسية لا نهائية وأعباء إضافية على الأعباء الموجودة بالأساس في حياتها، لتضطر في النهاية لإخفاء سنها، أي أن المجتمع شريك أساسي في هذه الظاهرة عند الإناث. لا يختلف الحال كثيرًا بالنسبة لدوافع الذكور «خوفًا من وصمهم اجتماعيًا بعدم تحقيق أي شيء بالرغم من تقدمهم في العمر، كعدم الالتحاق بوظيفة مثلًا، أو عدم الزواج»، وغيرها من الأسباب التي تتعلق كلها بنظرة المجتمع، وبالتالي رفضه البوح بعمره الحقيقي. وتوضح «دويدار»، أن دوافع الأشخاص الذين يخبئون أعمارهم الحقيقية في مرحلة النضج يرجع لقلقهم من اقترابهم من مرحلة الكهولة، وبالتالي يحرصون في معظم الوقت على تغيير أعمارهم حتى يظهروا أكثر لياقة، أمثال زملائهم في العمل وفي النوادي الاجتماعية، وغيرها من المواقف الأخرى. أما في مرحلة الكهولة، «يميل البعض لتغيير أعمارهم الحقيقية للفت الأضواء ناحيتهم، والحصول على بعض الاهتمام، وخصوصًا لما يمروا به من مواقف نفسية سلبية في هذا السن»، على حد تعبير «دويدار»، الأمر الذي يدفعهم للكذب حتى يثبتوا أنهم مازلوا يتمتعون بصحة جيدة وقدرة على أداء الأدوار التي يقوم بها الشباب. وفي ضوء ما سبق، قال الدكتور جمال فرويز، استشاري الصحة النفسية، إن مهما اختلفت المبررات، فإن ميل البعض لإخفاء العمر الحقيقي «يرجع لقلة ثقة الشخص في نفسه، الأمر الذي يدفعه لعدم الاعتراف، إذ يرغب دائمًا أن لا تنتهي مرحلة الشباب من حياته»، على حد قوله. ويضيف «فرويز»، في تصريحات لـ «المصري لايت»، أن كلما زادت ثقة الفرد في نفسه، كلما زاد قدرته على التعايش مع المراحل العمرية المختلفة، ومن ثم تختفي لديه ادعاءات عمر غير عمره الحقيقي، وكذلك عدم اضطراره اللجوء «لحيل المراهقة» على حد وصفه، التي تضمن له بشكل صوري أنه أصغر من عمره، كعمليات التجميل، والبواريك، وصبغ الشعر وغيرها. وينهي «فرويز» حديثه بأن هناك العديد من العوامل الإيجابية التي تعود على الفرد من تخلصه من هذه الآفة، إذ إنه يستطيع التعايش مع ذاته، ومن ثم التعايش مع الآخرين دون أن يشعر بالخجل أو العجز، وتختفي بالتالي معظم صراعاته مع ذاته أو مع الآخرين.
مشاركة :