لكي ننتقل من مرحلة أن تكون الحكومة مشغلاً للاقتصاد لتكون منظمًا يتطلب ذلك أن تكتفي الحكومة وفق الأصل بوضع النظم والقواعد التي تحكم السوق وتترك للقطاع الخاص الفاعل دورًا أساسيًا في تحريك عناصر الإنتاج وهي رأس المال والأرض والعمل. ومعنى ذلك أن الدولة تقف عند حد التنظيم بقوانينها ولوائحها ولا تنافس القطاع الخاص، ومتى ما أراد الفاعلون الاقتصاديون (القطاع الخاص) تحقيق فوائد وأرباح من رؤوس أموالهم أو ريعًا من أراضيهم وعقاراتهم فإن عليهم الاستثمار والاستغلال الصحيح لمواردهم وتحريكها في السوق، كما ويقع على القطاع الخاص دور أساسي في التشغيل وتوفير فرص العمل وعلى الباحثين عن عمل أن يؤهلوا أنفسهم جيدًا في سوق لا يقبل إلا الكفاءات ليحصلوا على مقابل العمل وهو الأجر فيزدهر الاقتصاد وتقوى الدولة. ويطرح تساؤل هنا: ما الذي ستجنيه الدولة مقابل تنظيمها للسوق فقط؟ نقول: ستحصل الدولة على الرسوم والضرائب من الفاعلين الاقتصاديين (القطاع الخاص)، وبهذه الطريقة ستحقق كل عناصر الإنتاج وهي المنظم والأرض ورأس المال والعمل المغنم المرجو. وتبرز هنا أهمية دور من يرسم الــــسياسات المالية ومن ضمنها السياسات الضريبية بأن يــتنبه لأهمـــية قـــاعدة «توسعة وعاء الضريبة» والتي تعني أن على الدولة أن تعمل دائمًا ما دامت اكتفت بالتنظيم على ابتكار موارد مالية جديدة وبالأخص الضريبية، على أن يكون تشريعها الضريبي مرنًا لا جامدًا يمكن لها من خلاله تلافي ومعالجة مشكلات حالتي الركود والتضخم، وأن تراعي مقدار الطاقة المالية لدى القطاع الخاص والافراد. فلنتلفت يا سادة يمينًا ويسارًا ونتفكر في حال السوق البحريني، ولنقرأ الصحف وتحديدًا الأقسام الاقتصادية، سنجد أن القطاع الخاص وخصوصًا الشركات الكبيرة تحقق أرباحًا وفيرة، وليست مخاطبة بأي قانون ضريبي بشكل مباشر. فقانون ضريبة القيمة المضافة مثلا يخاطب المستهلكين (الممول الفعلي) ودور الشركات المسجلة أنها محصل للضريبة لمصلحة الدولة فهي الممول القانوني فقط واستهلاكها ليس بالرقم الكبير، والقانون الجمركي يعوض التاجر تعرفته الجمركية التي دفعها بزيادة أسعار السلع بمقدارها او يزيد، فتزداد الأرباح مع انخفاض واضح في المساهمة الحقيقة في مالية الدولة. لقد جرت سياسة الدولة منذ عقود طويلة على دعم القطاع الخاص، ولذلك لم نرَ ضريبة مباشرة مفروضة عليه، وهذه سياسة كما تقول أدبيات علم المالية العامة والاقتصاد السياسي أنها مقبولة في المراحل الأولى لنشوء السوق لتعظيم التكوين الرأسمالي للقطاع الخاص فينمو وينهض ليؤدي دورًا في التشغيل وتوفير فرص العمل، ونحن في اعتقادي تجاوزنا هذه المرحلة والسوق البحريني يتمتع بكفاءة وربحية عالية، فآن الأوان أن يساهم القطاع الخاص بشكل مباشر في زيادة إيرادات الدولة وتحقق الدولة فكرة تنويع مصادر الدخل من خلال فرض ضريبة مباشرة على الأرباح التجارية والصناعية. ونجيب هنا على عنوان المقال ببيان الأسباب التي تستدعي فرض هذه الضريبة: 1- ما هو معلن غير خافٍ مما تحققه الشركات التجارية والصناعية من أرباح مليونية لا يمر ريحها على خزينة الدولة. 2- إن استمرار التــــوجه ناحية الاقتراض ينهك الدولة، وهي أي القروض ضريبة مؤجلة ستستنزف الأجيال القادمة. 3- أثبت الواقع أن لا أمان ولا ثقة في أسواق النفط وأسعاره وهو المورد الرئيس الذي يصب في خزينة الدولة، فهنالك حاجة ملحة لتنويع مصادر الدخل من موارد يمكن أن تضخ إيرادات جيدة للخزينة ومنها الأرباح السنوية. 4- إن فرض ضريبة على الأرباح التجارية والصناعية يخلق رقابة على هذه الشركات، فمن بديهيات هذه الضريبة أن على الشركات الخاضعة أن تقدم إقرارًا سنويًا عن أرباحها مشمولاً بتفاصيل عن معاملاتها وهو ما يمكن الدولة من الرقابة عليها وضمان سلامة تعاملاتها فنتجنب وقائيًا جرائم تمويل الإرهاب وغسيل الأموال ونضمن أن الأنشطة الاقتصادية فعليًا خاضعة لرقابة الدولة. وهذا الأمر يشمل الشركات الحكومية فقد اختلف الفقه المالي في فرض هذه الضريبة على شركات الدولة، ودون بيان للآراء - فهذا ليس موضعها - نقول بأن الرأي الصحيح ضرورة الفرض على الشركات الخاصة والحكومية لأن الأخيرة خصوصًا تمول من خزينة الدولة عند عجزها ومالها في حقيقته مال عام فهي وإن كانت من أملاك الدولة الخاصة إلا أن مالها يدخل في عداد المال العام وما تنفقه عليها الدولة نفقة عامة، ولذلك ففرض الضريبة عليها يجعلها خاضعة للرقابة السنوية لكونها ملزمة بتسليم تقاريرها المالية والمحاسبية تلقائيًا للجهاز الضريبي، والذي سيمحصها ومع هذا التمحيص ستتكشف أوجه القصور. 5- إن الشركات العالمية أو ما يسمى بالشركات العابرة للقارات او متعددة الجنسية والتي باتت تحقق أرباحًا تزيد عن إيرادات دول تبحث بشكل أساسي عن الملاذات الضريبية وهي الدول التي لا تفرض ضرائب، وهو ما جعل دولاً كبرى تفرض تشريعات وقائية في حالة انتقال هذه الشركات منها للملاذات الضريبية، وتطلب سياسيًا من هذه الملاذات أن تفرض ضرائب؛ لأنها تساهم في هروب هذه الشركات من أسواقها. ولا يعني ذلك أن تفرض ضريبة بذات السعر في الدول الكبرى، فلكي تكون لدينا ميزة ضريبية فمن الممكن فرض ضريبة بسعر أقل من غيرنا، فخرجنا من دائرة الملاذ الضريبي واستفدنا وجود هذه الشركات الكبرى في سوقنا. 6- عادة ما تكون ردة فعل القطاع الخاص على هكذا ضريبة القول بأنها تمنع الاستثمارات، وهو قول مردود عليه من عدة نواحٍ، الأولى: جميع الدول ذات الاقتصاديات القوية تفرض ضرائب وأهمها وأكثرها حصيلة تلكم التي تفرض على الأرباح وما زالت الشركات والاستثمارات تنكب عليها كبًا، ثانيًا: من الممكن منح حوافز ضريبية ومزايا أخرى يمكن أن تدفع المستثمر الأجنبي رغم وجود ضريبة الأرباح التجارية والصناعية على دخول السوق البحريني على أن تكون تكلفة هذه الحوافز والمزايا أقل من العائد المتوقع للدولة من هذه الضريبة، وهنا نكون قللنا الضغط الضريبي على المستثمرين وحققنا عائدًا لخزينة الدولة. 7- إن كل نشاط اقتصادي واستثماري يحتاج في الحقيقة لمقومات توفرها الدولة كجزء من وظائفها الأساسية كالصحة والتعليم الجيد والأمن والبنية التحتية القوية وغيرها، وهي دعامات متوافرة في بلادنا بالمجان أو بمبالغ رمزية تحقق فائدة كبيرة وأساسية للقطاع الخاص، ولم تحصل الدولة على مقابل مجزٍ منها من هذا القطاع. 8- كثير من الدول فرضت ضريبة مباشرة على الأرباح التجارية والصناعية وأخرى غير مباشرة على توزيعات هذه الأرباح على المساهمين في شركات المساهمة، بمعنى التوسع في الضرائب التي تواجه أرباح الشركات الكبرى، ونحن نقول بأن الكفاية مبدئيًا في الأولى مع استعمال قاعدة «توسعة وعاء الضريبة» في السنوات القادمة بفرض الثانية غير المباشرة أيضا. ختامًا أقول وجب التفكير بشكل فوري ودون مجاملة في فرض ضريبة مباشرة على الأرباح التجارية والصناعية ومن الممكن أن يكون في هذا القانون نصوص انتقالية بحيث يبدأ الفرض على الشركات التي تحقق أرباحًا تتجاوز مليون دينار سنويًا مثلاً ثم مع انتهاء الفترة التجريبية الانتقالية تفرض على ما دونها بشرط ألا تمس الشركات المتوسطة والصغيرة والتي يجب أن يحدد هذا القانون لها تعريفًا واضحًا. عضو مجلس إدارة اتحاد خبراء الضرائب العرب
مشاركة :