انعدام الفهم الحقيقي عند الذكاء الاصطناعي مسألة لا شك فيها | | صحيفة العرب

  • 9/25/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

شهدنا خلال الأعوام القليلة الماضية جيلا من تطبيقات الذكاء الاصطناعي تميّزت بقدرات لم نعهدها من قبل؛ منها الانتصار على أبطال العالم وابتكار لوحاتٍ فنية، إلى أن وصلنا أخيرًا إلى الإعلان عن تقنية غير مسبوقة، تمتاز بمهارات الفهم والقدرة على تأليف القصص والنصوص والرموز الحاسوبية، ونعلم أن ذلك لن يكون نهاية المطاف. سان فرانسيسكو – خلال شهر يوليو الماضي أعلن مسؤولون من مختبر، أوبن إيه آي، الذكاء الاصطناعي المفتوح، الذي أسسه إيلون ماسك، لتسهيل مهمّة المطورين في تطبيقات الخوارزميات والذكاء الاصطناعي، عن طرح أحدث إصدار من نظام، جي بي تي 3، كان العاملون في المختبر يعملون على تطويره لمحاكاة اللغة البشرية. نتائج مذهلة ولكن في الأسابيع القليلة التي تلت طرح التطبيق، أتيحت للكثيرين فرصة تجربته، وقالوا إنه خطوة ضخمة إلى الأمام تقرّب الآلة من اجتياز اختبار آلان تورنغ. وقام المطورون الذين أجروا اختبارات أولية باستخدامه التطبيق لكتابة القصائد والمقالات ومقاطع من أفلام الرسوم المتحركة، والبرامج الحاسوبية، وتأليف المقاطع الموسيقية، وتقديم النصائح الطبية، وبناء تصورات جديدة لألعاب الفيديو، ووصفت النتائج بأنها مذهلة في بعض الأحيان. وقد قام آرام سابيتي، وهو رائد في العمل بقطاع التكنولوجيا، باستخدام البرنامج لكتابة نص غنائي بأسلوب، رايموند تشاندلر، حول الشخصية الروائية الشهيرة، هاري بوتر، وغرد في ما بعد قائلا “إن البرنامج بارع في عمله إلى درجة تبعث على الصدمة”. وتعتمد التقنية اللغوية الجديدة، على الشبكات العصبية لتوليد نصوص شبيهة بما يكتب البشر من خلال التنبؤ اللغوي. وخضعت التقنية لتدريبٍ مكثف باستخدام 175 مليار مدخل تتضمن نصوصًا من شبكة الإنترنت وويكيبيديا ومنشورات المنتديات ومصادر أخرى. وهذا أكثر من عشرة أضعاف المدخلات التي استخدمت في تدريب الخوارزميات السابقة. وتستخدم التقنية نهجا غير مسبوق، وهو التعلم غير الخاضع للإشراف، إذ تطوّر الروابط والاستدلالات بمفردها. يجري المطورون في المرحلة التجريبية مجموعة من الاختبارات يقدمون فيها للخوارزمية مدخلات محدودة ويطلبون منها إكمال الجمل والفقرات والمحادثات. وعلى الرغم من أن النتائج لم تصل بعد إلى الكمال، لكنها أفضل كثيرا من نتائج الأجيال السابقة من التقنيات المشابهة. وفتح ذلك الباب واسعا أمام النقاشات الموسعة عن فرص التقنية الجديدة وتطبيقاتها مستقبلا. سام ألتمان: لا يزال أمامنا الكثير حتى نكتشفه ونقدمه للعالم سام ألتمان: لا يزال أمامنا الكثير حتى نكتشفه ونقدمه للعالم فإذا نجحت التقنية الجديدة في تلك الاختبارات ستشكل إنجازا مدهشا. إذ يثق المتحمسون لها في قدرتها على توليد النصوص الصعبة التي يتفرّد بها البشر، مثل المقالات والبيانات الصحافية والملخصات المالية والتقارير الرياضية والكتيبات الإرشادية. وتحدثت بعض المقالات على وسائل التواصل الاجتماعي عن قدرتها على تأليف الملفات المالية تلقائيا للشركات الناشئة. ويتوقع آخرون أن تستخدم في إنشاء المواقع الإلكترونية الموضوعية المرتبطة بغوغل بدلا من نتائج البحث. هذا ليس كل شيء تصدّر طالب جامعي عناوين الأخبار عندما نجح في استخدام التقنية الجديدة في توليد منشورات لمدونته عن الإنتاجية، وحصدت هذه المنشورات قراءات عديدة على موقع هاكرنيوز دون أن يدري القراء أن من كتبها ليس إلا الذكاء الاصطناعي. وذكر الباحث جيرن برانوين في مدونته مؤخرا أن النماذج التي أنتجتها التقنية كانت إبداعية وبارعة وجميلة. وقال إن التقنية أظهرت قدرة كبيرة على معالجة الملخصات بصورة تفوق التقنيات السابقة. ويعمل المطورون أيضا على استخدام التقنية في إنشاء شخصيات الخيال العلمي. وسنشهد خلال الأعوام الخمسة المقبلة الكثير من حوارات الأفلام والمسلسلات والأغاني التي تنتجها الأجيال المتعاقبة من التطبيقات اللغوية التي تستخدم الذكاء الاصطناعي. وبدأت منصات كبرى مثل نتفليكس وسبوتيفاي في إنتاج مفاهيم جديدة للأفلام وقوائم التشغيل استنادا إلى أنماط المستهلكين. وركزت أغلب التعليقات على قدرة التقنية الجديدة على توليد النصوص باستخدام التفكير المتقدم وعدم اقتصارها على جمع الجمل من مكان آخر ودمجها معا. لكنها تنتج العبارات المناسبة للسياق اعتمادا على مئات المليارات من الأمثلة التي قدمها إليها المطورون. هذا ليس كل شيء؛ يستطيع التطبيق أن يقوم بالترجمة والإجابة على الأسئلة الموجهة إليه في مختلف الاختصاصات، من الاقتصاد إلى البيولوجيا والتاريخ، ويستطيع أيضا حل المسائل الحسابية. وفي المقابل، تحدث بعض الأشخاص الذين اختبروا التقنية عن فشلها في محاولات عديدة لإنتاج نصوص متماسكة وعقلانية. وقال أحد الخبراء إنه يمكن إنشاء عرض جيّد من خلال تجميع أفضل الأجزاء في النصوص التي تنتجها التقنية. وأضاف أن التقنية قد تستخدم نموذج التعلم غير القابل للإشراف لكن علينا مراجعة نواتجها بدقة. ويرى الخبراء أن التقنية تؤدي المهام التي صممت من أجلها، والتي تتضمن استخدام مجموعة ضخمة من الأمثلة لتوليد النصوص. لكن جاري ماركوس وإرنست ديفز، خبيرا الذكاء الاصطناعي، انتقداها في مقالٍ في موقع إم آي تي تكنولوجي ريفيو وقالا إن التقنية الجديدة تغفل السياق والثقافة. وعلى الرغم من ذلك، فإن معظم النقاد يرون أن التقنية الجديدة، كغيرها من النماذج وبرامج المحاكاة، تمثل خطوة مهمة في سبيل الوصول إلى الذكاء الاصطناعي العام. ضجة إعلامية التكريم جاء متأخرا التكريم جاء متأخرا لكن ذلك لا يعني أننا يجب أن نتخلى عن الذكاء الاصطناعي في إنجاز مهام من مستوى أدنى، إذ تعمل الشركات منذ عدة أعوام على تطوير برامج لكتابة الأخبار والمساعدة في كتابة الرسائل. وتخطط شركة أوبن إيه آي لطرح تقنيتها الجديدة على المستوى التجاري قريبا. ويلعب تعلم الآلة والذكاء الاصطناعي حاليا دورا مهمّا في حياتنا اليومية، مثل تنظيم الرحلات الجوية والمساعدة في قيادة السيارات والتقاط الصور وإدارة الهواتف الذكية. وأدت زيادة تطبيقات الذكاء الاصطناعي هذا العام إلى التأقلم مع أوجه قصورها. وستشهد الأعوام المقبلة تطوير هذه التطبيقات ومعالجة مشكلاتها. وتم تأسيس شركة التكنولوجيا الأميركية، أوبن إيه آي، عام 2015 كمشروع غير ربحي، ولكن في العام 2019 ظهر فرع ربحي للمنظمة من أجل تسويق الحلول التكنولوجية التي تنتجها. وتتضمن قائمة الممولين للشركة عمالقة التكنولوجيا، من إيلون ماسك (شركة تسلا)، وبيتر ثييل (خدمة باي بال)، وريد هوفمان (شبكة لينكد إن) إلى شركة مايكروسوفت التي قدمت مليار دولار للشركة عام 2019. ووفق سام ألتمان، وهو من مؤسسي الشركة، فإن الضجة الإعلامية التي أثارها التطبيق، فيها الكثير من المبالغة، وعلى الرغم، كما يقول ألتمان، من أن التطبيق الجديد رائع، لا شك في ذلك، فإنه لا يزال يحمل عددا من نقاط الضعف. وكما يقول “لا يزال أمامنا الكثير حتى نكتشفه”. التكنولوجيا الأساسية التي تعتمد عليها مثل هذه البرامج ليست ابتكارا جديدا كما قد يتوهّم البعض؛ تطبيق جي بي تي 3، يؤكد ألتمان، أنه نموذج لغوي إحصائي، لا يقوم سوى بحساب احتمال ورود كلمة بعد كلمة أخرى. لقد كانت مولدات النصوص تعمل وفق هذا المبدأ منذ زمن طويل. كل هذا قائم على أساس التعلّم العميق، هذا يعني أن النموذج يتفحص بشكل متكرر بيانات نصية تتضمن بعض الكلمات أو الجمل المحذوفة عشوائيا، ومن ثم يتعين على الآلة أن تملأ الفراغات مجددا، وهكذا يتعلم النظام كيفية تمييز السياقات المختلفة. غير أن النتائج لم تكن جميعها كافية لإقناع الباحثين، كما تقول سينا زاريب، البروفيسور في مجال التعلم الآلي “إذا دقق أي شخص في هذه القصص القصيرة المبتكرة، سيلاحظ أنها لا تحمل أي مغزى حقيقي في أغلب الأحيان”. وبالنسبة لزاريب فإن انعدام الفهم الحقيقي عند الذكاء الاصطناعي “مسألة لا شك فيها. في المحصلة فإن النماذج الإحصائية مبنية على الدوام على حسابات احتمالية بحتة، ولهذا فإن الذكاء الاصطناعي لا يمتلك أي وسيلة لفهم أو تفسير ما تعلمه”. لا يعني هذا تقليلا من ميزات، جي بي تي 3، المذهلة، ولكن الانتقادات تعود إلى أن النسخة الحالية ما زالت في المرحلة التجريبية، ويجب على الدوام تحسينها. لا يزال أمام المطوّرين الكثير من العمل، قبل أن تتمكن الآلة من إدراك الحدود المنطقية للأسئلة والمحادثات التي تخوضها، وبالتالي لا يزال أمامها وقت طويل لاجتياز اختبار آلان تورنغ؛ أو اختبار المحاكاة لتحديد ما إذا كانت آلة أو برنامج قادر على إظهار الذكاء البشري.

مشاركة :