تعتمد هندسة الديكور على الذوق لأنها أقرب إلى الفنون منها إلى العلوم، وكذلك على تطور الذائقة الفنية من خلال الاطّلاع على الثقافات الأخرى ومميزات تراثها المعماري، لذلك يسعى مهندسو الديكور لفرض بصماتهم في هذا المجال انطلاقا من المخزون الحضاري العربي عامة والمغربي خاصة. الدار البيضاء – الأضواء والأصوات، والفضاءات المبتكرة، كلها تعابير تنهل من قاموس الهندسة المعمارية الداخلية، التي تكمن مهمتها الأساسية في وضع تصور للفضاء الداخلي للآخرين لجعل حياتهم اليومية أكثر هدوءا وراحة، وهي مهنة تزدهر شيئا فشيئا في المغرب الذي يوفر أرضية متميزة لاستقبال كل ما هو جديد. ويعيش قطاع الهندسة المعمارية الداخلية والديكور أفضل حالاته، فهو ليس ظاهرة من ظواهر الموضة فحسب، بل هو سوق مدعوة إلى مواصلة النمو، لاسيما مع تطور أساليب الحياة، التي توجب على المهنيين التحلي بأكبر قدر من الدقة للاستجابة لانتظارات ومتطلبات المستهلكين. وفي الواقع، فإن اهتمام المغاربة بالديكور وإعجابهم بالهندسة المعمارية الداخلية ليس وليد اليوم، وتعرف العمارة المغربية بثرائها وتنوعها من خلال تلاقح الحضارات التي مرت بها البلاد، خاصة الهندسة المعمارية الإسلامية وما تعرف به من زخارف من ذلك العمارة الأندلسية التي تهتم بالفضاء الداخلي والأوروبية المنفتح داخلها على الخارج، كما أن السلوك الاستهلاكي في هذا المجال يعرف تطورا مستمرا. وفي هذا السياق، أبرز مهندس الديكور الداخلي والمصمم الفرنسي من أصل مغربي، هشام لحلو، أن قطاع الهندسة المعمارية الداخلية يعرف ازدهارا مستمرا منذ عدة سنوات، لاسيما في العصر الرقمي الذي يتميز بتفوق القطاعات الإبداعية نسبيا على المجالات التقليدية. وقال لحلو في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن “الهندسة المعمارية الداخلية تروم إضفاء لمسة جمالية على كافة الفضاءات الداخلية مع الالتزام بمعايير جمال المساحة، وإنجاز تصاميم هندسية بغاية ضمان راحة المكان اعتمادا على الأضواء والديكورات وترتيب الأثاث وحجم كل فضاء، بالإضافة إلى إمكانية إنجاز الديكور والتصميم”. وأوضح، أن مهندس الديكور الداخلي يقوم على سبيل المثال بتغيير مكان الجدار الفاصل بين الغرف أو توسيع الممرات، أو إحداث غرفة إضافية. فهو يتدخل في الأعمال الهيكلية، ويتكلف بالديكور أيضا، كما أنه مطالب بالاهتمام بتوزيع الأضواء، وكذلك بوضع الأثاث الذي ابتكره داخل هذا الفضاء. سهل وجذاب سهل وجذاب وأؤكد من جهة أخرى على أن الهندسة المعمارية الداخلية تعتبر منظومة متكاملة، فالمهندس حين استدعائه لإنجاز مشروع ما، يلتقي بمالك المشروع الذي يقدم له مختلف انتظاراته. ويتعين عليه بموجب ذلك الالتزام بتفاصيل المشروع الذي ينجزه من البداية إلى النهاية. ويتطلب هذا من المهندس المعماري الداخلي الكثير من الإبداع والإلمام بآخر توجهات السوق، والتوفر على مهارة وخبرة كافيتين، فضلا عن الأخذ بعين الاعتبار مختلف الإكراهات التقنية والمالية والاستراتيجية المرتبطة بالمهنة. وفي معرض جوابه عن سؤال حول موقع الهندسة المعمارية الداخلية المغربية على الساحة الأفريقية والدولية، أوضح لحلو أنها “لطالما حظيت بمكانة متميزة” بأفريقيا. وأبرز أن “المغرب تمكن على الدوام بفضل تاريخه وأسلوب عيشه ومطبخه وصناعته التقليدية، من فرض نفسه في مجال الهندسة المعمارية الداخلية، ويعتبر على هذا الأساس من ضمن الدول الأكثر دينامية داخل القارة في هذا الميدان”. وأضاف، أن المغرب يتميز بتنوع وثراء ثقافي وحضاري كبير ضارب في القدم، ما يجعل منه نموذجا متفردا يلهم كبار المصممين العالميين ويجذبهم لإقامة مشاريعهم بالمغرب. من جهة أخرى، أكد لحلو أن المملكة تزخر بكفاءات وطنية ناجحة ومتميزة في مجال الهندسة المعمارية الداخلية، “غير أن هذه الكفاءات غير مستغلة بالشكل المطلوب”. وأبرز في هذا الصدد، أن الوسيلة الأكثر نجاعة لتشجيع تحرير وتطوير هذه المهنة تكمن في منح الفرصة للمهندسين المغاربة، لاسيما في سياق الأزمة الصحية، حيث يتعين وضع الخبرات المغربية في هذا المجال في صلب الاهتمام. بسيط ومختلف وشدد لحلو، من جهة أخرى، على أن عدم خضوع هذا القطاع لإطار منظم وافتقاده لتمثيلية (فيدرالية، أو تجمع أو جمعية..) يعيقان تطوره، مشيرا إلى مزاولة عدد من المهندسين لهذه المهنة دون توفرهم على شهادات، ما يفتح الباب أمام المنافسة غير الشريفة ويسيء بالتالي لهذه المهنة. وأضاف، أثير هنا النموذج التونسي على سبيل المثال، باعتباره نموذجا أفريقيا منظما بشكل جيد في ما يخص الهندسة الداخلية، فهو يتوفر على غرف نقابية للمهندسين المعماريين الداخليين في كل جهة، ما يعتبر أمرا مثيرا للاهتمام. من جهتها، أكدت مهندسة الديكور الداخلي بالقنيطرة، زينب التمار، أن هذا القطاع عرف نموا ملحوظا بالمغرب خلال السنوات الأخيرة، وذلك بفضل ثراء الثقافة المغربية، وتطور التكوينات التي تقدمها المدارس العليا، وكذلك نتيجة انفتاح السوق المغربية على توجهات جديدة، وهو الأمر الذي عزز تميز المصممين من خلال أفكار وتصورات “مبتكرة وخلاقة”. وأضافت، “حاليا، لم يعد من الغريب الاستعانة بمهندس ديكور داخلي لتهيئة الفضاء الداخلي للمنازل أو الفضاءات التجارية”، مشيرة إلى أن مهمة مهندس الديكور الداخلي تتجلى في التفكير ووضع تصور لفضاءات العيش أو العمل، حيث يلتقي التصميم بالممارسة داخل إطار عملي. الديكور يعرف ازدهارا مستمرا منذ عدة سنوات ويتميز بتفوق القطاعات الإبداعية نسبيا على المجالات التقليدية ولم يفت التمار التأكيد على أن المهارة المغربية ضاربة في جذور التاريخ، بفضل الصناع التقليديين المغاربة الذين نجحوا في ابتكار تصاميم فريدة معترف بها على الصعيد العالمي، مبرزة ضرورة تثمين هذه المهارة عبر تشجيع اليد العاملة المحلية. ومن أجل تطوير هذا القطاع بالمغرب، أكدت أنه يتعين في البدء تجميع الصفوف في إطار قانوني معترف به على الصعيد الوطني، لافتة إلى أن تشكيل هيئة مهنية للمهندسين المعماريين الداخليين سيمكن من تسهيل تطوير المهنة برمتها. والأكيد أن قطاع الهندسة المعمارية الداخلية أصبح متاحا أكثر فأكثر للجميع. فالاستعانة بخدمات مهندس معماري داخلي لم تعد حكرا على فئة الأغنياء، على عكس ما يروج داخل المجتمع المغربي.
مشاركة :