بداية، لابد من كلمة شكر وعرفان لكل من تفاعل مع المقال السابق "ما عوامل نجاح سياحتنا الداخلية؟"، سواء من المعنيين بقطاع السياحة أو من القراء الكرام، حيث كانت بعض الملاحظات والتعليقات غاية في الأهمية. كما لا يفوتني أن أشير إلى حقيقة لمستها عن قرب، وهي الاهتمام الكبير الذي يوليه الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار لكل ما يُكتب أو يُثار حول قطاع السياحة الوطنية. لم تعد السياحة وفق تعريفها ومفهومها وتأثيرها الحضاري والاقتصادي والثقافي والاجتماعي في العصر الحديث، مجرد تفاصيل بسيطة تدور حول مظاهر السفر والترحال والتسوق والإقامة والتبضع، ولكنها صناعة تنموية كبرى تُسهم في تقدم وازدهار الأمم، وهي صورة حضارية ملهمة تطبعها المجتمعات والشعوب المتطورة في ذاكرة العالم. والآن، إلى أهم سبعة عوامل/ حلول رئيسية لنجاح سياحتنا الداخلية، والتي وعد بها المقال السابق: الأول، هو تحول الهيئة العامة للسياحة والآثار إلى وزارة مستقلة للسياحة، لها كافة الصلاحيات والمسؤوليات والإمكانات، لتكون الجهة الوحيدة المعنية بهذا القطاع الكبير، بدلاً من كل ذلك التشتت والتداخل والتضارب في المسؤوليات والاختصاصات الموزعة على الكثير من الوزارات والأجهزة الحكومية المختلفة. هذا التحول، ليس مجرد خطوة رمزية، ولكنه نقلة نوعية مهمة باتجاه بسط النفوذ وتوحيد الجهود وتركيز الطاقات لصنع سياحة حقيقية. الثاني، هو الاستفادة من التجارب السياحية الناجحة هنا وهناك، ولكن ليس بمحاولة "سعودتها" بشكل شكلي، بل بمحاكاتها وتلمس أسباب نجاحاتها، لأن السياحة صناعة واضحة المعالم والآليات ويمكن قياس معدلاتها وتأثيراتها. الثالث، هو ضبط كافة الأسعار، سواء الفنادق والشقق المفروشة والشاليهات أو تذاكر السفر ووسائل المواصلات المختلفة أو المطاعم والمقاهي ومدن الألعاب، فمن غير المعقول هذا الارتفاع الحاد والمستمر في الأسعار مقابل تواضع شديد في جودة الخدمة السياحية المقدمة. الرابع، هو تحرير قطاع السياحة والآثار من كل خطابات التشكيك والتحريم وسد الذرائع، بل على العكس تماماً إذ يجب أن توجه كل الطاقات والقدرات والإمكانات لتشجيع هذا القطاع الحيوي المهم الذي يُسهم في دفع عجلة التنمية الوطنية. الخامس، هو الاعتراف والإقرار بفشل المهرجانات والفعاليات السياحية الكثيرة التي تنتشر في كل أرجاء الوطن، والاتجاه لصنع مهرجانات سياحية حقيقية تجذب السائح السعودي، بل والخليجي والعربي ؛ فوجود مؤسسات وجهات متخصصة وخبيرة في صناعة المهرجانات السياحية الوطنية، أصبح ضرورة ملحة لكسر حاجز الثقة والرضا والقناعة بين السائح السعودي ومهرجاناتنا السياحية. السادس، وهو الاهتمام والعناية بما تبقى من آثارنا وشواهدنا التاريخية والحضارية والدينية، وهي كثيرة جداً وتتوزع على امتداد وطننا الكبير. للآثار قيمة إنسانية وحضارية وثقافية واقتصادية لا مثيل لها على الإطلاق، وهي أحد أهم عوامل الجذب السياحي للمواطنين والمقيمين والزائرين. السابع، وهو الإيمان الحقيقي بقيمة وأهمية وتأثير قطاع السياحة على كل تفاصيل المجتمع الوطني. لن تنجح السياحة إلا بوجود عقلية ومزاج وسلوك سياحي يتمظهر في تعامل وتعاطي المجتمع بأفراده وشرائحه وفئاته، كالمرونة والترحاب والتسامح والتفهم وقبول الآخر والكثير من القيم والمبادئ والأخلاقيات التي يمكن تعلمها والتدريب عليها عبر برامج وخطط ورسائل توعوية وتثقيفية حول أهمية السياحة كقوة ناعمة كبيرة ستُسهم في إنعاش الاقتصاد الوطني وسينعكس ذلك مباشرة على المجتمع بأفراده وشرائحه المختلفة. العوامل والحلول كثيرة، خاصة وأن هذا القطاع ضخم ومعقد، ولكن هذا ما سمحت به هذه المساحة المحدودة. عزيزي القارئ: تلك كانت حزمة الحلول لنجاح سياحتنا الوطنية والتي انتخبتها من بين الكثير من العوامل، فهل تملك حزمة حلول أخرى؟
مشاركة :