تحولت كبرى قاعات المعهد الفرنسي للثقافة والتعاون في الإسكندرية، إلى ساحة تفاعلية ضخمة عالية الدينامية والتعقيد. وصارت الجدران المرتفعة مسرح عمليات تفاعلياً يتسلقه شباب لا تزيد أعمارهم عن 20 سنة، وباتت أعمدة البهو الشاهقة بتيجانها نقاط ارتكاز رأسية لمسار أفقي ممهد يتخطاه الشباب بخفة في لحظات، في مشهد فني اختلطت فيه إحداثيات المكان وتقاطعت مع إحداثيات الزمان وتبدلت خطوط الطول ودوائر العرض وتعطلت الجاذبية وفق متتالية حركية لإعادة اكتشاف حركة الجسد الإنساني، خلال العرض المبهر الذي قدمه فريق «باركور في مصر» المكون من ترايسورز traceurs، وهم شباب مصريون محترفون وهواة. استعرض الفريق مهاراته الحركية وسرعة بديهته في الخروج من المواقف الصعبة، فقدم أعضاؤه أشكالاً جديدة من الحركات الإبداعية والرقصات الفنية في التعامل مع الحواجز ليتسلقوا الجدران ويلفوا القاعات ويدوروا في الهواء مخالفين قوانين الجاذبية ومطوعين إياها لينفذوا قفزاتهم ورقصاتهم وحركاتهم المستحيلة. وتحولت أرضية القاعة المزينة بخريطة ضخمة لفرنسا إلى ممشى يسير فيه اللاعبون على رؤوسهم وأكتافهم وأيديهم وأصابعهم بسرعة وخفة وسلاسة وثقة، ومن ثم تعالت صيحات المشاهدين وانفلتت انفعالات المتلقين وصرخات المشجعين المتفاعلين. ويقول أحمد نبيل، وهو أحد المشاركين: «عندما يتعلق الأمر بفن الباركور، يبدو العالم مثل ساحة تفاعلية كبيرة للغاية وصغيرة في الوقت ذاته، شاسعة وضيقة في آن واحد، فيها يرسم ترايسور حدود نقاط مساراته، ويلتف في دوائر أفقية ورأسية، ويلتف حول ذاته في مكانه وفي الهواء في نقلة زمنية كبيرة حيث يتحول الجسد الحي لطاقة أثيرية تتماهى من نقطة إلى أخرى في أسرع وقت والهدف ليس فقط تخطي العقبات أو الموانع. بل يجب أن يكون ذلك بطريقة فنية حيث يتحول ما كان يعتقد أنه خدع سينمائية إلى واقع حقيقي (...). الترايسور الحقيقي يسير على هَدي دائم من رؤاه التخيُّلية، ورهانه على أحلامه يكون أكبر من رهانه على واقع الحياة، وتخطيه الحواجز يولّد داخله حالة من الإصرار على تخطي كل العواقب التي تواجهه في حياته». وعن الباركور، يقول: «هو مزيج بين الروح والعقل والجسد. فن رياضي ولعبة فلسفية أيضاً تتعامل مع جسد الإنسان كوحدة واحدة، فيهتم اللاعب بكل أجزاء الجسد بشكل متناسق، ليصنع حالة من التناغم الحركي - الجسدي الذي يقلل من قوة ارتطام الجسم بالأرض عن طريق بعض الحركات التي تعمل على تقليل وزن الشخص عند لحظة التصادم، بمعنى توزيع وزنه على محيط، فتتوزع ردود الفعل على محيط جسده». وعن أنواع حركات الباركور، يقول: «القفزات والتسلق، والدحرجة، وكل حركة تندرج تحت هذه التصنيفات لها أسسها الفنية والتدريبات البدنية الخاصة بها». ويوضح نبيل أن الحركات التي يقومون بها ينظر إليها كثيرون على أنها خارقة، وليست خدعاً سينمائية. ويقول: «نتسلق خلال ما نقدمه حواجز صعبة ونتخطى عوائق مستحيلة عبر تشكيل فني حركي شاق يمنح طاقة رمزية ودلالية أكبر من السياق الطبيعي، نستمدها من صيحات إعجاب المشاهدين وصرخات المندهشين ومشاركة عفوية من المتفاعلين». تعارف الفريق على الباركور عبر الإنترنت في العام 2010 والتقوا في إحدى صالات التدريب ومن ثم قرروا تكوين الفريق. يقول نبيل: «نحن 10 أعضاء، ولا مانع لدينا من انضمام أعضاء جدد، فلكل منا طريقته وأسلوبه في التعبير الباركوري، تحت سقف السرعة والقوة والبراعة الفنية». وعن انتشار الباركور يقول: «انتشر في السنوات الثلاث الأخيرة في سورية والكويت والبحرين، إلا أن مصر استطاعت في فترة وجيزة أن تصبح إحدى أهم الدول العربية في فن الباركور وتشارك في منافسات عالمية. كما أن دور الباركور في السينما المصرية بدأ ينمو واستخدم أخيراً بكثرة في الإعلانات نظراً إلى اعتماده على حركات حقيقية دون اللجوء إلى خدع بصرية، لتحقيق عنصر الإثارة». وفن الباركور أو (PK) مجموعة حركات يكون الغرض منها «الانتقال من النقطة أ إلى النقطة ب، بأكبر مقدار ممكن من السرعة والسلاسة، باستخدام القدرات البدنية. وجد الباركور أساساً كطريقة جديدة ومختلفة لتخطي العقبات أو الموانع التي يمكن أن تكون أي شيء مما يحيط بك من فروع أشجار أو صخور أو قضبان حديد أو حتى جدران. ويعرف ممارسو الباركور بـ «ترايسورز» (traceurs).
مشاركة :