الجزائر – توترت العلاقة مجددا وبشكل مفاجئ بين المحامين والقضاء في الجزائر، بعد المشاحنات التي وقعت في محكمة العاصمة، بين قاضي جلسة ونقيب محامي منطقة العاصمة، لتفتح بذلك مواجهة جديدة بين الطرفين ولا يستبعد أن تمتد إلى النواحي الأخرى، بسبب الاختلال القائم داخل جهاز القضاء منذ أشهر طويلة. ونظم محامو منطقة العاصمة السبت، وقفة احتجاجية بمقر محكمة العاصمة، احتجاجا على ما وصفوه بالإهانة المسلطة عليهم من طرف القضاة، واستئثار الوصاية (وزارة العدل) بشؤون القضاء، وذلك بعد الإعلان عن تنظيم إضراب لمدة أسبوع. وردد المحتجون العديد من الشعارات القوية المناوئة لوزير العدل الحالي بلقاسم زغماتي، الذي يتهمونه بالهيمنة على الجهاز، وتسيير القطاع بصفة انفرادية وبعيدا عن باقي الفاعلين، ودوت شعارات “بركات بركات (يكفي يكفي) من قضاء التعليمات”، و”زغماتي ديقاج (ارحل)”، أروقة المحكمة. وأعاد التوتر الجديد في جهاز القضاء، سيناريو الانتفاضة التي نفذها محامون خلال الأشهر الماضية، لما عبروا عن تضامنهم مع احتجاجات الحراك الشعبي، ونظموا حينها العديد من الوقفات والمسيرات، الأمر الذي يكرس الخلفية السياسية للتجاذب القائم داخل الجهاز، بين محامين يتبنون مطالب التغيير، وبين وزارة تعتبر الذراع القوية للسلطة القائمة. ولا زال وزير العدل الحالي بلقاسم زغماتي، المحسوب على السلطة الجديدة منذ دفع العسكر بالرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، للاستقالة في أبريل 2019، يشكل اليد الضاربة للسلطة، رغم رفض فاعلين آخرين كالمحامين وحتى قضاة لما يصفونه بـ”السياسة الانفرادية”، والهيمنة على سيرورة القطاع. ومنذ مجيء الرجل لوزارة العدل، أدرج العديد من النصوص التشريعية والديناميكية داخل القطاع، لاسيما في ما يتعلق بتسيير الأزمة السياسية حيث يرجع ناشطون سياسيون معارضون، ما يصفونه بـ”ممارسات التضييق على الحريات السياسية، والإمعان في فرض أسلوب التعليمات على سيرورة المحاكم”. وكان محامو منطقة العاصمة، قد قرروا في بيان اطلعت “العرب” على نسخة منه، فبعد الاجتماع المنعقد أمس الأول، شل العمل القضائي بشكل تام على مستوى مجلس قضاء الجزائر العاصمة، وكل الجهات التابعة له ابتداء من الأحد إلى غاية الرابع من أكتوبر القادم. التوتر الجديد في جهاز القضاء أعاد سيناريو الانتفاضة التي نفذها محامون خلال الأشهر الماضية، لما عبروا عن تضامنهم مع احتجاجات الحراك الشعبي ولفت البيان إلى أن القرار جاء ردا على “واقعة إهانة نقيب المحامين عبدالمجيد سيليني، وذلك للتعبير من قبل كافة المحامين عن رفضهم لهذه التصرفات”، في إشارة إلى المشاحنة التي وقعت بين المحامي المذكور وأحد القضاة، بعد رفض الأخير تأجيل جلسة محاكمة أحد موكلي النقيب، بشكل أدى إلى تعرضه لوعكة صحية. وسبق لوزير العدل أن دخل في صدام مع القضاة، لما قرر نهاية العام الماضي، إجراء حركة واسعة داخل جهاز القضاء، أثارت سخط واستياء المعنيين كونها لم تراع الشروط الاجتماعية والمهنية للمعنيين، وحدث أن استعملت القوة العمومية ضد قضاة تجمعوا آنذاك داخل محكمة وهران للتعبير عن تمسكهم بمواقع عملهم. ولم يتوان رئيس نقابة “نادي القضاة”، (قيد التأسيس) سعدالدين مرزوق، في اتهام وزير العدل الحالي بممارسة التضييق والانتقام داخل الجهاز لأسباب سياسية، ناجمة عن الموقف المؤيد للنقابة المذكورة للاحتجاجات السياسية التي عاشتها البلاد خلال 2019 و2020، وهو ما أدى إلى إحالة عدد منهم إلى لجنة التأديب. وكان حينها موقف محامين وقضاة الداعم للحراك الشعبي، بمثابة الوثبة النوعية في مسار الاحتجاجات السياسية بالجزائر، خاصة بعد إصرار بعضهم على التطوع للدفاع عن المعتقلين السياسيين، بينما برّأ بعضهم شبابا موقوفين من تهم التجمهر غير المرخص وتهديد المصلحة الوطنية، وهو ما اعتبر تشكيكا في مسار تعاطي السلطة مع الحراك الشعبي. ويعد الوزير زغماتي، المحسوب على قيادة الجيش السابقة، الوجه البارز في معركة الحرب على الفساد المفتوحة في الجزائر، أين يتواجد العديد من كبار المسؤولين في الدولة من وزراء وعسكريين ورجال أعمال رهن الحبس، وقد صدرت في حقهم أحكام مشددة، لكن ذلك لم يمنع من تسجيل اختلالات كبيرة، كما هو الشأن بالنسبة لنجل رئيس الجمهورية الحالي خالد تبون، الذي اتهم بالضلوع في قضية المخدرات، ثم حصل على البراءة بعد عام من السجن الاحتياطي، الأمر الذي فتح الباب أمام اتهام القضاء نفسه بالانتقائية أو بالخضوع، بما أن والد المتهم كان من المغضوب عليهم من طرف النظام السابق، قبل أن يصبح رئيسا للدولة. وفي الجزائر توجد منظمة واحدة للمحامين ولها فروع في كل ولاية.
مشاركة :