ساهمت فترة الحجر الصحي بسبب الوباء في مزيد من الضغوط النفسية؛ لذلك اختار البعض الاحتماء بالموسيقى والبعض الآخر تسلى بالطبخ أو بالرياضة. البعض من الشباب الفلسطيني اختاروا اليوغا في الطبيعة ليتحرروا من القلق ويحرروا أجسادهم من الخمول. رام الله (فلسطين) ـ على وقع أنغام موسيقية هادئة تتحكم الشابة الفلسطينية أميرة نجم بعضلات جسدها المسترخية لتأدية تمارين اليوغا بين أحضان الطبيعة الخلابة سعيا لتخفيف ما تواجهه من ضغوط نفسية. وتتقدم أميرة نجم وهي في الثلاثينات من عمرها من سكان مدينة رام الله في الضفة الغربية، ما يزيد عن عشرة أشخاص من مختلف الأعمار لتدريبهم على أداء تمارين اليوغا فوق قمة إحدى التلال في المدينة. وتسعى أميرة إلى مساعدة “طلابها” على التخلص من الآثار النفسية السلبية التي يعانون منها جراء فترات الإغلاق ضمن التدابير الاحترازية لمكافحة انتشار فايروس كورونا الجديد. وتقول لوكالة الأنباء الصينية “شينخوا” بينما كانت تنهي أحد تمارينها “على الرغم من العودة التدريجية للحياة الطبيعية مع الأخذ بالإجراءات الوقائية، إلا أن آثار الإغلاق النفسية تحتاج إلى فترة أطول كي يتم التخلص منها”. وتضيف أن “فترات الإغلاق الطويلة تسببت في زيادة نسبة العنف الأسري، وإصابات بالاكتئاب لحالات عديدة، خاصة أولئك الذين فقدوا أعمالهم بسبب المرض”. وفي محاولة منها لتقوية صلة المتدربين بالطبيعة، آثرت نجم ممارسة اليوغا في الهواء الطلق للتمتع بإحساس الحرية من دون أي عوائق. وتقول “للأسف الشديد لا نمتلك ثقافة التوجه إلى أطباء نفسيين للتخلص من تلك الآثار السلبية التي نصاب بها بسبب ظروف صعبة سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية، لذلك نحاول أن نعتمد على بدائل من بينها ممارسة الرياضة وتحديدا اليوغا”. وتنوه بأنها بدأت ممارسة اليوغا قبل نحو ستة أعوام، عقب عودتها من الأردن للاستقرار في الضفة الغربية، وذلك بعدما أصيبت بحالة اكتئاب شديدة لم تتمكن من الشفاء منها إلا بعد ممارستها لليوغا. وعادة ما كانت تتجه نجم إلى الأماكن الطبيعية مثل سفوح الجبال، أو قمم التلال كي تستطيع أن تطلق العنان لأفكارها للتحليق بعيدا عن ضوضاء المدينة. وتوضح أنها واجهت بتلك الفترة العديد من الانتقادات المجتمعية، خاصة في ظل عدم رواج هذا النوع من الرياضة بين السكان الفلسطينيين. وتقول “كل شيء جديد يتم رفضه في البداية خاصة لكوني امرأة”، مشيرة إلى أنها بدأت تمارينها مع عدد قليل جدا من النساء لتدريبهن على اليوغا. ومع ذلك، أصرت الشابة الثلاثينية على المواصلة في حصصها التدريبية، حتى وصلت إلى تدريب العشرات والحصول على شهرة واسعة في المدينة كأفضل مدربة لليوغا. وكانت نجم تلقت العشرات من التدريبات المتخصصة في اليوغا في الهند، التي تعتبر البلد المنشأ لليوغا وتأمل الطبيعة، بالإضافة إلى تدريبات في العاصمة البريطانية لندن. وتبرز أن “اليوغا لا ترتبط بعقيدة أو ديانة أو معتقدات بقدر ارتباطها بالتواصل الروحي والوصول إلى مرحلة الصفاء الذهني من خلال التخلي عن كافة الأفكار التي تربطنا بالواقع الصعب”. وتعتبر الهند الموطن الأصلي لليوغا، حيث أنها تهدف إلى استخدام الجسد من أجل الوصول إلى حالة روحانية صافية، من خلال التأمل المتعمق والتركيز وعدم الاكتراث لما يجري بالمحيط. ويقول خبراء اليوغا إنها تساعد على المعرفة العليا للنفس البشرية وتحقيق الاستقلالية الروحية، بغض النظر عن الديانات والمعتقدات التي ينتمي إليها ممارسوها. الحجر الصحي تسبب في زيادة نسبة العنف الأسري وحالات الاكتئاب، خاصة في صفوف أولئك الذين فقدوا أعمالهم وينصح الخبراء العديد من الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب الحاد والعديد من الضغوط النفسية بممارسة اليوغا ثلاث مرات أسبوعيا، لمساعدتهم على التحرر من تلك الأفكار السلبية. وكانت الحكومة الفلسطينية أعلنت عن حالة الطوارئ في الخامس من مارس الماضي، عقب اكتشاف أول سبع حالات إصابة بفايروس كورونا في بيت لحم، فارضة حالة الإغلاق الشامل على كافة مناطق الضفة الغربية. وأثرت فترة الإغلاق بشكل سلبي على الوضع النفسي لغالبية سكان الضفة الغربية، بحسب ما أعلنه الجهاز المركزي الفلسطيني في بيان في وقت سابق. وتقول الشابة العشرينية هيا العمري إنها التحقت بحصص اليوغا، عقب انتهاء فترة فايروس كورونا نظرا للطاقة السلبية التي كانت تعاني منها في فترة الإغلاق. وتضيف أن اليوغا “ساهمت بشكل كبير في الربط المباشر ما بين جسدها والطبيعة، من خلال تعلمها كيفية التخلص من الطاقة السلبية على الرغم من كافة الظروف السلبية المحيطة بالإنسان الفلسطيني”. وحول تجربتها في ممارسة اليوغا في “الهواء الطلق” تقول العمري إنه بالإضافة إلى جمالية المكان أصبحت أكثر إيمانا بأنه يحق لكافة الأفراد التوجه إلى الأماكن العامة وممارسة هواياتهم دون وجود أي عقبات مجتمعية. وكذلك الأمر بالنسبة للثلاثيني زاهر محمد الذي انضم إلى الفرق التي تمارس اليوغا كي يتمكن من التخلص من الطاقة السلبية التي كان يعاني منها بعد أن أُجبر على المكوث في المنزل لفترة طويلة. ويقول زاهر محمد إن الآثار السلبية لا تقتصر عل النساء والأطفال فقط، ولكنها أيضا تطولنا نحن الرجال، حيث إن أغلبنا كان يعاني من ضيق سعة صدره وهذا يؤذينا داخليا. ويضيف أنه تمكن أخيرا من استعادة شخصيته الطبيعية وروحه المرحة من خلال قضائه ثلاث ساعات أسبوعيا في ممارسة اليوغا، منوها بأنه يميل إلى ممارستها وقت شروق وغروب الشمس لما لهاتين الفترتين من سحر طبيعي عليه.
مشاركة :