وانجو (كوريا الجنوبية) - لن يكون عيد الحصاد، وهو أحد أهمّ عيدين في الروزنامة الكورية، كسابق عادته هذه السنة، إذ لم تفلت هذه المناسبة لجمع شمل العائلات وتكريم الموتى من شرّ أزمة كورونا. فقد طلبت سلطات كوريا الجنوبية من السكان البقاء في منازلهم هذه السنة خلال عيد “تشو سوك” الذي يحتفل به هذا العام من الأربعاء إلى الجمعة. ويسمى أيضا “هان جا وي” أي وقت الخريف، وهو اليوم الخامس عشر من الشهر الثامن من السنة القمرية بعد وقت الحصاد، وفيه تتلون الحقول باللون الذهبي، إيذانا ببدء حصاد الأرز والحبوب والمزروعات، وتتلون البيوت بأزهى الألوان، ويرقص الصغار والكبار. ويجتمع فيه شمل الأسرة حول مائدة تزخر بالطعام التقليدي المعد بطريقة مميزة. ومن أشهر المأكولات هي كعكة “سونغ بيون” المعدة من عجينة الأرز بعد حصاده، تكور على هيئة أنصاف قمر، وتحشى بحشوات مختلفة كالسكر والكستناء والسمسم والفاصوليا الخضراء وتطهى بالبخار، وتلون الكعكة بألوان متعددة ترمز إلى مراحل القمر وألوانه، لأن يوم التشو سوك يوافق منتصف الشهر القمري. وتحتوي المائدة أيضا على أنواع مختلفة من البقول والأرز والمعجنات، والسمك المخبوز والدجاج المطهو بالبخار، والألوان الزاهية، ويقضي الكوريون العيد في مختلف الألعاب الترفيهية والألعاب الشعبية مثل سامولنوري وإيقاع كوارتيت الرباعي التراثي، والرقص بقناع المصارعة الكورية الفلكلورية. تقول مون هاينغ-جا (83 عاما) التي تعيش وحيدة في بلدة وانجو الريفية في إقليم جيولا الشمالي حيث لم ترصد أي إصابة “يأتي عادة أحفادي وأولاد أشقائي لزيارتي في هذا العيد”. ويخشى السكان توافد الشباب من المدن الكبيرة بكثافة في هذه المناسبة وانتقال العدوى إليهم. وتكتفي مون، كغيرها من الكبار في السنّ، باجتماع افتراضي مع عائلتها. لكن إجراء اتصال بالفيديو عبر الهاتف هو مهمّة شاقة بالنسبة إليها. في عيد الحصاد تجتمع الأسرة حول مائدة تزخر بالطعام التقليدي وتتلون البيوت بأزهى الألوان، ويرقص الصغار والكبار وهي لم تر أولادها الخمسة منذ يناير، وذلك قبل أن تضرب جائحة كورونا كوريا الجنوبية. وتقول “أشعر بالوحدة وأشتاق إليهم، لكن هكذا يحلّ العيد علينا هذه السنة”. وقد فسّروا لها مرارا كيف تستعمل هاتفها الذكي، لكنها ما زالت تواجه صعوبات في استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة. وهي تعرف أن هاتفها سيكون هذه السنة أفضل حليف لها لمواجهة الوحدة. ويقول كيم هي-سوك، وهو مرشد اجتماعي حاول تعليم مون كيف تجري اتصالا بالفيديو من هاتفها “الأمر في غاية البساطة بالنسبة إلى الشباب، لكن الكبار في السنّ لم يشهدوا مثيلا لهذه التكنولوجيا في ما مضى. وهم كانوا أصلا يواجهون صعوبات في استخدام الهواتف المحمولة”. اعتمدت كوريا الجنوبية نهجا فعّالا جدّا للتصدّي للوباء، غير أنها تواجه منذ فترة ازديادا في بؤر التفشّي. وكان رئيس الوكالة الكورية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، يونغ أون-كييونغ، قد قال إن “تشو سوك يشكّل أكبر خطر في النصف الثاني من العام”. وبغية ثني الناس عن التنقّل بين المناطق، خُفّض عدد تذاكر القطارات المطروحة للبيع إلى النصف خلال عطلة “تشو سوك” ومن المقرّر إبقاء بعض المقابر مغلقة. وقد تشكّل هذه الظروف الاستثنائية مصدر ارتياح للبعض. فعيد الحصاد يزيد من العبء الملقى على عاتق الزوجات اللواتي ينبغي عليهنّ الطبخ والتنظيف لأفراد العائلة كافة. وفي الأحوال العادية، تبدأ كيم سون-جو بترتيب البيت قبل شهر من العيد. وهي تقول “أكون أحيانا متوتّرة بسبب وجبات الطعام التي ينبغي تحضيرها. وإن العيد سيكون أكثر هدوءا من هذه الناحية”. وأهمّ محطّات عيد الحصاد هي التقدمات التي توضع على قبور الأجداد، ما يفترض تنظيف الأضرحة مسبقا. ومن الطقوس المهمة في عيد الحصاد زيارة قبور الأجداد، وإظهار الاحترام لهم، والاعتراف بفضلهم وشكرهم على ما تعلموه منهم، ويرافق الآباء في الزيارة أبناءهم وباقي أفراد العائلة، ويجب عليهم تنظيف مقابر الأجداد والتخلص من الأعشاب الزائدة والضارة حولها، ومن لم يفعل ذلك ينظر إليه على أنه “عاق”. وبسبب القيود المفروضة هذه السنة، سيتعذّر على عائلات كثيرة زيارة القبور، ما يخدم بدوره مصالح شركات صيانة المقابر. وكان اتحاد التعاونيات الحرجية الوطنية قد سجّل حتّى تاريخ 15 سبتمبر ارتفاعا بنسبة 23 في المئة في الطلبيات من هذا النوع، نسبة إلى العام 2019 برمتّه. ونتيجة هذا الارتفاع، لن تنظّف بعض القبور سوى بعد العيد. ويؤكد كيم يون-راي الذي يعمل في صيانة المقابر في مدينة باجو (شمال) هذا الازدياد في الطلب موازاة بالأعوام السابقة. وهو يتحمّل هذا العبء الإضافي “بسعادة وحماسة”، قائلا “أقوم بعملي كما لو كانت مقابر أجدادي”.
مشاركة :