تجددت الألوان على جدران المنطقة القديمة في مدينة أصيلة المغربية، بعدما أنجز فنانون مغاربة وآخرون قادمون من أربع جهات الأرض أعمالهم الفنية، بتوقيت متزامن مع بدء موسمها الثقافي الدولي في شهر يوليو من كل عام. وكان هؤلاء الفنانون قد اعتادوا على الانطلاق كل صباح، وفور انتهاء أيام شهر رمضان المبارك، إلى الأزقة العتيقة، ليغوصوا في أعماق أفكارهم وألوانها الأولى على جدارياتهم التي ستشهدها عيون المارة وهي تكتمل فصولها يوماً بعد يوم، على أن العابرين بعد اكتمال تشكيلية اللوحة واستقرار عناصرها، سيتذكرون تفاصيلها الأولى التي خطها الرسام وهو يتأمل بهدوء لوحته، قبل أن تتشكل في ذهنه أجزاؤها كاملة. ولا يحتاج الرسام في أصيلة إلى عُزلة، كما جرت العادة منذ قرون، بل إن رسامي الجداريات في المدينة، يتقاسمون تفاصيل لوحاتهم ويتأملونها وهي تتجلى على جدران الحي أو البيت أو الأزقة، على مرأى من الجميع، فتصير اللوحة مُشتركاً إبداعياً بين الفنان وجمهور واسع من أهل المدينة وزائريها. تقليد إبداعي تعود فكرة الجداريات إلى العام 1978، مع الدورة الأولى لموسم أصيلة، حين قرر المنظمون توفير معدات وأدوات لفنانين تشكيليين، يتولون مهمة تزيين المدينة، ولظروف مادية، ظلت ورش الجداريات مقتصرة على الفنانين المغاربة، قبل أن يلتحق بهم فنانون قدموا من مختلف قارات العالم للمشاركة في جدارياتها، ومع المواسم المتتالية سيتولد عن جداريات أصيلة أول مشغل للفنون الحفرية في المغرب. والجداريات المرافقة للموسم منذ انطلاقه قبل 37 عاماً، غدت تقليداً إبداعياً تغلغل في وجدان سكانها، وأضفى على المدينة التاريخية التي يعود تاريخ بنائها إلى 15 قرناً قبل الميلاد، مشهداً جمالياً فريداً يتناغم مع بيوتها وأزقتها المقامة بروح أندلسية موريسكية فائضة. ويوقّع كل فنان في أصيلة لوحته، ليضاف اسمه إلى سجل المُبدعين الذين عبروا المدينة وتركوا فيها بصماتهم، فهذا المعرض في الهواء الطلق، يتجدد باستمرار، لتتألق معه روح المدينة ورونقها، بعد أن يعيش أهلها سنة كاملة مع رسوم تزين أحياءهم، يألفون التمعن في تفاصيلها كل صباح، ويمنحون أيضاً في عام آخر إلى مُبدع آخر قادم من بلاد بعيدة، فسحة للرسم على الجدار ذاته، تبعاً لتصوره الخاص ولإحساسه بجماليات هذه المدينة. الغائب الحاضر في أحد دروب مدينة أصيلة، التقينا محمد العنزاوي الفنان التشكيلي المغربي ومنسق الورشات الفنية المبرمجة في الدورة 37 لموسم أصيلة، وهو يتفقد الجداريات المنجزة، وبادرنا بالقول: الجداريات لها دور تربوي فني يساهم في النهوض بالسياحة الثقافية لمدينة أصيلة، وهناك 14 جدارية في هذا الموسم يتم تجديدها كل سنة باستثناء جداريات كبار الفنانين او تلك التي نالت الصدى الاوسع. وأشار إلى أن الجداريات في المواسم كافة يُحرص على تصويرها، لجمعها في كتاب كبير خاص بمدينة أصيلة ليكون إرثاً فنياً للأجيال القادمة. محاكاة يابانية في زقاق آخر، كانت الفنانة اليابانية ميزوي ساوانو تتسلق سلّماً لتضع اللمسات الأخيرة، بخلطات من الألوان لتكتمل أمام العيون لوحة جدارية تحاكي طبيعة هذه المدينة الصغيرة بسمائها وبحرها ونورسها. ساوانو التي قدمت إلى المغرب، لتضع بصماتها على مشاركة أخرى بمدينة أصيلة في هذا الفضاء الفني المفتوح منذ 37 سنة، ليست سوى واحدة من بين 12 فناناً تشكيلياً من المغرب وبلدان عدة، كلهم سابقوا الزمن لتزيين أصيلة في مستهل عرسها السنوي، وليكرموا أيضاً في هذه الدورة، فريد بلكاهية، مستحضرين رؤاه الإنسانية. المدينة الملهمة ومن أبناء المغرب، برز الفنان عبد العزيز أوصالح من مدينة أغادير، في مشاركته الأولى بإنجازه جداريتين؛ الأولى اعتمد فيها التجريد مستخدماً تقنياته الخاصة وميولاته غير المألوفة في مزج الألوان، والثانية تحاكي روح الفنان الراحل بلكاهية تعبيراً عن تقديره عطاءاته الرائدة ومسيرته في دعم الفن والفنانين. يقول أوصالح عن تجربته الفنية الأولى في الموسم: أصيلة لا تزال المدينة الملهمة لجميع الفنانين الكبار، وتواجدي فيها يتيح لي الفرصة للتعرف عليهم، وتبادل التجارب الفنية معهم. سيرة رائد يعد الفنان التشكيلي الراحل فريد بلكاهية، الذي توفي في سبتمبر 2014، من رواد الحداثة البصرية في المغرب.وتحتفي خيمة الإبداع المبرمجة ضمن فعاليات دورة هذه السنة لموسم أصيلة الثقافي، بمكانة الفنان الراحل، بينما يزخر فضاء مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية في أصيلة، بالعديد من أعماله الفنية.
مشاركة :