بدأتُ أتقصى أحوال حرب المخدرات في المكسيك في 2005. فبين عام 2000 و2006، سقط 9 آلاف شخص ضحية أعمال عنف وثيقة الارتباط بالمخدرات. وعلى خلاف ما يحسب كثر، لم تبدأ الحرب بين كارتيلات المخدرات في 2006 و2012، بل في 2003 حين سعت عصابة سينالووا إلى السيطرة على مدينة نويفو لاريدو الواقعة في حبال كارتيل الخليج. وفي 2005، كان العنف يعم المكسيك. وقبل صدور كتابي «أسياد المخدرات» في 2010، درجت الرواية الرسمية على زعم أن الحكومة تحارب كارتيلات المخدرات وتسعى إلى إرساء السلام في المكسيك. ولكنني أمطت اللثام عن علاقات عدد كبير من المسؤولين في حكومة الرئيس فيليبي كالديرون بعصابات المخدرات، وحماية هؤلاء لكارتيل سينالووا وتوسل قوة الدولة لمحاربة أعداء حلفائهم من أمراء المخدرات. ولم يسجن أي من المسؤولين الضالعين في تجارة المخدرات. فكفة الإفلات من العقاب ترجح على كفة المحاسبة في المكسيك. ولكن الناس أدركت دور هؤلاء السياسيين الإجرامي، فخسر حزب كالديرون في الانتخابات الأخيرة في 2012. وبين كانون الثاني (يناير) وتموز (يوليو) من العام الحالي، قتل 10 آلاف شخص في النزاع بين الكارتيلات. وخلف كالديرون وراءه مؤسسات هشة وبالغة الضعف التفت حولها أذرع الكارتيلات وطوقتها واخترقتها. ولم يتسن للرئيس الجديد انريكي بينا نيتو «تنظيف» المؤسسات من المتعاملين مع عصابات المخدرات. ولسان حال الرئيس الكلام عن «استراتيجيته»، ولكن مضمونها يخفى على المكسيكيين. واخترقت عصابات المخدرات الأحزاب المكسيكية كلها. وهي تمول حملات شطر راجح من النواب الانتخابية. ولن يتغير النظام في المكسيك من تلقاء نفسه. وأعتقد أن الحركات الاجتماعية هي القادرة على التغيير. وتعود علاقات جهاز الاستخبارات الأميركي، «سي آي أي»، بعصابات المخدرات المكسيكية إلى قضية إيران كونترا. فالاستخبارات الأميركية ساعدت بابلو إيسكوبار غافيريا الكولومبي على نسج علاقات بعصابات المخدرات المكسيكية. وهذه العلاقات غيرت جغرافية عصابات المخدرات في المكسيك عن بكرة أبيها. وجنت هذه عائدات الكوكايين وعززت نفوذها، ووسعها إملاء شروطها على الحكومة المكسيكية ورشوة المسؤولين. وتفاصيل هذه المعلومات منشورة في تقرير لجنة كيري على الإنترنت. وترجمة كتابي إلى الإنكليزية مهمة. فمطالعته قد تحمل مستهلكي المخدرات غير المشروعة على إدراك أثر أموالهم في المكسيكيين. فحين يشتري المرء حفنة كوكايين في نيويورك أو باريس أو لندن، يمول عصابات المخدرات لشراء السلاح واستمالة المسؤولين وقتل الناس. فالمخدرات ليست مشكلة محلية بل مشكلة عالمية. وهذه العصابات لا تروج للمخدرات فحسب، بل هي تدير شبكات البغاء ومواقع صور الأطفال الإباحية. * صحافية، صاحبة «أسياد المخدرات المكسيكية وعرابوها»، عن «ديسنت» الأميركية، 30/9/2013، إعداد منال نحاس
مشاركة :