في مطلع الألفية الثالثة بدأت الدراما التركية في التمدد الإقليمي ومحاولة صناعة علاقة وطيدة مع المشاهد العربي خصوصا من خلال مجموعة من المنتجات الدرامية الموجهة لمخاطبة وجدان الشريحة الأكبر من الشعوب العربية التي تشير معدلات أعمار مواطنيها إلى تصدر فئة الشباب لقوائمها العمرية، وخلال فترة وجيزة نجحت تلك المنتجات في صناعة مزيج من الخطاب العاطفي والبطولي المتكئ على توظيف مجموعة من المواقف الاجتماعية والسياسية والقيم الإنسانية في حبكتها الدرامية؛ لتشكل منتجا فلميا متقنا، يلقى رواجا إقليميا واسعا؛ نظير تظافر محتواها المثير والصنعة الفنية المحترفة في جذب المشاهدين، إلى جانب الترويج الدعائي الواسع. ومع وصول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى سدة الحكم في بلاده، بدأت مساعيه الحثيثة في توظيف نجاحات الدراما التركية لصالح أحلامه التوسعية في استعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية الآفلة، وظهر ذلك جليا من خلال مواقفه وتعليقاته على المسلسل الشهير قيامة أرطغرل الذي يعرض مقدمات ودوافع تأسيس الدولة العثمانية من خلال عرض سيرة حياة الغازي أرطغرل بن سليمان شاه، والد عثمان الأول مؤسس الدولة العثمانية. حيث جرى تقديم المسلسل في 150 حلقة، مقسمة على خمسة مواسم، وتمت دبلجته إلى لغات مختلفة، أبرزها العربية والإنجليزية والأردية. اهتمام أردوغان بمسلسل قيامة أرطغرل تجاوز حدود المجاملة والاحتفاء الشخصي، الذي تكرر في مناسبات عديدة جمعته بأبطال المسلسل ومنتجيه، بالإضافة إلى ضمهم إلى وفوده الدبلوماسية بعد أن بات المسلسل محورا رئيسا في الأجندة الرسمية لحكومة العدالة والتنمية، يحضر بتمظهرات متعددة في اتصالاتها وزياراتها ومختلف علاقاتها الرسمية، كمؤثر وممثل لقواها الناعمة. ويأتي بجانب "قيامة أرطغرل" كل من مسلسل كوت العمارة الذي يعرض أدوار الجنود العثمانيين في معركة حصار الكوت الشهيرة بين البريطانيين والعثمانيين في مدينة الكوت (محافظة واسط) جنوبي بغداد خلال الحرب العالمية الأولى؛ حيث يدور المسلسل حول شخصية "محمد" الذي يرمز لأحد أفراد الجيش العثماني، ويركز المسلسل على الإثارة والحركة وإثارة العاطفة العميقة نحو الدولة العثمانية. بالإضافة إلى المسلسل التاريخي السلطان عبدالحميد الذي يتناول عهد آخر السلاطين الفعليين في الدولة العثمانية، ويحاول تقديم صورة دعائية لما يواجهه من دسائس ومكائد من أعداء سلطنته البائدة. وتحظى كل تلك النوعية من المسلسلات التاريخية برعاية كاملة من لدن أردوغان الذي يعول كثيرا عليها في صناعة قابلية جماهيرية لأحلامه التوسعية، من خلال محاولة تكريس تقاليد ومظاهر العظمة والأبهة للأتراك، والسعي إلى التأثير على الذاكرة العربية التي تحتفظ للعثمانيين بمشاعر العداء والكراهية؛ نتيجة لما عانته من ظلم وجور السلاطين الأتراك أثناء حكمهم للعالم العربي.
مشاركة :