"أحلام الملائكة" .. وثيقة اجتماعية ومشروع مسلسل درامي ناجح

  • 5/7/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يقدم لنا الأديب صلاح شعير رواية "أحلام الملائكة" والصادرة عن دار الجندي بالقاهرة، وهي رواية واقعية اجتماعية؛ تصور وتجسد لنا الريف المصري. سار بها المؤلف على درب من سبقوه ابتداء من الراحل د. محمد حسين هيكل في روايته "زينب" – وإن كانت هناك محاولات للرواية قبلها – مروراً بالرعيل الأول ومن جاء بعده كـ "طه حسين" في "دعاء الكروان"، و"يحي حقي" في "صح النوم"، و"توفيق الحكيم" في "يوميات نائب في الأرياف"، و"محمد عبدالحليم عبدالله" في "شجرة اللبلاب"، و"عبدالرحمن الشرقاوي" في "الأرض"، و"يوسف ادريس" في "الحرام"، و"خيري شلبي" في "الوتد" وغيرها، و"سليمان فياض" في "أصوات"، و"يوسف القعيد" في روايته "وجع البعاد". خلاصة القول إن "صلاح شعير" يكتب ويسير على نهج عظماء الأدب الروائي بامتياز، وبخصوصية تعكس شخصية وملامح الكاتب الصاعد، والذي تتأكد ملامحه مع كل عمل جديد. • مشروع مسلسل تلفزيوني ناجح يتسم بناء رواية "أحلام الملائكة" بأنه بناء روائي متكامل، وقد استطاع المؤلف ببراعة زرع فكرته زرعًا في المتلقي مهما كان مستوى ثقافته، وهذا النص على وجه التحديد يمتلك مقومات الدراما التلفزيونية، ومؤهل لأن يصبح مسلسلا فنيا ناجحا باميتاز، لأنه يحتوي على عناصر متعددة، وشخصيات نابضة بالحياة، ومضمون غاية في الأهمية، ولو طالعه أي منتج أو مخرج كبير لن يتردد في تحويله إلى مسلسل تلفزيوني، فالورق في الرواية يكاد أن تسمع له صوتًا. • الواقعية في "أحلام الملائكة" تثبت رواية "أحلام الملائكة" أن تيار الرواية الاجتماعية والواقعية قائم وبقوة، فالكاتب قد استغل قدرته العالية ومخزونه المعرفي البيئي ليرسم صورة فائقة الحساسية لواقع الحياة بالريف المصري في مرحلة زمنية من عمر الوطن، تحديداً بعد عام 1967 أي بعد اندلاع أحداث يوليو/تموز 1952 بما يزيد على عقد من الزمان والتي غابت على إثرها شمس الملكية وشروق شمس الجمهورية وما تلا ذلك من آثار اجتماعية واقتصادية غير من نسيج المجتمع المصري لا شك في ذلك. تمتد أحداث الرواية حتى حاضرنا الحالي وهو زمن الرواية، وتكشف الأحداث أن مشاكل الفلاح المصري ظلت كما هي، ومازال يعاني من الجهل والتجاهل والتخلف والمرض والفقر وهي أمراض كفيلة بهدم القيم والعادات والتقاليد وانحلال الأخلاق في المجتمع. كما تكشف لنا الرواية صراع الإنسان مع الطبيعة ومحاولاته الحثيثة في ترويضها والتغلب عليها، وذلك بإزاحة اللثام عن النفس البشرية وانفعالاتها وتعريتها لتلقي هذه الأنفس ما في الأعماق من طباع وسمات وسلوك بشري سواء كانت هذه الطباع سلبية أو إيجابية. ترصد "أحلام الملائكة" أيضا القيمة المبدعة التي تمتع بها الفلاح المصري على مر العصور، وهي القدرة الفائقة على تدوير الموجودات والمخلفات والاستفادة منها بأقصى درجة، وقدرته على ترشيد الاستهلاك، وعدم الإسراف، حيث إن القرية المصرية بالماضي كانت تشتهر بأنها قرية منتجة للغذاء من لحوم بيضاء وحمراء وبيض، ومنتجات ألبان من سمن وجبن، وحتى العسل بنوعيه الأبيض والأسود، علاوة على كونها سلة غذاء المدينة، بيد أن الواقع المرير يؤكد أن القرية المصرية قد تحولت بفعل فاعل إلى قرية مستهلكة، ومن المؤسف أن أنشطة الجمعيات التعاونية الزراعية بالقرى والتي أُنشئت لخدمة الزراعة في المقام الأول تحولت إلى متجر لبيع السلع الاستهلاكية للفلاحين. في لمحة ذكية وبصوت هادئ يتمكن الكاتب من خلال أداة السرد الروائي أن يقول إن من لا ينتج غذاءه؛ يخسر نفسه ويهزم وطنه ويهدم كيانه. • محاربة الفقر والجهل والمرض تؤكد الرواية على ضرورة العلم ومدى أهميته، فالمعارف المتنوعة هي السلاح الذي يمكن أن نحارب به الجهل والتخلف والعادات والتقاليد البالية، وبالعلم أيضا يتم القضاء على المرض، من خلال التوعية من ناحية، ومن ناحية أخرى بإعداد الأطباء والكوادر المخلصة. يجب أن تكون قوى الخير دائما مستعدة لأنها على شفا حرب مستمرة مع الشر، فأدوات المجرمين في نشر الفوضى والشائعات المغرضة متعددة ومتجددة، ومن خلال السرد داخل الرواية نجد أن الأطباء - وبتخطيط من أصحاب المصالح والتي يدعمها الطبيب "سمير" - أطلقوا الشائعات التي حرضت الأهالي على حرق المستوصف الخيري، رغم أنه المركز الطبي الوحيد بالقرية الذي يعالجهم مجاناً، إلا أنهم ولجهلهم وتخلفهم استجابوا، ولم يستطيعوا أن يفرقوا بين الحقيقة والزيف، وأضروا بأنفسهم وبمن يخدمهم وانساقوا وراء من ينتفع من جهلهم. • التحذير من التغيير في سلوك الإنسان ترصد الرواية التغيير الحاصل في سلوك الإنسان ابن القرية الطيبة، فقد تغيرت أخلاقه وأصبحت الرشوة وسيلة من وسائل اكتساب الرزق الحرام، حدث ذلك بالتزامن مع تقلص المساحات الخضراء، لصالح الكتل الخرسانية، ولصالح جريمة الاعتداء على الرقعة الزراعية والعشوائية في كل مكان، وانتشرت رائحة العطن في الحواري نتيجة عدم دخول الشمس البيوت، بسبب فوضى الارتفاعات غير المناسبة عند البناء. كما رصدت الرواية وحذرت من خطورة تلوث مياه النهر على البشر في مصر بصفة عامة، فجريمة استخدام النيل وفروعه كمصرف للمجاري تعكس مدى التدهور في الوعي المجتمعي والإداري على حد سواء، فخطورة ذلك السلوك الأحمق جد خطيرة على صحة الإنسان والحيوان. • التأكيد على روح الإيثار تقدم لنا الرواية صورتين من قيم الإيثار التي تفرد بها الإنسان المصري في الريف حيث اشتهر بجوده وكرمه؛ تلك السمة العامة الغالبة التي تجعل عطاء المصري لا يتوقف رغم احتياجه وفقره. الصورة الأولى نرصدها في الإطار السردي في أول الرواية حين تكاتف الجميع لتغذية "غزلانة" التي أصابها الهزال في فترة الحمل جرّاء سوء التغذية، حتى تتعافى، وتغلبوا على فقرهم وعوزهم بأن قام "نور" باصطياد اليمام وتقديمه لها عوضاً عن ندرة اللحم، ويستكمل باقي الفلاحين من جيرانها الملحمة في توفير غذائها المطلوب حتى تتعافى وتشفى. الصورة الثانية التي تسجلها الرواية هي تكاتف أهل القرية مع الفلاح "شاكر" الذي نفقت جاموسته اليتيمة، والتي يتعيش منها فيحزن على نفوقها، ولكن بالتكافل بين الطيبين وتعاضدهم يتوحدون بهدف شراء جاموسة أخرى للعم "شاكر"، فمن يبيع بعض الغلال، ومن يبيع دجاجة يملكها، وهكذا حتى يكتمل ثمن الجاموسة ويدخلون بها عليه، فيدخل السرور على قلبه مرة أخرى. • التضامن في وقت الأزمات يحمل الفصل الأول نموذجًا من التضامن وقت الأزمات، وذلك عندما أصيبت "غزلانة" بعضة الثعبان، وتسممت وعند شعورها بالألم والوجع تستغيث بـ "نور" ابن "حافظ" والذي يجسد معاني الخير ويرمز له، فيبادر بسرعة لإنقاذها ولا يدخر جهدا، ويحملها على حماره ومعه بعض الفلاحين متجهين لطبيب القرية بالوحدة الصحية، هذا الموقف بما يحمل من الشهامة والمروءة والنجدة من نور، وتحمله المسئولية رغم حداثة سنه لن تقابله "غزلانة" مستقبلاً إلا بالنكران. • اللغة والأسلوب معلوم أن اللغة هي الأعمدة الحاملة التي ينهض عليها العمل الفني، أو يمكن أن نقول هي القالب أو الوعاء اللفظي الذي يصب فيه المبدع جملة ما يجول في خاطره من أفكار ليجسد رؤيته الإبداعية الفنية في شكل متناسق. واتفق النقاد إن لم يكن كلهم فأغلبهم على أنه من الضروري على المبدع أن يدرك أهمية حديث الشخصية في الرواية بشكل يلائم فكرها وثقافتها ومستوى تعليمها، وبيئتها وسلوكها في الحياة، وبعيدا عن قضية الفصحى والعامية، فنحن نجد أشخاصا في قمة الهرم المعرفي والثقافي وتتحدث العامية. إذا أن القضية الضروية هي قضية المحاكاة الحقيقية، والقدرة على نقل الشخصيات من الواقع إلى الورق، وهذا ما فعله بجدارة الكاتب في روايته "أحلام الملائكة"، فكل شخصية تتكلم بواقعية تنم عن طبيعتها، وتعكس مدى وحجم مدركات النفس لديها لا تنخفض. حتى شخصية "نور" البطل المحورى بالرواية، وارتفاع اللغة عند نور بالنسبة لحداثة سنه مقبول، لإمكانية وجود النوابغ، ونفهم ذلك من خلال السياق السردي للعمل فهو الأسطورة حامل لواء الخير والعدل والحق والإنصاف والصلاح. • تنوع الشخصيات تتناول الرواية العديد من الصور الشخصية والمهنية، فنجد شخصية الفلاح وشخصية الطبيب، وشخصية المحامي، وشخصية الموظف بالجمعية الزراعية، والداية، والبقال، والصياد، وشخصية البلطجي. ولكن نلاحظ من خلال الإطار السردي أن خطر الفعل الإجرامي على المجتمع يكون أشد ضراوة إذا خطط له، وارتكبه المتعلمون، وطبقة المثقفين، فالشخص المتعلم يفترض أن يضئ الطريق لغيره من البشر ويكون داعياً للخير وهادياً للرشد، أما مكمن الخطر فهو قدرة المتعلم على إخفاء الدليل، والوصول بالجريمة إلى درجة الكمال والتمام، ولولا أن إرادة الله شاءت نصرة الحق لما اكتشف العديد من الجرائم ولذهب أبرياء ضحايا جرائم لم يرتكبوها. ومثال ذلك بالرواية الطبيب "سمير" ومعه أطباء القرية يشاركهم "أشرف زهدي المحامي" فإذا كان الجهل والفقر سبب تحول (غزلانه، صقر، شمروخ ، وأبوشنب) إلى الجريمة، فإن الجشع والغيرة كانا محرك "شاهين الوزان" نحو الغدر من أجل الاحتفاظ بكرسي العمودية، كانت جرائم كل هؤلاء تمثل تحالف قوى الشر ضد الخير. • التناص مع شخصيات التراث العربي: وشخصية "نور" ذلك النابغة فيها تناص مع التاريخ العربي، ففي زمن الدولة الأموية دخل على "عمر بن عبدالعزيز" - رضي الله عنه- في أول خلافته وفود المهنئين من كل جهة٬ فتقدم من وفد الحجازيين للكلام غلام صغير لم تبلغ سنه إحدى عشرة سنة. فقال له عمر: ارجع أنت وليتقدم من هو أسن منك. فقال الغلام: أيد الله أمير المؤمنين. المرء بأصغريه قلبه ولسانه٬ فإذا منح الله العبد لسانًا لافظاً، وقلبًا حافظًا، فقد استحق الكلام٬ ولو أن الأمر يا أمير المؤمنين بالسن لكان في الأمة من هو أحق منك. وهذا النابغة الذي قارع أمير المؤمنين، تكاد أن تقترب منه شخصية الفتى "نور" بطل الرواية. • الأسلوب الأدبي وضوح الفكرة وصدقها والإيمان بها في ذهن الأديب "صلاح شعير" كان له أبلغ الأثر علي جودة الكتابة، فجاءت الكتابة متميزة من حيث الأسلوب، غاية في الدقة، والوضوح بعيدة عن الغموض والتراكيب المبهمة، حتى عندما استعمل الرمز كوسيلة فنية من تكنيكات الكتابة الروائية كان المراد والمبتغى من وراء الرمز مفهوم وهو ما يؤكد قدرة الكاتب على الابتداع الروائي. كما استخدم المحسنات البلاغية في محلها داخل الإطار السردي، ويظهر هذا بجلاء في القطع الوصفية فينتقل من التشبيه إلى الجناس والتضاد لم يسرف كثيرا في السجع، وهذا يحسب له. استعمل الإطناب في محله، فجاء خادماً للعمل الروائي ويمكن أن نعلل ذلك بأن الكاتب كان غرضه التوضيح، ومزيدا من البيان للفكرة التي يرغب التعبير عنها. لم يرصد للكاتب في العمل ثمة مفردة أو لفظة غريبة على سمع القارئ، بل نجد أن مفرداتها ومعانيها قد جاءت معبرة وواضحة، وكما سلف القول جاءت مفردات الرواية تعبر عن أغوار النفس البشرية. ونكتفي بمثال على استخدام التشبيه في صورة رائعة فيقول "يكتم العمدة عطوان المر غيظه والجنون يضرب رأسه عندما يرى قوة التحمل لديهم فهذا (بشندي) يمشي على الأرض الملتهبة بحرارة الشمس وقت الظهيرة حافي القدمين دون ألم أو معاناة، البشر في القرية قد توحدوا مع الطبيعة فمنهم من هو صديق للشمس، ومنهم من هو قاهر للبرد، ورغم أنهم مغموسون في الطين والتراب والشقاء؛ ترى في عيونهم الأمل كأنهم وقعوا معاهدة سلام مع الحياة القاسية". وفي صورة جميلة من صور المجاز يقول "لم تكن رائحة النشوة تسمح لغزلانة بأن تفكر في العواقب. لم تكن رائحة السمك التي تنبعث يومياً من منزل "محجوب" سوي وشاية بين شفاه النسوة حول شكوك تتأكد لدى البعض، والبعض الآخر يرفض الخوض فيها دون علم، الظنون والهمسات والاستعاذة بالله من شر مستتر قد يحل بالقرية، هل ستكرر حادثة زوجة "الحداد"؟ وفي صورة أخرى بيانية معبرة عن شدة الفقر، يقول: "كان البؤس قد تعاقد مع شرائح كثيرة داخل القرية، والعوز يضرب أكباد الجميع"، فتصوير الكاتب بشكل مجازى للبؤس بأنه شخصية طاغية متغلبة تتعاقد بعقد من عقود الإذعان مع فقراء القرية تعكس أسلوب الكاتب وقدرته العالية على التعبير السهل المشوق. والمدقق في أدب الكاتب "صلاح شعير" يكتشف في كل فقرة صورة بيانية بلاغية جميلة تحملها إلى القارئ لغة شاعرية ولفظة سهلة عذبة. كما أن اللغة في العمل الأدبي حسب تطور الشخصية، فجاء الحوار كله داخل العمل الروائي بالعامية المصرية، على عكس لغة السرد التي جاءت بالفصحى السهلة. • مضمون الفكرة والتناص مع الحضارة المصرية مرت أحداث الرواية بعدة أحداث جزئية كونت الإطار العام للفكرة، ورواية "أحلام الملائكة" تحمل في طياتها تجليات أسطورة "إيزيس وأوزوريس" (الاسطورة المصرية الفرعونية القديمة) التي جاءت أجزاء منها في متون الأهرام، ووردت بشكل أوسع في بردية "شيستربيتي" وهو المصدر الأكثر تفصيلاً، وتروي لنا الاسطورة كيف أن "ست" وهو الذي يمثل الشر والمعروف بشهوته الحيوانية وطيشه وجنونه وتصرفاته الوحشية، والذي ينكب على اغتراف الخمر ليل نهار لا يكاد يفيق من سكرها، كيف دبر لقتل أخيه "أوزوريس" الذي يمثل جانب الخير والحب والعطاء وفرق أشلاءه في الأقاليم، ولكن "إيزيس" استطاعت جمع أشلاءه وحبلت بحورس الذي يقوى ويشتد وينتصر لقوى الخير ويحارب عمه "ست" انتقاماً لمقتل أبيه "أوزوريس" ومحاربة الشر، وهذا المعنى يتضح في الرواية بطريقة غير مباشر في الصراع الدائر بين الخير والشر. كما أوضحت الرواية أهمية شجر التوت اقتصاديا وطبيًا، وكيف استخدم الفراعنة شجرة "الجميز" في صناعة "التوابيت"، وفي الطب الشعبي كان يتم التدواي بعصارتها، وأن المصريين كانوا مُسلحين بثقافة رصينة مفادها أن زراعة النباتات المثمرة على حافة الترع والطرق، وسيلة لتعظيم العائدين، ومن ثم قام السابقون باستغلال الطاقات المتاحة بطرق رشيدة، على عكس السائد حاليا حيث يتم تبديد الجهود في زراعات غير مثمرة، وعقيمة بالطرق، وبالمدن الجديدة، هذا التراجع يبدد الجهود. • الفقر والجهل بوابة الجريمة تتفق الرواية من حيث المضمون مع الإحصائيَّات العلميَّة التي تشير إلى أنَّ للفقر والبطالة آثارًا سيِّئة على الصحَّة النفسيَّة، وخاصَّة عند الأشخاص الذين يفتقدون الوازع الديني، ولذا اهتمَّ الباحثون بمشكلتي الفقر والبطالة، وحرصوا على علاجهما - قبل نشوئهما - بوسائل متعدِّدة حفاظًا على المجتمع من الأخطار التي قد تصيبه أخلاقيًّا وسلوكيًّا وعقائديًّا. وحسب الرواية عندما أوجع الفقر أمعاء "غزلانة" اتجهت نحو السرقة، ويهاجم رأسها حلم الرفاهية وبسبب تقاعس زوجها "محجوب" عن القيام بدوره في تأمين مطالب الأسرة فيضبطها "صقر" متلبسة بسرقة سمكه فتنهار، ومن خوفها تخضع لطلباته الدنيئة وتهوى في مستنقع الرذيلة، وعندما يكتشف "نور" الأمر مصادفة أثناء مروره؛ يقرر الآثمان التخلص منه دفعاً للفضيحة ويأتي قتله في أقوي مشهد درامي. • الصراع بين قوى الشر قوى الشر تأكل نفسها كما تأكل النار نفسها إن لم تجد ما تأكله، وتتطور الأحدث داخل الرواية، ويشتبك "صقر" مع "شمروخ" بسبب رغبة الأول في السيطرة على كل أسماك النهر، حتى لو أدى الأمر لقتله كما قتل "رشيد الفرماوى" من قبل، تحل عليهما لعنة الدم، وشؤم المعصية ويتقاتلان بضراوة، ويتبادلان إطلاق الأعيرة النارية على بعضهما البعض، ويسقطان مدرجين صرعي في دمائهما في النهر، ويتم القبض على "أبو شنب" ثالثهما، وتبدأ معه النيابة التحقيق، فتخشي "غزلانة" من افتضاح أمرها، فتقرر إقناع زوجها بمغادرة القرية إلى القاهرة بحثاً عن الرزق ولأن "غزلانة" شخصية تقبلت فكرة إرتكاب الجريمة ولم تشعر بوخز الضمير ومازالت تشعر بفوران ذل الجسد البض الذي تملكه، ويشتعل قلبها بالثورة والحنق علي زوجها ذلك المحجوب عن الفهم، فلا يعي الزوج أحلام زوجته، فتكشف لنا أحداث الرواية لاحقًا وبسرعة عن اقتحام "غزلانة" عالم المخدرات بمساعدة زوجها الذي يتحول إلى رجل أعمال بأموال تجارة المخدرات الحرام. • شهوة الانتقام تحرق القرية تقرر "غزلانة" الانتقام من الجميع من العمدة "عطوان المر" وتخطط للاستيلاء على السرايا، ذلك الحلم السابق الذي ظل يراودها طوال حياتها، بالعيش الرغيد داخل سرايا العمده بدلا من "عفت" زوجة العمدة، فتنسج خيوط فكرتها الشيطانية وتعد الخطة بمعونة "أشرف زهدى" المحامي، ويلتف على العمده ويحاصره بالمواد المخدرة حتى يدمنها ويبدأ بتبديد ثروته؛ ولتوفير الأموال لشراء المخدرات يبيع فدانا بعد فدان، وفي النهاية لا يجد العمده مفرا إلا بيع السرايا، وفي صباح يوم ما تفاجئ "غزلانة" أهل القرية بعودتها بشكل جديد وهيئة جديدة فقد أصبحت هانم. • التغيير بالصدمة يترتب علي قتل "نور" تطور في شخصية "شوكت" الذي يتلبس شخصية "نور" وتحل فيه روح المثابرة والجدية وحب الخير ورغبته في التفوق الدراسى ليحارب الفقر والجهل والتخلف وهزيمة الشر، أنه مصر على استكمال حلم صديقه لقريته التي يعشقها بوصفها وطنه الصغير. ذلك التحول الجذري الذي طرأ على شخصية "شوكت عطوان المر" صديق "نور" وخله، وحبيبه وتوأم روحه، والذي جاء موته ليصنع الأزمة المؤقتة "لشوكت"، ويدخله في حالة مرضية عضوية، ونفسية تجعله يهذي ولا يصدق موت صديقه قتلاً. لم يستوعب "شوكت" الأحداث إنما كان مستوعباً حلم نور جيداً، ذلك الحلم الذي طالما حدثه "نور" عنه بتفاصيله الدقيقة إنقاذ البسطاء من المرض، ويتحول "شوكت" من ذلك الفتى المدلل ابن العمده إلى ذلك الشاب المثابر المجتهد الذي يرغب في الحصول على شهادة الطب، فيسافر إلى لندن، ويجتهد، يستذكر دروسه، وينتقل من تفوق لتفوق، ويتعرف على صديقة دراسته "كاترينا" ابنة "البرت" ذلك الرجل اللندني العنصري الذي يعارض فكرة زواجها من عربي مسلم، بعنصرية مقيتة يصارع الفتى "شوكت" الذي أصبح من ألمع جراحي الطب في لندن. وفي النهاية ينجح الفتى الحالم بالزواج من "كاترينا" وينجب منها "نور" و"نبيل"، يقرر الرجوع إلى وطنه لتحقيق حلم صديقه "نور" والوقوف بجانب أهالي القرية، فيكتشف ما حدث لوالده العمده فيقرر محاربة الشر الذي يتمثل في "غزلانة" ومن يساعدها ليخلص القرية من شرها. • البكاء على رحيل البطل يحدثنا صاحب الإنشاء "أبو العباس القلقشندى" في كتابه "صبح الأعشى" عن ضرورة اتساع خيال الأديب ليكون محيطا بفنون التعبير وأساليب الكلام لتطابق المشاعر في مختلف الأحوال من الفرح والحزن وغيرها، فيقول عن الأديب: "حتى أنه يحتاج إلى معرفة ما تقوله النادبة من النساء في المآتم والجنازات؛ وما تقوله الماشطة عند جلوة العروس؛ وما يقوله المنادي في السوق علي سلعته؛ فما ظنك بما فوق هذا وذاك" وكلام "القلقشندى" ينقلنا الى المشهد الدرامي العبقري المبكي الذي صوره بالألفاظ الأديب "صلاح شعير"، وبحساسية مفرطة (حين تندب "فوزية" ولدها "نور" المقتول) فيقول الكاتب على لسان الأم "فوزيه" وهي تخاطب ولدها وهو فوق النعش كي يُدفن: "نور يا ولدي أنا جبت لك العجلة عشان تروح بيها المدرسة قوم يا حبيبي عشان تشوف عجلتك، ما حدش هيركبها غيرك، ح ترتاح من المشوار الطويل يا ولدي وح تروح المدرسة راكب. نور يا ولدي، نور يا ضناي، يا بن بطني، بص على عجلتك أهي جبتهالك جديدة سامعني؟ يا ولدي أنزل من الخشبة؟ قولي يا ضناي مين ركبك النعش ده؟ لسه بدري عليك. طيب أنزل وأنا أطلع مكانك." • ختام الرواية بلحظة التنوير تنتهي رواية "أحلام الملائكة" بقتل "شوكت" و"كاترينا" على يد "عماد الأدهم"، بعد التحريض من قبل قوى الشر بالقرية، فتنفجر مشاعر الغضب لدى الأب "عطوان" وولدي "شوكت" "نور" و"نبيل" و"حمدي سويلم" وغيرهم، ثم يسرد الكاتب مطلقاً العنان لكل شخصية تعبر عن نفسها في مناجاة منفردة، فمناجاة "حمدي سويلم" كمثال على رثاء "شوكت" و"كاترينا": - حمدي: " آه يا بلد مجروحة. يا بلد مقهورة. يا بلد مريضة ومنهوبه آه آه. مش ممكن حالنا يتغير أو بلدنا يتقدم وفيها عقارب بتبخ السم فينا..." إلا أن السطور الحالمة للختام تبعث فينا الأمل، فنجد جحافل الضوء تشق الظلام بالصدور، توضأت القلوب بالبصيرة، حلقت الأرواح فوق الأماني تبتغي الماء الزلال؛ لتغسل ما ران على الأفئدة بالنور. وهكذا يبعث فينا الكاتب الأمل رغم قسوة الواقع المرير.

مشاركة :