ميونخ (ألمانيا) – فجأة تقطعت السبل باللوحات وقطع النحت وغيرها من الأعمال الفنية، وظلت محبوسة في المتاحف وقاعات عرض الفنون في مناطق مختلفة من العالم بسبب جائحة كورونا، وكثير من مواقع هذه القطع الفنية تبعد كثيرا عن المؤسسات التي تمتلكها. وأدت أوامر الإغلاق الاحترازية لمنع انتشار العدوى التي أعلنت في مارس 2020، إلى أن تصبح المتاحف وقاعات العرض الفنية مهجورة، وإلى عدم القدرة على إعادة القطع الفنية التي أخذت على سبيل الاستعارة المؤقتة، وهي شديدة التنوع ما بين الرسومات الدينية في عصر النهضة، إلى الخيام والمضارب العثمانية ذات الطابع التاريخي. وليس في وسع مديري المتاحف أن يفككوا المعروضات، حتى على الرغم من أن بعض الأعمال الفنية المعروضة، تحتاج الجهات المالكة لها لاستعادتها بشكل عاجل. وأدى الإغلاق ووضع قيود على السفر في جميع أنحاء العالم إلى جعل عملية شحن القطع الفنية مستحيلة، والتي هي أصلا عملية معقدة وباهظة التكلفة. ويقول إيكارت كوينه رئيس رابطة المتاحف الألمانية ببرلين، إن “الأعمال الفنية التي تمت إعارتها ظلت في الأماكن التي ذهبت إليها لفترة أطول بكثير مما كان مخططا له، ويمثل ذلك مشكلة لكثير من المؤسسات”. ومن بين الأعمال التي تقطعت بها السبل لوحة “مادونا أوف بينكس” للفنان الإيطالي رافاييل، والتي أرسلتها “القاعة الوطنية للفنون” بلندن إلى متحف “غريمالدي غاليري” ببرلين، للاحتفال بذكرى مرور خمسة قرون على مولد الرسام رافاييل، وتحت إجراءات أمنية صارمة. وكان من المقرر أن يستمر المعرض من مايو حتى يونيو الماضي، غير أنه لم يعد في الإمكان إعادة القطع الفنية إلى لندن كما هو مخطط له، وذلك على حد قول متحدث باسم رابطة متاحف برلين. ولحسن الحظ، وافقت المؤسستان على مد فترة الإعارة. ووجدت متاحف كثيرة أخرى نفسها في أوضاع مماثلة، وغالبا ما كانت تتخذ ذات القرارات ومن بين أسباب ذلك الدواعي الأمنية. ويوضح كوينه أن “المخاطر الرئيسية بالنسبة للأعمال الفنية تأتي أثناء فترة النقل أو التركيب أو التفكيك، وبمجرد وضع القطع داخل نوافذ العرض أو تعليقها على الجدران، يتوفر مستوى أعلى من الأمان”. ومع ذلك نجد أنه في ولاية بافاريا، وضعت قاعة “مجموعات اللوحات بالولاية،” عدة أعمال فنية مستعارة في حالة تخزين مؤقت لمدة عام. وكانت القاعة تخطط أصلا لعرض أعمال الفنان الهولندي من القرن السابع عشر جاكوبوس فريل في أكتوبر المقبل، غير أنها قررت تأجيل المعرض. ومع ذلك وصل كثير من أعمال الفنان فريل إلى ميونخ، من أجل الدراسة بمعهد الترميم والأبحاث الملحق بقاعة العرض. وهذا الوضع أدى إلى إضافة مزيد من التكاليف بما في ذلك رسوم التأمين، وفقا لما قاله متحدث باسم القاعة، كما أن تخزين الأعمال الفنية عملية مكلفة للغاية، حيث أن معظمها يتطلب تزويد المخازن بأجهزة خاصة لتكييف الهواء وبمستوى عال من التأمين. وهذه التكلفة الإضافية ليست باهظة، غير أن كل يورو يفقد يؤلم، حسب قول كوينه. كما احتفظت قاعات عرض الفنون أيضا على مضض بالأعمال الفنية القادمة من الخارج، ومن بينها قاعة “هاوس دير كونست” بميونخ، حيث يأمل المشرفون عليها في عودة الأوضاع الطبيعية بعد فترة من الاضطراب. وجاءت عملية الإغلاق بسبب الجائحة مع نهاية معرض عن الحياة الداخلية، يتضمن أعمالا للفنانة نيديكا أكيونيلي كروسبي من لوس أنجلس، وأعمال نحت للفنانة البرازيلية أدريانا فاريجاو. بينما يشير فرانك هاستر من الرابطة الألمانية للشحن والإمدادات اللوجستية، إلى أن تقليص عدد الرحلات الجوية يعني خفض حجم الشحن الجوي إلى النصف مقارنة بالأحوال المعتادة، كما يقول تقرير لقاعة “مجموعات اللوحات بولاية بافاريا” إن ذلك يعني أيضا حدوث “زيادة كبيرة في تكلفة النقل الجوي”. وقررت قاعة “هاوس دير كونست” تخزين هذه الأعمال الفنية بصفة مؤقتة، مع العمل على إعادتها بالتدريج إلى بلادها الأصلية مع رفع قيود السفر، ومع ذلك يقول فولفغانغ أورثماير المدير التجاري للقاعة إن أسعار الشحن الجوي ارتفعت بشكل يفوق التخيل، حيث زادت نفقات إعادة هذه القطع الفنية بنسبة 25 في المئة مما هو متوقع. وثبت أن شحن الأعمال ذات القيمة الثمينة صعب بشكل خاص بالنسبة للمؤسسات، حيث أنه يصاحب هذه الأعمال عادة مرافقون لا يتركونها تغيب عن أعينهم، ويظلون بجانبها أثناء عملية إخراجها وتعبئتها. ولم يعد باستطاعة هؤلاء المرافقين السفر بسبب الجائحة. ويقول المشرفون على قاعات العرض والمتاحف إنه لا يمكن الاستغناء عن أولئك المرافقين. وفي هذا الصدد يوضح هانز إيوالد شنايدر الذي يعمل لدى شركة لنقل الأعمال الفنية مقرها كولونيا، أن “القطع الفنية التي يسافر معها عادة مرافقون تتكلف كثيرا، مما يعني أن شركات التأمين تولي اهتماما كبيرا بأي عطب أو ضرر قد يحدث أثناء فترة الإعارة”. ولجأت شركته إلى وسيلة مبتكرة حيث عرضت عرض الأعمال الفنية مباشرة على مواقع الإنترنت كبديل لنقل المعروضات. والآن عادت لوحة “مادونا” للفنان رافاييل إلى مقرها في لندن، كما أن قاعة “هاوس دير كونست” أعادت الأعمال الفنية التي كانت معروضة فيها إلى موطنها. ومن ناحية أخرى، تجري المتاحف وقاعات العرض التي تخطط لإعارة أعمالها الفنية للعرض بالخارج العام المقبل، استعداداتها وتتساءل كيف ستنفذ إجراءات الإعارة والشحن.
مشاركة :