لا يمكن تقديم فوزية أبو خالد باعتبارها صوتا نسويا شعريا سعوديا، لقد أدركت منذ طفولتها أن السعودية وطن وله أبعاد وليس جزيرة معزولة، فتفاعلت مع القضايا العربية بدرجة تفاعلها مع الهم السياسي والاجتماعي المحلي نفسه، فصارت رمزا سعوديا مهموما بقضايا العرب، اسمها وظهورها التلفزيوني المتعدد بات يعني الكثير، فأنت أمام شخصية جديرة بالتقدير وصوت جدير بالاستماع، تمتلك عقلا متعدد الثقافات وقلبا ممتلئ بحكايات من دفتر العروبة والوحدة العربية، دفتر يقول إن الإنسانية فوق كل تصنيف أو انتماء أو اختلاف . ولا يمكن اعتبار تجربة الكاتبة فوزية أبو خالد وليدة طفولتها، فهي ليست فقط بنت نجد بل بنت القاهرة وبيروت وسوريا وكل العواصم العربية التي تفاعلت مع مشكلاتها وقضاياها، وهى أيضا ابنة لكل المبدعين التي تأثرت بأعمالهم مثل: سارتر، دي بوفوار، كولن ويلسن، وكامو، ومورافيا، وبيكيت، وأشعار لوركا، ونيرودا، وغسان كنفاني وآخرين، لذا تزخر تجربتها بالتعدد، فهي شاعرة وكاتبة وأكاديمية وباحثة سعودية في القضايا الاجتماعية والسياسية، ليس هذا فحسب، فهي شخصية متحدية أيضاً، وهي أحد الأصوات الشعرية المجددة، وتعد رائدة قصيدة النثر في السعودية، فقد كتبت النثر في وقت كان لا اعتراف بالنثر على الإطلاق، ولم تقتصر تجربتها على التجديد في روح الشعر بل لها إسهامات أدبية وعلمية وكتابات حقوقية، وهى خريجة الجامعة الأمريكية ببيروت، و حصلت على الدكتوراه في علم الاجتماع السياسي وعلم اجتماع المعرفة من جامعة سالفورد بالمملكة المتحدة عام 2000،كما عملت عضوا في هيئة التدريس بقسم الدراسات الاجتماعية بكلية الآداب بجامعة الملك سعود، بالإضافة إلى عملها مستشارة في الأمم المتحدة، كما قامت بالتدريس في جامعة بورتلاند الحكومية 2009 بالولايات المتحدة الأمريكية،كما عملت كعضو مؤسس لجمعيات أهلية ومجلات أدبية في العمل الثقافي والنسوي. لا يمكن بحال الفصل بين تجربة فوزية أبو خالد الحياتية وكتابتها الشعرية وانغماسها فى الهم العربي، هنالك خيط واحد يربط بين كل ما تكتبه وتقوله، فلقد اختارت الطريق الصعب،اختارت أن تدفع الثمن وتواجه كل التحديات،اختارت أن تكمل حلم أمها الشريفة نور الهاشمي، وتواجه ميراثاً من القهر وتنتصر للمرأة وحقوقها وتخرج عن النسق السائد، لتصدر أول دواوينها عام 1975 تحت عنوان “إلى متى يختطفونك ليلة العرس”، لتكون أول مواجهة شرسة معها في خانة الشعر، لتكمل بعد ذلك المسيرة في كتابة الرأي السياسي . في عام 2014 أصدرت الجزء الأول من كامل أعمالها الشعرية، المتمثلة في تسعة دواوين من قصيدة النثر، وقد تُرجم عدد من أعمالها الشعرية إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية، وحصلت على جائزة وزارة الثقافة والإعلام السعودية عام 2007، ونالت تكريمًا عربيًا من التجمع الشعري للشباب واتحاد الكتاب العرب عام 2010. قصيدة النساء لكل النساء : أيُّ فردوسٍ انسَلَّ منه النساء وسكبنَ السَّرابَ على.... سُبات السابلة؟ نُهرِّب ماءَ السماء في سواد المساء نُقطِّر شمساً نحاسيّةً على شحوبِ الصحراء نشكّ الأصابعَ بماسِ العسيب أيّ نعاسٍ يغالب صحوَ الصبايا؟ نستمطر القلبَ أشواقاً حييّةً ورحيقاً يفور نستمطر الوقتَ عمراً وصبراً جميلْ نستمطر الطرقاتِ.. وطناً لم تكتب فوزية أبو خالد فقط تلك الأبيات من قصيدتها النساء، بل كتبت عن كل النساء في كل وقت،ومن غيرها يكتب عن النساء وهى التي قرأت ألف ليلة وليلة وعمرها 9 سنوات، وكانت قارئة لكل أسرتها المحبة للعلم والثقافة، ولطالما تمنت أن تؤرخ لمعاناة المرأة وبعض مشاعرها وبعض بهجتها، فهي ترى أنها إنسان تفرح وتحزن، إنسان بكل معنى الكلمة تنتصر وتنهزم، وترى نفسها من تيار اصطدم بالصخور، لكنها لم تختفِ ولم تختنق، فقد قررت المقاومة بعقلها وجسدها، لتستكمل مسيرة الكبار من شعرائنا العرب، سافرت إلى بريطانيا للدراسة فيها لمدة 4 سنوات لكنها عادت محملة بروح المكان وحوار الحضارات، وعلى الرغم من إجماع دارسي الشعر السعودي على أن فوزية أبو خالد هي إحدى رائدات قصيدة النثر في المملكة العربية السعودية، وذلك بصدور ديوانها الأول “إلى متى يختطفونك ليلة العرس” في أوائل السبعينيات من القرن العشرين، تلك الريادة التي جعلت الأنظار تتجه نحوها باعتبارها شاعرة متمردة فيما تكتبه، وفي إصرارها المبكر على اختيارها لشكل فني، كان ولا يزال يثير الكثير من الجدل حوله. فقد ظلت تحافظ على الريادة شكلا ومضمونا على امتداد تجربتها الشعرية وغناها وتطورها من عمل إلى آخر، وهو ما ذكرته سلمى الخضراء الجيوسي في مقدمتها للأعمال الكاملة لفوزية وعنها تقول : “حالما تبدأ بقراءة أول دواوينها بعنوانه الاحتجاجي” إلى متى يختطفونك ليلة العرس “الذي فاجأ القارئ بروح صبية نادرة في تمردها، ومنه إلى دواوينها الأخيرة “شجن الجماد” و”تمرد عذري” و”ملمس الرائحة”، تواجه مثالاً على تحدي شاعرة غير هيابة، وعدم ترددها لدفع ثمن الانفتاح على التجديد”، وهكذا تجلى تمرد فوزية أبو خالد في اختيارها للمرأة وقضاياها كمحور مهيمن لموضوعات الكتابة لديها، لتقف مع إنسانية المرأة ضد الثقافة التي تهمش المرأة وتحاصرها، وتقزم دورها وأهميتها، ومن هنا تميزت - كما يقول جميع النقاد - “بتعميق حضور الكاتبة الأنثى المهتمة بعالم المرأة، بحيث لم يخل ديوان لها من هذا المحور، سواء كان ذلك عبر تناول قضاياها وهمومها، أو عبر حضور المفردات والتيمات التي تنتمي إلى عالم المرأة،مثل (لكن القبيلة تسكنك / تأمرك / تئد سمواتك وتنزل أحكامها بك)،وترتفع حدة الغنائية في نصوصها لتدافع عن المرأة وحقها في أن تكون وأن تحب وأن تختار طريقتها في التعبير عن ذلك فتقول: “وأنا أريدك صخب أحياء المنبوذين / والجياع والمغضوب عليهم / أريدك إرهاص النحل في شبكية عيني / لا قرصه العسلي” فوزية أبو خالد قررت أن تكون قريبة من الجمهور، ومن مجتمع القراء، لذلك كتبت في إحدى مقالاتها تحت عنوان “ لا حياد في حب ولا حرب ولا في كلمة شرف” تقول فوزية أبو خالد: “ لا تؤجل حلم اليوم إلى الغد، فلكل يوم جديد أحلامه الخاصة من أحلام الصحو والمنام أيضا.”، هكذا تعاملت مع الكتابة في كل وقت، فلم تتغافل عن أي شيء تريد قوله أو الإفصاح عنه،قررت أن تتشارك مع القراء في همومها وهمومهم، فقد كتبت يوما: لريثما يحررني الله لأحرر نفسي من شاغل طارئ طلع في طريقي دون سابق إنذار، سأقوم بمقاومته بنوع من اللعب الإبداعي إن صح التعبير. وكضرب من هذا اللعب سأعمد بين الحين والآخر إلى مشاركتكم بعضا من أوراق مفكرتي الذاتية، وهي في الأغلب رسائل جوال أو مطلات مسروقة من صفحتي الشخصية على الفيس بوك أو بعض إيميلات متبادلة بيني وبيني أحيانا أو بيني وبين الأصحاب. وهذه محاولة أولى, لنقل إنني أخوض فيها تجربة تسريب تلصصاتي على نفسي أو ويكليكس شخصي.” بالطبع لا تكفي هذه المساحة لسرد تجربة فوزية أبو خالد سواء الأكاديمية أو الشعرية أو الإنسانية، إنها حقا تجسيد لذاكرة من النضال والكفاح، المشترك أنها تملك قلبا تكتب وتتكلم به، وربما هو السر الذى يجعلها حاضرة في كل الأفئدة وصورتها حاضرة في المشهد الثقافي كعنوان مهم لحضور المرأة السعودية المثقفة التنويرية .
مشاركة :