د. محمد مبروك يكتب: صندوق عَدَويّ

  • 10/3/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

منذ أيامٍ اختارت الجمعية الطبية المصرية الدكتور عادل عدوي -وزير الصحة الأسبق- رئيسًا لها، ويأتي هذا الاختيار مع مرور مائة عام على إنشاء هذه الجمعية العريقة التي تُعتبر من أقدم الجمعيات الطبية في العالم  ويُعَد دكتور عادل عدي من أهم وزراء الصحة الذين تقلدوا هذا المنصب بعد يناير ٢٠١١ حيث يرتبط اسمُه بأحد أهم انجازات الإنسان المصري في العصر الحديث، فقد تصدى الدكتور عدوي لأحد أهم الملفات الصحية التي أثقلت كاهل الأمة المصرية في الأربعة عقود الأخيرة، حيث كان فيروس الالتهاب الكبدي الوبائي (سي) أهم التحديات التي تواجه المصريين على الإطلاق، ولست هنا للحديث على قصة نشأة وانتشار المرض وخطورته، وتأثيره على مزاج المصريين الصحي العام، والخسائر الاقتصادية المترتبة على تمكُنه من عدد كبير من المرضى في كل ربوع مصر، وإنما لإلقاء الضوء على لمحةٍ كان بطلها الوزير عادل عدوي آنذاك وقد كنتُ جزءًا من هذا الحدث...ففي خريف عام 2014 زارَني بمكتبي أحد مُصَنعي الأدوية لدى المصانع الكُبرى طالبًا تعاون الشركة التي أرأسها في تصنيع عقارٍ جديد لفيروس (سي)، لم يكن قد تم طرحه في الأسواق، وبالبحث عن هذا العقار تبين لي أنه بالفعل صيحة جديدة في علاج هذا المرض ويمكن من خلاله القضاء على المرض في وقت قياسي... لم أتردد في طلب مقابلة كبار المسؤولين عن تسجيل الأدوية في وزارة الصحة حينها للسماح للشركة التي أرأسها بالحصول على رخصة تصنيع هذا العقار هروبًا من الشروط المجحفة التي كان يريد مَن زارني للتعاون معه فرضها على مصنعنا باعتبار هذا الزائر قد حصل على موافقة لتسجيل وتصنيع هذا الدواء رغم عدم امتلاكه لهذه الإمكانية وحده...بالفعل التقيت كبار المسؤولين حينها وعرضت عليهم قُدْرة مصنعنا على تصنيع هذا العقار وطرحه في الأسواق بسرعة وبكميات تمكّننا من سرعة القضاء على المرض مع باقي الشركات المحلية المنتجة للعقار نفسه، ولكنني قوبلت باستغراب شديد منهم، بل وبعض السخرية كوني أحاول الحصول على رُخْصة تصنيع لهذا الدواء بعد نفاد عدد الرُخَص المسموح بها من العقار وهي اثني عشر رُخْصة فقط يتم الحصول عليها بأسبقية التقدم دون النظر الى قُدرة المتقدم على إمكانية التصنيع من عدمه! وهذا يسري على كل الأدوية، فيما يُعرف بنظام "البوكس" أو "صندوق المثائل"، فكيف لي وأنا رئيس شركة أدوية تعمل في السوق المصري أن أطلب هذا الطلب وقد صدر بشأنه (قرار وزاري)؟!عُدْت من اللقاء وليس في ذهني سوى صَدى كلمة (قرار وزاري)، اتصلت بصديقي الكاتب والطبيب المرموق "خالد منتصر"- وكان أحد المهتمين بهذا الملف حينها-  أتحدث معه عن أهمية الموضوع و(القرار الوزاري)، ففاجأني بعدها بعدة أيام - كعادته - بمقال في جريدة الوطن بعنوان "يا وزير الصحة فَكَّر خارج الصندوق وافتح البوكس"، ذاكرًا فيه ما دار بيننا من حوار حول نظام صندوق مثائل الأدوية "البوكس"، وقد كان الوزير عدوي ذكيًا يطالع ما يحدث حوله من أحداث تمس ملفات الصحة بدأب، فبمجرد اطلاعه على المقال، لم يتوانى في طلب مقابلتي ومناقشتي بصدر رحب في كل ما يتعلق بالموضوع...التقيت الوزير عادل عدوي، فوجدته شخصًا بسيطًا، متواضعًا، يتمتع بدماثة خُلُق لا مثيل لها، وذهن حاضر يمكنه الدخول في أدق التفاصيل، مع تفكير قيادي يعمل فقط في اتجاه واحد دون النظر إلى أي شيء سوى مصلحة وصحة الناس، وفي ذروة ما كان يُسمى بالأيادي المرتعشة حينها في اتخاذ القرارات من قِبَل المسؤولين، اتخذ الدكتور عادل عدوي أحد أهم القرارات الوزارية في وزارة الصحة في السنوات الأخيرة وهو قرار فتح (صندوق المثائل) لأدوية فيروس (سي) بعد اقتناعه بوجهة نظري في ذلك اللقاء، فمنذ ذلك الحين لم يَعُد هناك التزام بعدد رخص لعقارات فيروس (سي)، فكل مَنْ لديه القدرة على التصنيع، والالتزام بالشروط التي تم وضعها، يُمْنح رخصة تصنيع الدواء على الفور...وقد كان هذا القرار المُفتاح السحري الذي جعل كبرى شركات الأدوية المصرية تقوم بتصنيع هذا الدواء في ملحمة لابد أن يذكرها التاريخ يومًا ما مِن استطاعة مصر القضاء على فيروس (سي) في وقت قياسي بإرادة سياسية وعمل جاد في منظومة قادها الوزير عادل عدوي بجدارة مع اللجنة القومية للفيروسات وشركات الأدوية الوطنية.ومازال في صندوق عدوي الكثير ليعطيه للوطن من خبراته القيادية بالإضافة إلى مكانته العلمية التي يعرفها الجميع، فهنيئا للجمعية الطبية المصرية رئاسة هذا الرجل لها ليبدأ معها مئوية جديدة بطاقة عطاء لا تنتهي.

مشاركة :