تحقيق: محمد ياسين تعد جرائم الاختلاس والاستيلاء على المال العام من القضايا التي تتنوع بها السبل وتتعدد بها الوسائل سواء التقنية منها أو التقليدية، ويحاول الجاني استعمال كل مهاراته لاستغلال ضعاف النفوس ليصل إلى أهدافه واختلاس ما يمكنه اختلاسه من أموال الأبرياء دون وجه حق، أو استخدام أدوات وتقنيات إلكترونية حديثة لذات الهدف.المحاكم نظرت مؤخراً عدداً من القضايا التي استخدم بها المجرمون تقنيات حديثة للاستيلاء على أموال شركات ومؤسسات كبرى، حيث قام المتهمون بتأسيس شركات وهمية واختلاس ملايين الدراهم عبر استخدام العديد من الحيل والدهاء للتحايل والاستيلاء على أموال أفراد عاديين أو رجال أعمال.السطور الآتية تطرح هذه القضية والقوانين التي تعمل بها الدولة لردع المجرمين، ومدى مواكبتها للتطورات المتسارعة في عالم التكنولوجيا التي توظفها تلك الفئة المارقة للحصول على أموال الأبرياء. المشرع يستشرف المستقبل أكد القاضي الدكتور علي كلداري قاضي الاستئناف بمحاكم دبي، أن دولة الإمارات سباقة في سن التشريعات والقوانين التي تواكب التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم مع فورة التكنولوجيا التي أصبحت المحرك الرئيسي لشتى مناحي الحياة، مؤكداً أن المشرع الإماراتي يستشرف المستقبل لحماية المجتمع.وأوضح أن التشريعات والقوانين بدولتنا الحبيبة تعد الأولى على مستوى المنطقة وتسبق العديد من دول كبيرة وعريقة، لافتاً إلى أن التقدم في القوانين ينبع من حرص وتحفيز قيادتنا للوصول إلى الرقم1.وأشار إلى أن قضايا الاختلاس واحدة من بين العديد من القضايا التي أصبحت تتنوع بها الطرق وتتنوع بها الأدوات للاستيلاء على الأموال، حيث يبتكر بها المدان الأساليب من خلال استخدام طرق حديثة للاختلاس أو الاستيلاء على المال العام أو الخاص.وأضاف أن قوانين دولتنا الحبيبة لم تترك ثغرة بالقانون إلا سدتها لتقف بالمرصاد للمجرمين، حتى لا تمر جريمة من دون محاسبة سواء كانت الجريمة بطرق تقليدية أو باستخدام تقنية المعلومات، فيتم تكييف القضايا حسب ارتكاب الجريمة، وأن القوانين مرنة لصالح المجتمع والدولة ولنيل الجميع حقوقه.وقال إن بعض المجرمين في بعض القضايا يستغلون ضعاف النفوس أو يقومون باستخدام الأدوات والتقنيات الحديثة لتسهيل جرائمهم في عملية الاختلاس أو الاستيلاء على المال العام أو الخاص، ولكن بموجب القوانين والتشريعات لا يترك أحد من أركان تلك الجرائم دون محاسبة ويعاقب المدان بعقوبة رادعة. تنوع واختلاف ومن جانبه قال المحامي علي مصبح: جرائم الأموال تتعدد وتختلف بحسب أركانها وأساليبها وقد تتشابه الجرائم الأساسية مثل الاحتيال وخيانة الأمانة والسرقة، ونطاق الاختلاف هو تسليم الشيء المسروق، فلا يتصور أن يسلم المجني عليه المال المسروق للجاني، ويبلغ عن جريمة سرقة، ولأن هذه الجريمة تطلب الخفة في أخذ الشيء من دون رضا المجني عليه.وتابع: أما خيانة الأمانة فهي اختلاس أو استعمال أو تبديد مال منقول مملوك للغير بناء على عقد من عقود الأمانة المحددة وذلك إضراراً بمالكه أو صاحبه أو وضع اليد عليه مع توافر القصد الجنائي ويقع الركن المادي في هذه الجريمة بالنشاط الذي يتخذ صورة اختلاس أو استعمال أو تبديد محل الجريمة.والاختلاس يقصد به تغيير نية الجاني في حيازته المال المنقول، حيث يبدلها من حيازة ناقصة إلى حيازة كاملة ويمتلكها وتتم الجريمة، والتبديد يكون إما بتصرف مادي أو قانوني في المال محل الأمانة والتصرف المادي هو إتلاف المال أما التصرف القانوني فهو بيع هذا المال.وأضاف: أغلب قضايا الاختلاس يجب إعداد تقرير خبير حسابي للتدقيق على المال المختلس، أما فيما يتعلق بالعقوبة فهي الحبس مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات والغرامة وهي عقوبة رادعة في حد ذاتها كون الأهم منها إرجاع الأموال إلى مالكها بقدر العقوبة المفروضة، والآن في ظل التطور الإلكتروني تطورت جرائم خيانة الأمانة واختلاس المال إلى طرق متعددة في بعض الأحيان يصعب كشفها، وذلك كأن يكون الجاني خارج الدولة أو لعدم معرفة مصدر الاختلاس والتلاعب في النظام الإلكتروني المصمم لمتابعة الأمور المالية.وأوضح أن طرق خيانة الأمانة اختلفت عن وضعها التقليدي في ظل التطور الإلكتروني، بحيث تبرم التعاملات من خلالها دون لقاء الجاني والمجني عليه ومن الممكن أن يكون أحدهم في بلد آخر كأن يسلم شخص لآخر وديعة بقصد استثمارها ويحولها إلى آخر، ويقوم الجاني بالاستيلاء على هذه الوديعة دون ردها لصاحبها، لذلك وفي كل الأحوال فإن التعاملات عن طريق الوسائل الإلكترونية رغم سهولتها وسرعتها إلا أنه يجب الحذر منها وعدم وضع الثقة التامة إلا في الحالات موثوقة المصدر. خيانة الأمانة ومن جهته أوضح أحمد المعمري «محام»، أن جريمة الاختلاس تعتبر صورة من صور خيانة الأمانة، كما أن الفقه يعتبر الاختلاس صورة مشددة من خيانة الأمانة، فكل من الجريمتين تتطلب ماديتهما تحويل الحيازة الناقصة إلى حيازة تامة من خلال التصرف في الشيء المختلس باعتبار الحائز حيازة ناقصة مالكاً له، كما يتطلب ركنهما المعنوي اتجاه نية المتهم إلى اعتبار المال مملوكاً له، وهو يعني إضاعة المال على صاحبه.وعلى الرغم من هذه الصلة بين الجريمتين إلا أن بينهما فروقاً جوهرية، فجريمة خيانة الأمانة لا تقتضي توافر صفة معينة في الجاني، بينما تجد أن جريمة الاختلاس تتطلب أن تتوافر في الجاني صفة معينة هي أن يكون موظفاً عاماً.وأضاف أن جريمة الاختلاس تفترض أن المال موجود بين يدي الموظف بسبب وظيفته، أما جريمة خيانة الأمانة فتقتضي أن يكون المال مسلماً إلى أمين بمقتضي عقد من عقود الأمانة الواردة في القانون الخاص.وأخيراً تختلف الجريمتان من حيث تكييفهما القانوني، فاختلاس المال العام جناية في جميع صوره، أما خيانة الأمانة فهي دائماً جنحة. قضايا الاختلاس نظرت محكمة الجنايات بدبي خلال الفترة الماضية عدداً من قضايا الاختلاس والاستيلاء على أموال مؤسسات وأشخاص، من ضمنها قضية اختلاس آسيوي 221 مليون درهم تعود لشركة، وقضية أخرى استطاع موظف بنك الاستيلاء على 11 مليوناً من حساب مسنة خليجية.وقضية أخرى تمكنت بها موظفة بشركة تأمين من اختلاس مليون و100 ألف درهم وغيرها من القضايا.
مشاركة :