بكل ثقة وبوجه مشرق بشوس تقدم السيدة الجامعية وفاء أبو عمار، كوب القهوة لعابر سبيل في وسط بلدة "القطرانة" عند الطريق الرئيسي الذي يربط جنوب لبنان بغربه الشرقي في منطقة البقاع. السيدة الثلاثينية وفاء أبوعمار كانت قد افتتحت منذ أشهر كوخا صغيرا ركزت في زاويته آلة كهربائية لتحضير المشروبات الساخنة مثل الشاي والقهوة والحليب. وفاء أبو عمار وبينما كانت منهمكة في تحضير عدة أكواب من القهوة قالت لوكالة أنباء (شينخوا) إن "الوضع الأقتصادي الصعب وأزمة تفشي فيروس "كورونا" أعطياني القوة وشجعاني لمواجهة متطلبات الحياة". وأضافت "عقدت العزم واخترت تحدي الرجال في أعمالهم فتوجهت للعمل في هذه المهنة التي تعتبر مهنة ذكورية في مجتمعنا اللبناني ونجحت في عملي". وقالت "همي هو رفع دخل عائلتي مهما كانت الصعاب فقد تخليت بكل بساطة عن شهادتي الجامعية في إدراة الأعمال التي نلتها منذ 3 سنوات بعدما عجزت عن ايجاد وظيفة تحميني وعائلتي من العوز". لم تكن وفاء الوحيدة التي تحدت الرجال في مهنهم ، فكان أن اختارت المواطنة الخمسينية نجلا شرف من بلدة "عين التينة" في غرب شرق البقاع مهنة صعبة هي حراثة الأرض بواسطة جرار زراعي. نجلا شرف ، التي كانت تعتمر كوفية مرقطة باللونين الأبيض والأسود على رأسها اتقاء من حرارة شمس أكتوبر، قالت لـ (شينخوا) والعرق يتصبب من جبينها الأسمر أن البطالة وتقلص فرص العمل دفعني لأقتحام مهنة كانت حتى الأمس القريب مقتصرة على الذكور. وتابعت "اتقن جيدا قيادة السيارات لذا لم أجد صعوبة في القيادة والحراثة بالجرار الزراعي بحيث أمضي نحو 6 ساعات يوميا في الحقول والبساتين جاهدة لكسب ثقة المزارعين الذين كان العديد منهم في بداية عملي يتجنبون ان يسندوا لي مهمة حراثة أرضهم. وأضافت "بسرعة اكتسبت ثقة كبيرة من أصحاب بساتين الزيتون والتفاح والكرمة الذي باتوا يتهافتون لحجز ساعات حراثة بعدما تيقنوا من قدرتي وتفوقي على الرجال في هذه المهنة الصعبة التي تحتاج لعناية وإرادة وقدرة على تحمل المشقة وحرارة الطقس المرتفعة". واوضحت شرف بأن أجرة ساعة حراثة الأرض التي كانت تبلغ 30الف ليرة لبنانية في العام الماضي قد تجاوزت اليوم 80الف ليرة (ما يعادل 10دولارات أمريكية بحسب السوق السوداء). وأرجعت سبب ارتفاع الأسعار الجنوني إلى ارتفاع أسعارقطع الغيار والزيوت مما أجبر العديد من المزارعين على حراثة أرضهم مرة واحدة في موسم الزرع في حين أن المتعارف عليه حرث الأرض مرتين " . من جهتها اختارت ربة المنزل الأربعينية نجلا العيسمي العمل على حافلة صغيرة مخصصة لنقل الطلاب من منازلهم إلى المدارس الخاصة في بلدة "حاصبيا" بجنوب لبنان. وقالت نجلا العيسمي لـ (شينخوا) " كنت انطلق مع ساعات الصباح الأولى لنقل الأطفال من منازلهم الى مدرسة خاصة عند الطرف الشرقي لبلدة حاصبيا". وأضافت "توقف عملي مع إقفال المدارس بسبب تدابير الوقاية من "كورونا" لكن بعض المدارس نظمت أنشطة شارك فيها عشرات الطلاب مما وفر لي دخلا مقبولا". من جهتها لم تأبه جميلة أبو نوفل من بلدة "السريرة " في منطقة غرب البقاع لأنتقادات الناس من حولها فابتاعت بقرة وبعض الماشية التي تعمل على رعايتها . وقالت لـ (شينخوا) "تؤمن البقرة يوميا حوالي 20 ليترا من الحليب الذي يباع الليتر منه بدولار أمريكي واحد مما يساعدني في تأمين حياة أطفالي الثلاثة والتعويض عما خلفه توقف زوجي عن العمل منذ سنتين بسبب حادث اقعده" . وفي تفسير لظاهرة خوض المرأة التحديات المهنية، قالت المرشدة الاجتماعية لينا حمدان لـ (شينخوا) بأن الوضع الاقتصادي الضاغط المتزامن مع تفاقم انعكاسات تفشي فيروس "كورونا" التي طالت بآثارها شريحة واسعة من المجتمع اللبناني دفع بالكثير من النساء لتتشبهن بالرجال، فتوجهن لأعمال ذكورية بارادة صلبة وقوية". وأضافت "نجحن وتغلبن على كل الصعاب، ووفرن لعائلاتهن الكثير من الحاجيات الضرورية في ظل العوز والفقر المستشري في البلاد". ويعاني لبنان من تدهور اقتصادي ومعيشي حاد في ظل أزمة مالية صعبة تتزامن مع شح في السيولة بالعملة الاجنبية وقيود على سحب الودائع من المصارف وانهيار قيمة الليرة اللبنانية. وقد أدى هذا الوضع إلى تصاعد البطالة والفقر وتراجع قدرات اللبنانيين الشرائية مع ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية بنسبة تتجاوز 75 في المئة.
مشاركة :