حين فتحتُ النافذة رأيت رتل الدبابات كطابور نمل متجه إلى قطعة سكر

  • 8/5/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

في بداية صيف، كنت مستلقيا في فسحة بين النعاس والنوم. انتهيت من قراءة قصة علي بابا وأتبعتها السندباد، واستعدت مسلسله الكارتوني. مر بي أبي وهو يهم بالخروج، سألني: إلى أين تود أن نسافر؟ بلا تردد أجبت: بغداد! ضحك ولم يعقب. بعد عامين من ذاك السؤال، عاد الصيف بكل حمولته الثقيلة. صيف علمتُ يقينا أننا لن نهرب منه إلى أي عاصمة باردة أو رطبة أو ساخنة فبيتنا جديد والميزانية لا تسمح بهكذا رفاهية. لذا لذت في صباح باكر بمكتبتي الصغيرة، وفي ركن منها جلست منتظرا بداية البث التلفزيوني ومسلسلات الكارتون. لم يبدأ البث، أرجعته لخلل ما، صوت ضوضاء من فتحة التكييف ظننتها عطلا. وقفت أنظر عبر النافذة للشارع الرئيسي أمامي. شارع يمتد من البحر شرقا مرورا بمنزلنا وحتى الجهراء في الشمال البعيد. رتل دبابات ومجنزرات وسيارات نقل جنود تترى أمام ناظري، كطابور نمل خرج من مخبئه متجها لقطعة سكر. هذا الرتل ما زال يترى في ذاكرتي ويهدر حتى اليوم. دخل أبي، وسمعته يتصل ثم يخاطب أمي، اقتربت لأعرف سبب رجوعه المبكر على غير عادته. لقد دخل علي بابا والأربعون حرامي ومعهم بغداد والسندباد يقودهم على صهوة دبابة لا بساط سحري. في تلك اللحظة صار الزمان سائلا، ذاب كل المعمار الذي تراكم في الذاكرة عبر السنين غدا شمعا هلاميا، تحيا الأمة العربية، صدام هو الحارس، البوابة الشرقية، تحرير الفاو، الطفل في المغارة، سأحرق نصف إسرائيل. بدأت ليالي ألف كابوس وكابوس. كانت سبعة أشهر تعادل سنينا لا تنتهي، احتلال، قتل، اغتصاب، حرق، تدمير، سرقة، تشريد، وغيرها. ثم يأتي آخر ليقول: ما حدث لا يقارن بشيء مما حدث لأولئك القوم أو أولئك، وهو لا يدري أن النسبية العددية التي يحملها سترجع إليه بطرق شتى، بعضها مضحك. الألم، نسيه البعض وتناساه آخرون، لكنه صنع لمن عايشه واكتوى بناره ذاكرة رعب لا تنمحي. من سينسى من حمل الدفوف فرحا بهذه الوحدة؟ من سينسى من رفض الاستعانة بقوات خارجية ثم جاءه زمن لو عرض عليه الشيطان المساعدة لتشبث به؟ من سينسى المثقفين العرب الذي كتبوا عن قبائل «الأبوروجينز» وكل شيء ولم يتلفتوا لعائلة ماتت في الصحراء من الظمأ؟ هناك الكثير ممن سينسون نار حرائق النفط، ونقاط السيطرة في الشوارع، المشردين في العواصم، جريدة «النداء»، حي القدس، الحكومة المؤقتة: «صدام اسمك هز أميركا». وهناك ذاكرة تقاوم النسيان بالكتابة. الكتابة التي يستحثها سؤال وإجابة متعلقة بـ«ماذا تبقى؟».. وكل شيء ولا شيء. * روائي كويتي

مشاركة :