هذا الأسبوع ليس الأسبوع المثالي بالنسبة لأسعار النفط التي انزلقت فيما يبدو بصورة مقلقة. فأسعار العقود الآجلة في لندن لخام برنت لشهر سبتمبر (أيلول) المقبل تدور في فلك 50 دولارًا للبرميل طيلة الأسبوع. أما أسعار العقود الآجلة في نيويورك لخام غرب تكساس فقد وصلت بالأمس إلى 45 دولارًا للبرميل. ويبدو أن هذه الأسعار لن ترضي أيًا من المنتجين، سواء في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) أو حتى في خارجها. فالبنسبة للدول النفطية، فإن هذه الأسعار تضغط على الميزانيات وتوسع العجز بصورة أكبر، وبالنسبة للشركات النفطية العملاقة مثل «شيفرون» و«إكسون موبيل» و«بريتيش بتروليم»، وغيرها فإن الأسعار الحالية ستؤدي إلى المزيد من تقليص أرباحها وتسريح عمالتها وإلغاء مشروعاتها. والسؤال المقلق الآن هو هل ستستمر أسعار النفط في الانزلاق في الأشهر المقبلة أم أن 50 دولارًا لبرنت هي الأرضية؟ هذه ليست المرة الأولى هذا العام التي ستهبط فيها أسعار برنت تحت 50 دولارًا إذ هبطت الأسعار في يناير (كانون الثاني) الماضي إلى 46 دولارًا ثم عاودت الصعود وقال الجميع حينها إن هذه هي أرضية الأسعار أو أقل سعر قد يصل إليه النفط هذا العام. وسيشكل الربع الرابع تحديًا جديدًا للأسعار إذ سينتهي في غضون شهري موسم الصيف وسيقل الطلب على المواد البترولية، وبالتالي على النفط. وفي الربع ذاته ستبدأ المصافي في عملية الصيانة استعدادًا لموسم الشتاء، وهذا عامل آخر للضغط على أسعار النفط. ولكن لماذا ستهبط الأسعار إذا ما كان الطلب حتى الآن هذا العام أثبت مرونة عالية وسجل زيادة كبيرة؟ الإجابة عن هذا السؤال لها شقان، أما الشق الأول فهو متعلق بجانب الطلب، في ما يتعلق الشق الآخر بجانب المعروض. وبالنسبة للطلب فهناك عوامل تحدده، حيث تتحرك الأسعار حاليًا بناء على توقعات السوق للنمو الاقتصادي في العالم، وبخاصة النمو في الصين خلال الفترة المتبقية من العام. وبسبب العامل النفسي والخوف من الأشهر القادمة بدأ الكثير من المتعاملين الكبار في بيع مراكزهم أو بمعنى آخر ببيع عقود النفط الآجلة التي يمتلكونها وهو ما أدى إلى تراجع الأسعار. ومن بين العوامل المؤثرة في الأسعار من جانب الطلب هو أن غالبية الطلب هذا العام ذهبت في صورة زيادة لتخزين النفط، حيث استفادت الدول الكبرى مثل الصين والهند من بقاء الأسعار منخفضة وقامت بملء خزاناتها الاستراتيجية. ولهذا قد لا يعكس الطلب هذا العام حقيقة الوضع في السوق. أما الشق الثاني فهو متعلق بالعرض ويبدو واضحًا الآن أن الفائض النفطي في السوق لن يتقلص كثيرًا خصوصًا مع زيادة إنتاج «أوبك» بفضل الطفرة في إنتاج السعودية والعراق وبقاء إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة مرتفعًا رغم انخفاض الأسعار. وتزداد النظرة لمستقبل الطلب سوءًا عند توقع عودة النفط الإيراني إلى السوق بالكميات التي كان عليها قبل الحظر المفروض عليها في عام 2012 من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ويقول المحلل الكويتي محمد الشطي لـ«الشرق الأوسط» إن التوقعات حاليًا تشير إلى استمرار أسعار النفط عند 50 دولارًا طيلة أشهر أغسطس (آب) وأكتوبر (تشرين الأول) وسبتمبر. ويضيف أن السوق تأثرت كثيرًا بانخفاض مؤشر التصنيع في الصين والولايات المتحدة مما يعني تراجعًا متوقعًا في الطلب على النفط. ويرجع الشطي حدة تراجع أسعار النفط إلى قيام المضاربين في السوق بالبيع للحفاظ على مكاسبهم وتقليل خسائرهم. ويبدو المحلل عصام المرزوق أكثر تشاؤمًا حول مستقبل الأسعار هذا العام من غيره من المحللين، حيث يقول لـ«الشرق الأوسط»: «بالنسبة للذين يتوقعون صعود أسعار النفط في النصف الثاني من العام الحالي فلا أعلم على أي أساس يمتلكون كل هذا التفاؤل فكل الدلائل تشير إلى أن الأسعار ستنخفض أكثر». وفي الأسبوعين الماضيين أعلنت غالبية الشركات النفطية الكبرى عن نتائجها المالية للربع الثاني وأبدى جميعهم بمن فيهم رئيس شركة «إكسون موبيل»، ريكس تيليرسون، إلى قلقهم من أن أسعار النفط ستبقى منخفضة لوقت أطول مما يظنه الجميع وقد تظل الأسعار منخفضة للسنتين المقبلتين. ومع بقاء الأسعار كما هي عليه فإن المتضرر الأول سيكون ميزانيات دول «أوبك» بالتأكيد، إذ تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن دول منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) باستثناء إيران ستحقق دخلاً من تصدير النفط الخام قدره 380 مليار دولار في العام الحالي 2015 وهو نصف الدخل تقريبًا الذي حققته في 2014 والبالغ 730 مليار دولار. وقالت الإدارة في توقعاتها مؤخرًا أن يكون دخل 2015 سيكون الأقل لدول المنظمة منذ عام 2010. وعزت الإدارة الانخفاض إلى هبوط أسعار النفط على الرغم من أنها توقعت أن تظل كمية إنتاج وصادرات «أوبك» كما هي منذ العام الماضي. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تسجل الإمارات أول عجز مالي لها هذا العام منذ 2009 كما تفيد تقديرات الصندوق وهذا ما دفع الحكومة الإماراتية إلى تخفيض إنفاقها على دعم الوقود، خصوصًا أن الوقود عالميا ستنخفض. ويقول صندوق النقد إن الحكومة الإماراتية تنفق نحو سبعة مليارات دولار سنويًا على دعم الوقود. وفي السعودية من المتوقع أن يشهد هذا العام تفاقمًا في العجز وهو ما دفع المملكة إلى إصدار سندات بقيمة 15 مليار دولار حتى الآن سحب نحو 60 مليار دولار من احتياطيها الأجنبي.
مشاركة :