غوريس (أرمينيا)- يستوقف عشرات الأشخاص المنهكين بنظرات قلقة السيارات العابرة في غوريس على الحدود بين ناغورني قره باغ وجنوب شرق أرمينيا، بحثا عمّن يخرجهم من الإقليم الانفصالي الذي يشهد معارك طاحنة. إنهم أوائل نازحي الحرب الذين يفرون حاملين حقائبهم من الجيب الأرمني الانفصالي هربا من القصف العنيف والمعارك الضارية بين القوات الأذرية والانفصاليين الأرمن. ومنذ استئناف الأعمال القتالية قبل أسبوع في هذه المنطقة القوقازية التي تسعى أذربيجان إلى استعادتها، وصلت عائلات بأكملها للمرة الأولى في مجموعات إلى غوريس، مع اشتداد القتال بشكل واضح على غالبية الجبهة. وفي وسط الجيب الجبلي الواقع في هضبة شاسعة على ارتفاع أكثر من 2300 متر فوق مستوى سطح البحر ولا يمكن الوصول إليه إلا عبر طرق ووديان ضيقة ومتعرجة، دوّت صفارات الإنذار في شوارع ستيباناكرت، كبرى مدن الإقليم التي تحلق فوقها بانتظام طائرات مسيّرة أذرية وتتعرض لقصف بالمدفعية الثقيلة. كثف المسلحون الانفصاليون الأرمن والجيش الأذري الأحد، تبادل القصف المدفعي الذي استهدف على وجه الخصوص العاصمة الانفصالية وثاني مدن أذربيجان وسلك العديد من سكان المدينة التي يقطنها 55 ألف نسمة، طريق المنفى المؤقت نحو غوريس، وهي غالبا المحطة الأولى نحو العاصمة الأرمينية يريفان التي تبعد 350 كم إلى الشمال الغربي. وتقلهم سيارات وشاحنات عائدة من الجبهة إلى مدخل غوريس، أمام فندق كئيب على شكل مكعب حسب الطراز السوفييتي، يبعد خطوات قليلة عن محطة وقود مضاءة بالنيون يتلقفون فيها آخر أخبار القتال. هناك ينتظر النازحون البائسون عبور سيارة أو لقاء أحد من معارفهم أو صدفة تسمح لهم بالذهاب إلى يريفان والتمتع أخيرا بالأمان. وتنتظر النساء، ويبدو على بعضهن الإعياء، جالسات على الحقائب، بينما يتذمر الأطفال أمامهن على الرصيف. ويبحث الرجال عن فرص للسفر بين السيارات العابرة وسيارات الأجرة الحقيقية والمزيفة، والحافلات العامة البنفسجية النادرة التي توفرها السلطات. كم عددكم؟ هل تريدون أن نقلّكم؟ تسأل آني (31 عاما) التي وصلت من يريفان على متن سيارتها الخضراء من طراز كليو. تقول هذه السيدة إنها أتت “للمساعدة” مبدية “تأثرها” للأحداث الأخيرة، وقد تركت مع خطيبها وصديق آخر كل أشغالها وأوقفت عملها كصحافية للمجيء إلى هنا، على أبواب ناغورني قره باغ. وأوضحت “لم يعد بإمكاني التجرّد اللازم من العواطف للقيام بعملي، قلت لهم انسوني! هناك مئات النازحين يصلون من ستيباناكرت حيث القصف العنيف، يجب أن نساعدهم بطريقة أو بأخرى”. وأضافت آني “إنها مبادرة شخصية، شكل من أشكال التعبئة الشعبية. نحن نساعد بلادنا بقدر ما نستطيع” لافتة إلى “التضامن الكامل للشعب الأرميني في مواجهة عدوان (الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان وأذربيجان”. وفي يريفان، سيتولى الأقارب رعاية هؤلاء النازحين، وستستضيفهم الفنادق أو المدارس مجانا. وسيحصلون على الطعام والملابس والنقود وحتى على ألعاب للأطفال، التي تم جمعها بفضل حملات تبرع كثيرة جرت في العاصمة حيث ترتفع الأعلام الوطنية وبجانبها علم ناغورني قره باغ الشبيه الذي لا يتميز عن العلم الأرميني إلا بخط أبيض متدرج على شكل حرف “في”. وأوضحت آني أن “البلد كله في الخطوط الأمامية اليوم. لطالما كان الأمر كذلك في اللحظات الصعبة من تاريخنا”. ولا توجد طوابير طويلة من النازحين الحاملين لأمتعتهم هنا على الممرات الجبلية، بل يتم الترحيل بانتظام وعبر الطريق، مع نية العودة قريبا. لا يزال التدفق محدودا لكن مواكب السيارات وحركة المرور إلى يريفان التي ازدادت كثافتها عن المعتاد تشي بهذا النزوح الضئيل. وتشير الشاحنات العسكرية وسيارات الإسعاف العديدة بوميض أضوائها الزرقاء وصفارات الإنذار التي تطلقها أحيانا، سالكة الطريق في الاتجاهين، إلى سبب هذه الحركة، وهي الحرب الجديدة الجارية عند قمة هذا السهل الشاسع وسط الجبال السوداء. وكثف المسلحون الانفصاليون الأرمن والجيش الأذري الأحد، تبادل القصف المدفعي الذي استهدف على وجه الخصوص العاصمة الانفصالية وثاني مدن أذربيجان، في اليوم الثامن من القتال الدامي. وتصاعدت كثافة القصف المدفعي إلى مستويات جديدة الأحد، فيما دوت صفارات الإنذار دون توقف تقريبا. وتم استهداف وسط المدينة ومحيطها وارتفعت سحب من الدخان الأسود في الجزء الشمالي الشرقي منها. سلك العديد من سكان المدينة التي يقطنها 55 ألف نسمة، طريق المنفى المؤقت نحو غوريس، وهي غالبا المحطة الأولى نحو العاصمة الأرمينية يريفان واحتمى السكان في الملاجئ القائمة، كما في سرداب إحدى الكنائس حيث لجأت عدة عائلات. واتهم المتحدث باسم وزارة الدفاع الأرمينية أرتسرون هوفنسيان “القوات الأذرية بقصف أهداف مدنية”. ووفق السلطات المحلية، فإن القصف تم عبر أنظمة إطلاق صواريخ متعددة من طرازي سميرتش وبولونيز، كما حلقت طائرات مسيّرة فوق المدينة. وأعلن رئيس المنطقة الانفصالية أراييك هاروتيونيان أن قواته سترد باستهداف البنية التحتية العسكرية المتمركزة في “المدن الكبرى” لأذربيجان، والواقعة على مسافة بعيدة عن الجبهة، داعيا “المدنيين إلى مغادرة هذه المدن على الفور”. وعلى الجبهة، يؤكد الطرفان، على غرار الأيام السابقة، تحقيق انتصارات ميدانية. ولا تزال حصيلة المعارك جزئية إذ لم تعلن باكو عن خسائرها العسكرية. وسجل حتى الآن مقتل 245 شخصا؛ بين 209 مسلحين انفصاليين و14 مدنيا من ناغورني قره باغ و22 مدنيا أذريا. ويؤكد كل جانب أنه قتل من الطرف الآخر ما يزيد عن ألفي مقاتل.
مشاركة :