نوبل وكورونا يعطيان الدرس: لا تستعجلوا النتائج العلمية | | صحيفة العرب

  • 10/5/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

في العادة يتركز الاهتمام ضمن جوائز نوبل، على تلك المخصصة للسلام أو على فئة الآداب، لكنّ جائحة فايروس كورونا المستجدة التي لا يزال العالم يشهدها، وهي الأخطر منذ قرن، ومعها الركود الاقتصادي الكبير، سيضفيان أهمية خاصة هذه السنة على جوائز الطب والفيزياء والكيمياء، خاصة وأن التاريخ أثبت أن هذه الاختصاصات لا تُظهر نتائج حقيقية قد تفيد الناس إلا بعد فترة طويلة من البحث والتمحيص والتدقيق. أوسلو/ستوكهولم - يستبعد مراقبون وأكاديميون أن تُمنَح أيّ من جوائز نوبل لهذا العام، لأعمال أو بحوث مرتبطة بمباشرة بجائحة كوفيد – 19، إذ أن منح الجائزة لأي بحث يستلزم التحقق منه أولا، وهذا الأمر يستغرق سنوات ما يجعل الجميع في حالة ترقب لما هو آت، حتى مع بدء توزيع جائزة الطب الاثنين. وبينما يريد العالم رؤية إصلاحات مبهرة وسريعة لكل شيء وخاصة التهديدات الهائلة مثل كورونا والانحباس الحراري، تذكر جوائز نوبل أنه في مجال العلم، يؤتي البطء والثبات ثمارهما. وقد يشهد الجيل الحالي نتائج ذلك قريبا وربما يشهد الجيل المقبل على ذلك. ويؤكد سيث بورينستين الكاتب المخضرم في وكالة أسوشيتد برس الأميركية أن العلم يعتمد على العمل السابق، حيث يقف المفكرون “على أكتاف العمالقة”، كما قال إسحاق نيوتن ذات مرة، ويبدأ بالبحث لفهم المشكلة قبل إصلاحها. وتكافئ جائزة نوبل هذا النمط من العلوم الأساسية عادة وتحتفل بالاكتشاف بعد سنوات أو عقود من إعلانه فقد يستغرق إدراك الآثار المترتبة عليه وقتا طويلا. وهنا ينسجم ذلك الانطباع مع ما قاله لارس هايكنستن رئيس مؤسسة نوبل المشرفة على منح الجوائز، التي أطلقها المخترع السويدي ألفرد نوبل ومفاده أن “الجائحة أزمة كبرى للبشرية لكنها تجسّد مدى أهمية العلم”. طول نفس لا يعد تسابق الجامعات ومراكز البحوث في مختلف أنحاء العالم للقيام باختبارات علمية هدفها إيجاد عقاقير أو أدوية لعلاج بعض الأمراض أو الأوبئة المستعصية بالأمر الجديد، لكن ما يلفت الانتباه بالطبع هو طول نفس الباحثين والعلماء في هذا المجال حتى أنهم يظلون لسنوات من أجل التوصل إلى هدفهم. وجعل النجاح البطيء والمطرد في العلوم الباحثين متفائلين في معاركهم ضد أزمتي الوباء والمناخ، فقد منحت سنوات من التقدم في العلم بخطوات حشدت بعضها جوائز نوبل بالفعل، العالم أدوات للتعرف السريع على الفايروسات وتسريع تطوير الاختبارات. ويزيد كل هذا من احتمال التوصل إلى علاج كورونا والتوصل إلى لقاح في فترة قد لا تزيد عن بضعة أشهر. وقالت عالمة الجيوفيزياء الأميركية، مارسيا كيمبر ماكنوت، التي تترأس الأكاديمية الوطنية للعلوم “إننا ربما نشهد المرحلة الأفضل في مجال العلوم للأمة وللعالم، إذ قد يقدّم العلماء المعجزة التي ستنقذنا”. ونُشر التسلسل الجيني لسلالات فايروس كورونا وبات الاختبار متاحا في أسابيع معدودة، وقد تنتهي عملية تطوير اللقاحات التي تستغرق سنوات في غضون سنة أو أقل، فبحسب ماكنوت “بُنيت كل محاولات إنتاج لقاح على خلفية التطورات العلمية الأساسية الممتدة على العقود الثلاثة الماضية”. وأشارت الباحثة ماكنوت إلى تسلسل الجينات وتفاعل البوليميراز المتسلسل، والذي يسمح للعلماء بأخذ عينة صغيرة جدا من الحمض النووي وتضخيمها إلى كمية كبيرة بما يكفي للدراسة بالتفصيل، وقد حصل هذا الاكتشاف الأخير على جائزة نوبل في الكيمياء سنة 1993. ونال فريق من الباحثين في عام 1984 جائزة نوبل في الطب لنظرياته حول كيفية التلاعب بجهاز المناعة باستخدام الأجسام المضادة أحادية النسيلة، أما اليوم فتعتبر هذه الأجسام المضادة واحدة من أفضل الآمال في علاج فايروس كورونا. ويرى سوديب باريخ، الرئيس التنفيذي للجمعية الأميركية لتقدم العلوم أنه على الرغم من السياسة وكل العوامل الأخرى التي تبطئنا، ستكون الاكتشافات الحائزة على جائزة نوبل منذ عقدين من الزمن مفتاحا لعلاج كوفيد – 19 والوقاية منه العام المقبل فلقد أصبح ذلك ممكنا بفضل البحث الأساسي. ويأتي البحث الأساسي والمبدئي في مقدمة كل شيء وعادة ما يقف المتابعون على الفوائد في العلم التطبيقي، وهو ما أكدته المهندسة الكيميائية من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، فرانسيس أرنولد، التي فازت بجائزة نوبل في الكيمياء سنة 2018 حينما قالت إنه “دون العلوم الأساسية، لن يوجدعلم تطبيقي متطور”. يتأكد للمتابعين أن الأبحاث المبدئية الحائزة على جوائز نوبل في السنوات الماضية أنها تسمح برؤية العالم من منظور جديد، وبالتالي فإن دافعا معنويا من هذا التكريم سيجعل الجميع في قلب رحى المنافسة التي ستؤدي لا محالة إلى نتائج ولو بعد حين. فمثلا يتساءل كثيرون حول مدى إمكانية تعويض الإضاءة الثبلية لمصابيح الفلورسنت أو تلك المتوهجة التي تستهلك كما كبيرا من الطاقة، وقد أجاب عالم الفيزياء الفلكية نيل ديغراس تايسون ومدير قبة هايدن السماوية التابعة للمتحف الأميركي للتاريخ الطبيعي، على ذلك قائلا إن “جزءا رئيسيا من هذه الأضواء هي الثنائيات الباعثة للضوء الأزرق”. وبما أنّ اليابانيين إيسامو أكاساكي وهيروشي أمانو والعالم الأميركي من أصل ياباني شوجي ناكامورا استطاعوا اكتشاف هذه الثنائيات، ارتأت لجنة جوائز نوبل إسنادهم، جائزة نوبل للفيزياء لعام 2014. ولكن ماذا عن الرؤية بشكل أفضل دون نظارات بفضل جراحة الليزر، وهنا تقول عالمة الأحياء الدقيقة ريتا كولويل، الرئيسة السابقة لمؤسسة العلوم الوطنية الأميركية، إن ذلك نتج عن البحث في الليزر الدقيق وهو جعلها تنال جائزة نوبل للفيزياء في 2018. وجاء التوصل إلى نتائج ملموسة في ذلك البحث إلى حادث تعرض فيه الباحث لأشعة الليزر في العين أيضا وقال عالم الفلك الملكي البريطاني مارتن ريس إن تلك البحوث اعتمدت مفاهيم تعود إلى عصر ألبرت أينشتاين. وقال الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء في 2006، جون ماثر، إن “كل شيء نستخدمه من حولنا موجود بسبب العلوم الأساسية” إذ “يعتمد المهندسون ورجال الأعمال هذه المعرفة لبناء إمبراطوريات تجارية. ويستغل الأطباء ما نجده لتطوير علاجات جديدة. ويبني المهندسون المعماريون منازل بمواد حديثة. وتعتمد الطائرات والسيارات على العلوم الأساسية”. لكن البعض لا يدركون ذلك، وبرر الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء في 2011، آدم ريس، ونيل ديغراس تايسون أن هذا يبرز عندما يتحاور الأشخاص الذين ينكرون علم المناخ أو فعالية اللقاح حول آرائهم على الهواتف الذكية ويجرون عمليات البحث على محرك غوغل بطرق أصبحت ممكنة بفضل البحوث العلمية الأساسية. قال تايسون في مقابلة مع أسوشيتد برس “ربما يحتاج العلم إلى وكيل علاقات عامة.. وربما يجب أن تقول الإعلانات التلفزيونية عند كل اكتشاف جديد في العلم، يؤثر على حياتك مباشرة: هل تعلم هذا؟ هذا الشيء الذي تستخدمه اخترعه هذا الشخص هنا في هذا المخبر قبل أن تطرحه هذه الشركة في السوق. والآن أنت تستخدمه وتستمتع به”. وبالنسبة للحد من تغير المناخ، يأمل الكيميائي المكسيكي ماريو مولينا أن يتمكن العلماء من حل المشكلة بمساعدة الاكتشاف الذي أدى إلى حصوله على جائزة نوبل في 1995، فقد اكتشف مع آخرين أن المواد الكيميائية الصناعية المعروفة باسم مركبات الكربون الكلورية فاللورية كانت تصل إلى أعالي الغلاف الجوي وتبتلع طبقة الأوزون الواقية للأرض. وتم اكتشف هذا الأمر قبل سنوات عديدة من ظهور ثقب الأوزون فوق القارة القطبية الجنوبية، وهو ما أدى إلى إبرام اتفاق دولي في عام 1987 لحظر تلك المواد الكيميائية المستنفدة للأوزون، وبدأت الحفرة تتقلص. ويأمل مولينا في إمكانية تطبيق إجراءات مشابهة للاستجابة لـ”حالة الطوارئ المناخية”. وقال مولينا “أنا متفائل لهذا. فلدينا مثال لمشكلة عالمية وحّدت جل دول الكوكب وحثتها على العمل معا. إن طبقة الأوزون تلتئم. يستغرق الأمر بعض الوقت، لكنها تلتئم ببطء. إن هذا الأمر ممكن”.

مشاركة :