بينما كشف النائب العام السوداني لمحكمة الرئيس المعزول، عمر البشير، ومتهمين آخرين من مدبري انقلاب الإنقاذ في 30 من يونيو (حزيران) 1989، عن تفاصيل جديدة عن الانقلاب العسكري الذي أطاح بحكومة رئيس الوزراء الصادق المهدي، والذي دبره ونفذه إسلاميون عسكريون ومدنيون قبل 30 عاماً، أثار فريق الدفاع عن المتهمين ضجة كبيرة، قبل مغادرته قاعة المحكمة في الخرطوم، احتجاجاً على ظهور النائب العام، ممثلاً للاتهام.وقال النائب العام، تاج السر الحبر، في عريضة الاتهام الأولية، أمس، إن خطبته تستند إلى أحكام الوثيقة الدستورية، التي نصت على محاسبة المنتسبين إلى نظام الإنقاذ على الجرائم، التي ارتكبوها منذ استلائهم على السلطة. بيد أن المحكمة رفضت بحث جرائم النظام المعزول، وأكدت أن مهمتها تقتصر على ما حدث في 30 يونيو 1989، أي الانقلاب على النظام الدستوري وحده.وأوضح الحبر، أن تحريات فريقه أكدت أن المتهمين بالانقلاب على النظام الدستوري ينتمون إلى تنظيم سياسي معين، بينهم مدنيون وظفوا الجناح العسكري في التنظيم وتنفيذ الانقلاب، مبرزاً أن التخطيط والتدبير كان بمشاركة مدنية وعسكرية، وأن الجميع اشترك في تنفيذ الانقلاب.وكان زعيم الإسلاميين، الراحل حسن الترابي، قد اعترف في إفادات تلفزيونية بدور الحركة الإسلامية السودانية (الاسم السوداني لـ«الإخوان» المسلمين) في التدبير والتخطيط للانقلاب، وقال إن الخطة «كانت مستمرة، وتعاظمت بعد أن تبين لنا أننا خرجنا من السلطة، ولا سبيل ليتمكن الإسلام دون أن نتمكن من السلطة»، وتابع موضحاً أن «الجانب الفني في الانقلاب رتبته مجموعة فنية من القياديين منّا، ومجموعة فنية من ضباط وعسكريين... وقد وفّرنا جهاز اتصالات كاملاً خارج أجهزة الاتصالات الحكومية تحسباً لكل شيء... الأمر رُتب خارج أجهزة الدولة عبر شبكة منظمة».وأكد الحبر في كلمته، أن تحريات فريقه كشفت عن لقاء المتهم رقم عشرين، زعيم المعارضة، وسفره إلى جنوب السودان، وأنه من هناك أرسل رسالة تفيد بالتخطيط للقيام بعمل عسكري انقلابي ضد النظام الديمقراطي، مبرزاً أن البيان الأول للانقلاب تمت صياغته سلفاً، وتضمن حل جميع الأحزاب السياسية والأجهزة التنفيذية، وفصل رئيس القضاء، واستبدال القيادات بقيادات جديدة.وقال الحبر، إن النيابة وجهت للمتهمين تهماً تحت المواد 96 (أ، و، ج) من القانون الجنائي لسنة 1983، أي «تقويض النظام الدستوري»، والمادة 78 من القانون ذاته، وهي «الاشتراك الجنائي»، والمادة 56 من قانون القوات المسلحة لسنة 1986 ضد المتهمين العسكريين.واعترضت هيئة الدفاع عن المتهمين على تولي النائب العام تلاوة عريضة الاتهام، باعتباره الشاكي في البلاغ. وقال المحامي عبد الباسط سبدرات، نيابة عن هيئة الدفاع عن المتهمين، إنه لا يمكن أن يكون حكماً؛ لأنه يمثل سلطة الإشراف على التحري، وتقديم القضايا للمحاكم، ما يتطلب أن يكون محايداً.بيد أن رئيس المحكمة، القاضي عصام الدين محمد إبراهيم، رفض طلب الدفاع عن المتهمين وتابع إجراءات المحاكمة، وسمح للنائب العام بتلاوة خطبة الاتهام، مع وعد بإلغائها وتقديم خطبة اتهام جديدة، حال صدور قرار بعدم قانونية تلاوة النائب العام خطبة الاتهام. لكن محامي الدفاع أثأروا موجة من الجدل واللغط، قبل أن يغادروا المحكمة احتجاجاً.وقدم المتهم ونائب البشير الأسبق، علي عثمان محمد طه، التماساً طلب فيه تلاوة رد الدفاع على خطبة الاتهام أمام أجهزة الإعلام، معللاً ذلك بأن المحكمة سمحت بتلاوة خطبة الاتهام، وقد استجابت المحكمة لطلبه، ووعدت بالسماح بتلاوة ردود الدفاع على خطبة الاتهام في الجلسة المقبلة، وحُدد موعد للجلسة المقبلة في العشرين من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي.وكان قاضي المحكمة قد رفض طلب هيئة الدفاع، المتعلّق بتشكيل المحكمة والمطالبة بحلّها، باعتبارها محكمة خاصة، ولمشاركة أحد القضاة في اعتصام القيادة العامة، وقال إنه رفض الطلب «استناداً إلى أن محكمته مكونة وفقاً للمادة (6ه) من قانون السلطة القضائية، التي تنص على أن الجهة الوحيدة التي تملك حل المحكمة وتكوين محكمة بديلة هي الجهة القضائية التي كونتها. ووعد القاضي بالفصل في طلبات الاتهام والدفاع الجديدة في الجلسة المقبلة.وبدأت في 21 من يوليو (تموز) الماضي محاكمة الرئيس المعزول عمر البشير و34 آخرين، مثُل أمام المحكمة 28 منهم، في حين فرّ الآخرون خارج البلاد، بتهمة تدبير انقلاب الإنقاذ الذي أتى بالإسلاميين للحكم في البلاد، وبتقويض الحكومة الشرعية المنتخبة، وتقويض النظام الدستوري، وهي في مجملها اتهامات تصل العقوبة فيها إلى السجن المؤبد والإعدام.
مشاركة :