افتتحت الدورة البرلمانية الجديدة في تونس وسط جدل بشأن تنقلات العديد من النواب إلى كتل برلمانية أخرى في ما بات يُعرف بـ”السياحة الحزبية”، حيث تسعى أحزاب وازنة على غرار حركة النهضة الإسلامية إلى تعزيز نفوذها من خلال تحالفات قوية داخل مجلس النواب من شأنها تعطيل مشاريع قوانين أو التسريع بتمريرها أو لمَ لا حتى إسقاط الحكومة أو فرض تعديلات وزارية داخلها. تونس- تطرح التحالفات الجديدة بالبرلمان التونسي، التساؤل عما إذا كانت حركة النهضة الإسلامية الفائزة في الانتخابات التشريعية الأخيرة (54 نائبا) وحلفاؤها (ائتلاف الكرامة وقلب تونس) يمتلكون القدرة على تكوين غالبية مؤثرة في المشهد البرلماني، لاسيما مع تواتر الحديث عن استعدادات لتكوين جبهة معارضة قوية تضم الحزب الدستوري الحر وغيره. وأفادت النائب الأول لرئيس البرلمان، سميرة الشواشي، خلال انطلاق الجلسة العامة المنعقدة الثلاثاء بقصر باردو، بأنّه تمّ تسجيل جملة من التغييرات على تركيبة الكتل البرلمانية. وأعلنت الشواشي عن فقدان كتلة “المستقبل” لوجودها إثر استقالة كافة أعضائها وانضمامهم إلى كتلة قلب تونس، وهم جمال بوضوافي ومحمد الصالح اللطيفي وآية الله هيشري وسامي بن عبدالعال وعدنان بن إبراهيم وعصام البرقوقي ولمياء جعيدان، ومبروك خشناوي ومحمد الزعبي. وأشارت إلى استقالة النائب صحبي صمارة من كتلة إئتلاف الكرامة، وإقالة النائب زهير بالوذان من كتلة الإصلاح الوطني. وتتصدر كتلة حركة النهضة الإسلامية البرلمان التونسي بـ54 نائباً، تليها الكتلة الديمقراطية بـ38 نائباً، فكتلة حزب قلب تونس بـ30 نائباً (بعد أن كانت تضم 26 نائبا)، وأصبحت كتلة ائتلاف الكرامة تضم 18 نائبا (بعد أن كانت 19 نائباً). وارتقت كتلة الإصلاح مكان كتلة الحزب الدستوري الحر بـ17 نائباً (16 نائباً سابقاً)، وحافظت كتلة الحزب الدستوري الحر على 16 نائباً. وتعكس هذه الانتقالات التي باتت تُعرف في تونس بمصطلح “السياحة الحزبية” رغبة العديد من الأطراف في الاستئثار بموقع هام من خلال التمكن من تجميع غالبية تكون قادرة على تمرير مشاريع قوانين أو تعطيلها، إلى جانب تزكية الحكومة أو سحب الثقة منها. وتأتي هذه الانتقالات كذلك رغم الانتقادات التي تواجهها الأحزاب في تونس والبرلمانيون على حد السواء بشأن السياحة الحزبية. وفي هذا السياق، أكد الناشط السياسي عبدالعزيز القطي، أن “هناك عبثا سياسيا على المستوى البرلماني والسياسي، وفوضى أصبحت تعم المشهد وتتخبط فيها كل الأطراف، علاوة عن تفكك داخل الأحزاب وارتباك وليس هناك أي طرف مؤثر في المشهد”. وأضاف القطي في تصريح لـ”العرب”، “القانون الانتخابي هو من أفرز هذا المشهد الذي يغذيه الاحتقان والتجاذبات، إذ أن نسبة 65 في المئة من الناخبين اليوم لا يعرفون لمن يصوتون وهي نسبة غير قابلة بالأحزاب الحالية”. وتابع “كل هذه التحركات ينظر إليها الرأي العام بأنها تخدم المصالح الضيقة للأحزاب، والنهضة وحلفاؤها لا يقدرون على تجميع 120 نائبا ولا يمكن أن يتفقوا على قرارات كبرى تخدم مصالح المواطن التونسي”. وتفكر بعض الأحزاب في بسط هيمنتها على المشهد البرلماني والمزيد من تحصين مكانتها ككتل وازنة في المجلس وإبرام تحالفات مع أحزاب أخرى وإن كانت لا تشترك معها تنظيميا وأيديولوجيا فإنها تتقابل معها في مستوى المصالح الذاتية التي فرضتها إكراهات السياسة على غرار تحالف الأحزاب الإسلامية مع حزب قلب تونس (ليبرالي). وأفاد المحلل السياسي باسل الترجمان في تصريح لـ”العرب”، “أن ما يجري الآن يدخل في باب السياحة الحزبية التي هي ليست بالأمر الجديد بل استمرار لعملية متواصلة منذ 2011” مُضيفا أن “أحزاب النهضة والكرامة وقلب تونس تمثل نظريا تحالفا كبيرا، لكنها واقعيا ستبقى عاجزة عن تمرير مشاريع القوانين داخل البرلمان وسيصيبها الشلل والعجز عن تقديم الإضافة”. وتابع الترجمان “الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بتونس صعبة جدا والجميع ينتظر حلولا من حكومة هشام المشيشي في أسرع وقت ممكن.. النهضة ستنكب على حل مشاكلها الداخلية المتفاقمة وهو ما سينعكس عليها في البرلمان على غرار المؤتمر القادم والاستفتاء حول الفصل 31 وصراع القيادات حول مواصلة راشد الغنوشي على رأس الحركة من عدمها وهذا أمر خطير سيفتح الباب أمام تجاوزات في علاقة مباشرة بين الغنوشي والقواعد”. وأشار إلى أن “هناك انقساما داخل كتلة الحركة وهو ما لاحظناه مؤخرا خلال انتخاب رئيس جديد للكتلة بين عماد الخميري وفتحي العيادي.. النهضة منكبة على مشاكلها الداخلية أكثر من البرلمان”. "السياحة الحزبية" تعكس رغبة العديد من الأطراف في الاستئثار بموقع هام من خلال التمكن من تجميع غالبية تكون قادرة على تمرير مشاريع قوانين أو تعطيلها والأحد، انتَخب نواب النهضة، خلال الجلسة العامة البرلمانية السنوية، النائب والمتحدث الرسمي باسم الحزب عماد الخميري رئيساً جديداً للكتلة، خلفاً للقيادي نورالدين البحيري، الذي شغل المنصب لـ6 سنوات وهو ما أعده متابعون انتصارا للموالين لراشد الغنوشي الذي يواجه معارضة شرسة للتمديد له في رئاسة الحركة حيث يعد الخميري واحدا من أبرز برلمانيي النهضة الموالين للغنوشي. ودفعت الحركة البرلمانية بعض النواب والسياسيين إلى المطالبة بمراجعة نظام العمل داخل البرلمان، فضلا عن النظر بجدية في مسألة التنقلات والانسحاب من الكتل. وطالب النائب في البرلمان عن حركة الشعب خالد الكريشي بالتعجيل بمراجعة النظام الداخلي للبرلمان والذهاب في اتجاه منع السياحة الحزبية التي أصبحت تمارس بمقابل مادي، مطالبا النيابة العمومية بأن تقوم بدورها في متابعة هذه الممارسات الخطيرة. وأكد الكريشي في تصريح إعلامي “أن السياحة الحزبية أصبحت تشرّع لمثل هذه الممارسات المشبوهة، وأن حركة الشعب ستسعى إلى تمرير مشروع قانون لإبطال عملية انتقال نائب من كتلة إلى أخرى”.
مشاركة :