وضعت تداعيات وباء كورونا الحكومة التونسية المأزومة اقتصاديا أمام معادلة صعبة مع تلويح الاتحاد العام التونسي للشغل بالدخول في سلسلة من الإضرابات القطاعية تنديدا بالإجراءات التقشفية التي تعتزم السلطات اتباعها إضافة إلى تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للعمال والموظفين. تونس - يتأهب الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر المنظمات العمالية) لتنفيذ سلسلة جديدة من التحركات الاحتجاجات المطلبية، تنذر ببداية صيف ساخن اجتماعيا بعد "هدنة" فرضتها إجراءات التصدي لوباء كورونا. وأعلن فرع الإتحاد التونسي للشغل بمحافظة صفاقس (جنوب) الدخول في سلسلة من الإضرابات القطاعية بداية شهر يونيو القادم، ما ينذر بتصعيد يشمل بقية المحافظات. وأضاف الاتحاد في بيان أن التحركات الاحتجاجية ستشمل عدة قطاعات حيوية من بينها الصحة والنقل والبريد والاتصالات والفلاحة والكيمياء، فضلا عن الإعلام والتجهيز والتغطية الاجتماعية. وتنذر الاحتجاجات المطلبية التي تغذيها هشاشة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية باحتقان اجتماعي قد تطال حممه الساحة السياسية، في ظل تنامي الدعوات المطالبة بتغيير نظام الحكم وحل البرلمان بالبلاد. والجمعة، نبه الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نورالدين الطبوبي، إلى «أن الوضع الاجتماعي قادر على الانفلات في أية لحظة وأنه ستكون لذلك تداعيات خطيرة»، مشيرا إلى أن اللقاء الأخير الذي جمعه بوزير الشؤون الاجتماعية تطرق إلى الوضع في القطاع الخاص والذي وصفه بـ“الصعب”. وأكد الطبوبي أنه «تم تسجيل العديد من حالات الطرد للعمال المتعاقدين رغم صدور مرسوم في الغرض من رئيس الحكومة يمنع الطرد». وأضاف في تصريح لوسائل إعلام محلية، أن الإشكال المطروح هو أزمة الثقة الناجمة عن عدم تجسيم الاتفاقيات الممضاة مؤكدا أن ذلك لم يعد ممكنا وأنه يضرب مصداقية التفاوض. وأكد القيادي بحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، منجي الرحوي في تصريح خاص لـ»العرب» تبني حزبه لما وصفها بالمطالب المشروعة، مشيرا إلى أن «من يتعللون بأن الوقت غير مناسب لذلك، فحجتهم لا معنى لها». وأضاف الرحوي أن حزبه «يساند مساندة غير مشروطة احتجاجات بعض القطاعات كالأساتذة النواب والصحة والأطباء والنقل وغيرها». منجي الرحوي: ندعم المطالب المشروعة للعمال والموظفين منجي الرحوي: ندعم المطالب المشروعة للعمال والموظفين وعلى الرغم من استنجاد الحكومة التونسية باتحاد الشغل لاحتواء الغضب المتنامي في خطوة استباقية لتهدئة الأوضاع، إلا أن مشروعية المطالب الملحّة للعمال حالت دون تطمينات المنظمة النقابية للحكومة وهو ما ينبئ بانفجار اجتماعي يشمل كامل البلاد. وسبق أن كشفت الحكومة التونسية عن الخطوط العريضة لمشروع ميزانية الدولة لسنة 2021 التي ستتميز بالمزيد من التحكم في النفقات وعدم إقرار انتدابات جديدة في القطاع العام، ودعت كل الوزارات والهياكل الحكومية إلى عدم توقيع أي اتفاق أو اتخاذ أي إجراء له انعكاس مالي قبل الرجوع إلى مصالح رئاسة الحكومة ووزارة المالية، كما تم إرجاء تفعيل برنامج الترقيات المهنية المتعلقة بالسنة الحالية إلى سنة 2021 وتأجيل برنامج ترقيات 2021 إلى 2022، وهو ما يكشف، وفق خبراء في الاقتصاد والمالية، عن حجم الانكماش الاقتصادي إثر انقشاع وباء كورونا و الخسائر الاقتصادية الناجمة عنه. وتتوقع الحكومة بأن تؤدي الوضعية الصعبة التي يعيشها الاقتصاد التونسي إلى تراجع وتيرة النمو، وبالتالي إلى نقص حاد في حجم موارد الدولة، ودعت الحكومة الوزارات والمؤسسات والهيئات كافة إلى مضاعفة الجهد لترشيد النفقات خلال الفترة ما بين 2021 و2023 وهي المدة التي من المنتظر أن تكون كفيلة باسترجاع النمو الاقتصادي العادي.كما قررت الحكومة إرجاء إنجاز البرامج الجديدة للتكوين بهدف الانتداب، إلى سنة 2022 بدلاً من 2021، وعدم تعويض الشغورات الحاصلة في القطاع العام، والسعي إلى تغطية الحاجيات المتأكدة بإعادة توظيف الموارد البشرية المتوفرة ونقلها من وزارة إلى أخرى. في المقابل، تخشى المنظمة العمالية من تضرر الموظفين والآلاف من العاطلين على حد سواء من هذه القرارات التي ستخلف أضراراً اجتماعية حادة. وتأتي الإضرابات المزمع تنفيذها بداية الشهر القادم، بعد سلسلة احتجاجات في بحر الأسبوع الماضي. والخميس، خرجت الفئات الهشة والمتوسـطة في وقفات احتجاجية سلمية للمطالبة بتحسين الظروف المعيشية، في وقت يتوقع فيه صندوق النقد الدولي انكماشا غير مسبوق للاقتصاد التونسي. وخـرج المئات من المحتجين من المعطلين عن العمل وعمال الحضائر وسواق وسائل النقل الخاصة في كل من محافظة سليانة وتونس العاصمة وسيدي بوزيد والقيروان وسوسة وغيرها مطالبين بتحسين ظروفهم الاجتماعية وحقهم في التنمية، ما يعمق الضغوط على الحكومة التونسـية الفتية التي وجدت نفســـها أمام محاربة وباء كورونا منذ انطلاق عملها.
مشاركة :