اعتاد رسامو الكاريكاتير على نقد السياسة والسياسيين برسوم ساخرة بشكل لاذع لكن وباء كورونا الذي انتشر في العالم حوّل وجهة الرسامين في المغرب إلى توعية الناس بخطر الوباء، داعمين بذلك مواقف الحكومة في ما يتعلق بالتقيد بالإجراءات الصحية اللازمة لتفادي خطر العدوى. الدار البيضاء - أصبحت رسوم موضوع تفشي جائحة كورونا، تسيطر على بقية المواضيع التي كان يتناولها رسامو الكاريكاتير والتي تهتم في الغالب بالمواضيع السياسية والاجتماعية، وهو أمر اعتبره أغلبهم طبيعيا، بعد أن أصبح الوباء هو الشغل الشاغل للعالم اليوم، وتحوّل إلى مادة إخبارية أقصت معظم الأحداث التي كانت إلى وقت قريب تتصدر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. صعوبة إنتاج رسومات كاريكاتيرية، وسهولة قراءتها، وسرعة انتشارها، تبين بجلاء أن فن الكاريكاتير يدخل ضمن خانة السهل الممتنع، وهو ما يجعل الإجابة عن مختلف الأسئلة المطروحة صعبة، تماما كصعوبة فهم جوانب كثيرة من الفايروس التاجي نفسه، الذي أربك حسابات العالم بأسره. يقول فنان الكاريكاتير عبدالله الدرقاوي، إنه “في ظل أجواء جائحة كورونا، التي تجتاح العالم في الوقت الراهن أطلق رسامو الكاريكاتير العنان لريشاتهم لإبراز قدرة فن الكاريكاتير على المساهمة في التعبئة والتوعية لمكافحة هذا الوباء اللعين”. وحسب الدرقاوي، الذي يشتغل رساما كاريكاتيريا في عدة جرائد منذ سنوات طوال، فقد أنتجت ريشات هؤلاء الفنانين لوحات تسخر من الجائحة، وترفع معنويات المتلقي وتشجع على الممارسة الوقائية والالتزام بها لأهميتها، كارتداء الكمامات، والحفاظ على التباعد الاجتماعي وغيرها. وتابع قائلا “في ظل انتشار الإشاعات على مواقع التواصل الاجتماعي، كان على عاتق فناني الكاريكاتير مسؤولية كبيرة في تصحيح ونقل المعلومات للناس بطريقة سهلة ومبسطة ومحببة للنفس في قالب ساخر ضمن دور فن الكاريكاتير الإخباري”. وبشأن تجربته الخاصة في التعاطي مع موضوع كورونا، أوضح أن هذا الموضوع هو المسيطر على “أغلب أعمالي الفنية في الوقت الراهن، ما دام هذا الهم هو الشغل الشاغل للعالم كله”، لافتا في هذا السياق إلى أن فن الكاريكاتير بيّن قدرة هائلة بشأن دعم المجهودات المبذولة لمحاربة الوباء، وذلك من خلال رسومات تخاطب وعي الناس، وتدعوهم إلى توحيد الجهود وإشاعة روح التضامن بين أفراد المجتمع وتحذرهم من مخاطر فايروس مهدد للبشرية. وقال الناجي بناجي رسام كاريكاتير ورئيس الجمعية المغربية للكاريكاتير، “إن من مسؤوليتي تقديم شيء ما يدعم به المجهودات المبذولة لمحاربة الوباء، عبر رسم يحمل رسالة تخاطب الوعي وتحذره من مخاطر الفايروس”، وأضاف “تحولت ريشتي من النقد والسخرية إلى التوعية والإرشاد، وهذا أمر تمليه الظروف، ويجب أن تتضافر فيها كافة الجهود لعبور هذه المحنة المهددة للوجود البشري”. وتدعو هذه الرسومات، كما قال الدرقاوي، الناس إلى الاهتمام أكثر بالبيئة التي نعيش بها من خلال أعمال كاريكاتيرية أظهرت فيها التغييرات الإيجابية التي طرأت على كوكب الأرض بسبب الوباء. وفي الاتجاه ذاته قال الفنان التشكيلي، ورئيس النقابة المغربية للفنانين التشكليين المحترفين محمد المنصوي، “إن فن الكاريكاتير عمل في بعض الأحيان على تجسيد الوباء بشكل مرح وساخر، فوصل إلى المتلقي ووجد استحسانا لديه، ثم جرى تقاسم ما جرى إنتاجه على نطاق واسع على مستوى شبكات التواصل الاجتماعي”. ولهذا السبب تحديدا، يضيف المنصوري، وهو أيضا رئيس جمعية الفكر التشكيلي، “أن عدة أسماء اشتغلت على الكاريكاتير من عدة زوايا، خلال الأزمة الصحية الناتجة عن انتشار وباء كورونا”. وفي التفاصيل قال “إن فن الكاريكاتير تعاطى كثيرا مع سياسة الحكومة في معالجتها للوضع الناتج عن كورونا، خاصة تلك التي لا تجد استحسانا لدى المواطنين على نطاق واسع، إضافة إلى تناول ما يراه الفنانون وحتى الرأي العام تناقضا في قرارات معنية”. لكن تم في بعض الأحيان، الخروج عن هذا التوجه، حيث تبادل فنانو الكاريكاتير، التهكم والسخرية بينهم بطريقة مرحة ومشوقة، حيث يتحول فنان الكاريكاتير نفسه إلى موضوع لبعض الأعمال، فيقوم كل واحد برسم زميل له، وكيفية تعاطيه مع الجائحة وتفكيره فيها.. أي رسم فنان في وضعية معينة، فيرد عليه الآخر ضمن سجال فني مرح وساخر. وبشأن الاهتمام المتزايد بهذا الفن، ذكر في هذا السياق بفوز كتاب “الكاريكاتير في المغرب السخرية على محك الممنوع” لإبراهيم الحيسن بجائزة المغرب للكتاب دورة 2019. ومع ذلك، لفت المنصوري إلى أن الممارسة المتعلقة بالكاريكتير في المغرب لا تزال “محتشمة ولم ترق بعد إلى المستوى المنتظر”، رغم وجود أسماء بارزة كاللبار والصبان وغيرهم، والتئام آخرين في جمعية تعنى بهذا المجال. الكاريكاتير فن تعبيري يعتمد على قوة الفكرة وعمق المعنى، بحسب الدرقاوي، ويتناول الواقع بأسلوب ساخر محبب للنفس، ويعكس التناقضات والمفارقات مما جعل له جماهيرية واسعة في أوساط المجتمع المختلفة. فلغة التواصل بالنسبة لفن الكاريكاتير عالمية، مما جعله عابرا للقارات والحدود.. إنه أيضا فن جامح لا تحكمه قواعد أو معايير محددة مما يطلق العنان للفكر الإبداعي المتجدد لخلق متعة للفنان والمتلقي معا. في شعاب الكاريكاتير، وطنيا وعالميا، تتشكل الصور والرسومات التي تتلقفها بكل سهولة مختلف الفئات الاجتماعية، وتقرأها بل وتتفاعل معها، لأنها تقتنص بشكل ذكي ومبسط وساخر أحيانا، هموما وانشغالات وتطلعات شاردة أو واردة.
مشاركة :