الكتاب مصباح ينير درب اليمنيين في عتمة الحرب | | صحيفة العرب

  • 10/8/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

ينير الكتاب دروب الحياة ويفتح سريرة القلب لقبول الآخرين، لأنه ببساطة صديق الحياة عدو الظلام والحروب. لذلك بادر شباب من سكان صنعاء لإحياء مبادرة “اليمن تقرأ”، بعد أن وئدت في سنة مولدها. واليوم يسعى هؤلاء الشباب إلى نشر القراءة من خلال إعارة الكتب وجمعها من المتبرعين، حتى تنير عقول الأجيال الجديدة. صنعاء – تشجّع مجموعة من الشباب اليمنيين سكّان صنعاء الغارقة في ويلات الحروب والأزمات وما تخلفه من فقر وجهل واضطرابات نفسية، على قراءة الكتب في مكتبات متنقلة، مما يوفّر لهم متنفسا، بعيدا عن النزاعات والأوضاع الاقتصادية السيئة التي زجت بهم في مستنقع الفقر. وتتمثل الفكرة في حثّ اليمنيين على قراءة الكتب التي يمكنهم استعارتها مجانا، ضمن مبادرة تعتمد على تبرّعات بسيطة ونادرة. ويعتمد المشروع على مبادرات الأفراد والجهات في دعم ورفد المكتبات بالكتب اللازمة، وتنظيم أنشطة مختلفة تقوم على تشجيع النشء والشباب على القراءة والمطالعة لجعلها سلوكا وعادة يومية، على أمل توسيع فكرة المشروع ليشمل مدنا يمنية أخرى. يتحدّث الكاتب اليمني عبدالله القيسي عن أهمية القراءة في تنوير العقل، “إنه عندما يقرأ المرء كثيرا سيشك كثيرا، وبعدها سيصل إلى مرحلة الوعي، طبعا وليس إلى اليقين”. وتقوم فكرة ترغيب الشباب في القراءة على منح الشخص المستعير للكتب التي يختارها دون مقابل ودون أي ضمانات، فقط تعمير وثيقة يسجل فيها الاسم واللقب والإيميل والهاتف واسم، وتاريخ استعارة الكتاب المستعار، فالغاية هي خلق ثقة بين القارئ والكتاب، علما أنه قد جاءت عملية منح الكتب تحت شعار “امنح كتابك حياة جديدة”، فالكتاب الذي فقد الحياة على الرف يمكن أن يستعيد أهميته بين يدي قارئ جديد يستفيد منه. يقول فوزي محمد وهو أحد متطوعي المبادرة، إن “المشروع يهدف إلى غرس حب القراءة والمطالعة في نفوس الشباب والناشئة، إذ من شأنها إكسابهم ثقافة القراءة والمطالعة وتنمية الذات، وذلك من خلال نشر ثقافة المكتبات المفتوحة والمتنقلة وإحياء مبدأ الثقة بين القراء والمتبرعين بالكتب، قصد شغل أوقات الفراغ بما هو نافع ومفيد من خلال تبادل الكتب الهادفة”. وعمد القائمون على المشروع إلى توزيع عدد من الأكشاك التي تضم مجموعات متنوعة من الكتب العلمية والأدبية في العديد من المولات التجارية والاستراحات والأماكن العامة بالعاصمة صنعاء، كما وضعوا صناديق للتبرع بالكتب لمن يريد أن يشارك في تنمية وعي الأجيال الجديدة بأهمية الحياة في كنف الحب والسلم. وتعود فكرة المبادرة إلى عام 2013 قبل سنة من سيطرة الحوثيين على العاصمة، ولكن تم إيقافها بعدما فرّ القائمون عليها من المدينة خوفا من الحرب. الشاب فوزي الغويدي (30 عاما) أعاد مع أربعة من أصدقائه بكل إصرار إطلاق الفكرة في 2019 وحصل على ترخيص يخوّل لهم التنقل بكتبهم رغم العراقيل. يصف الغويدي الفكرة بأنها “شمعة في الظلام”، مضيفا، “عند إقامة أكشاك الكتب واستقبال القراء، نجعل الناس يشعرون بأنّ الحياة مستمرة في اليمن”. ويشهد البلد الفقير منذ أكثر من ست سنوات حربا بين الحوثيين المدعومين من إيران، والقوات الموالية لحكومة الرئيس المعترف به عبدربه منصور هادي. لقد أسفر النزاع عن مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص غالبيتهم من المدنيين، بينما غرقت البلاد وخصوصا العاصمة في أزمات اقتصادية وصحية وتعليمية متتالية. في السابق، كانت صنعاء بمثابة المركز الثقافي لليمن، أفقر دول شبه الجزيرة العربية، وقد اشتهرت بمدارسها وعلمائها. ويرى الشاب محمد مهدي (32 عاما)، أن “رائحة البارود تعم أرجاء الوطن، وتأتي هذه الأكشاك لتعيد لنا الحياة”، مشيرا إلى أن الفكرة “جميلة في بلاد لم تعد القراءة فيها من أولويات المواطن”. ويضيف مهدي، أن “الصدفة” قادته إلى أكشاك الكتب، وبدأ باستعارتها وإعادتها بعد الانتهاء من قراءتها، معتبرا أن هذه المبادرة توفر له فرصة التعرف على أصدقاء جدد مقبلين على الحياة رغم الحرب السائدة بالبلاد، متنميا أن يسود بدلها السلم في كل البلاد. وتمكنت الجمعية من تأمين نحو خمسة آلاف كتاب، وتتطلع إلى توفير عشرة أكشاك في العاصمة، بحسب الغويدي الذي يشير إلى أن المهمة ليست سهلة بسبب صعوبة جمع التبرعات خاصة مع الظروف المعيشية الصعبة التي يمر بها اليمن. وتزايدت معدّلات الفقر في صنعاء في السنوات الأخيرة بسبب الحرب، ما ضاعف أعداد المتسولين والعائلات غير القادرة على العيش دون مساعدة من إحدى المنظمات، كذلك وضعت الحرب مئات المدارس خارج الخدمة وأبقت ملايين الأطفال من دون تعليم. قال الغويدي، إنّ “العائق الأساسي الذي واجهنا، هو الدعم. أينما تذهب وتطلب الدعم للكتب يقول لك الناس إن دعم الفقراء والإغاثة أفضل من دعم الثقافة لأن البلاد تواجه مجاعة”. وتتجنب الجمعية قبول الكتب الدينية والكتب السياسية لأنها وفقا للغويدي، “تثير المشاكل في ظل الحرب التي تشهدها البلاد والحالة الاقتصادية التي تعيشها”. وتابع، “نراهن على أن تكون القراءة هي المتنفس، والخروج من الحالة التي يعيشها المواطن” لنسيان مآسي الحرب وغيرها. وغالبا ما تأتي الطالبة الجامعية فاطمة الكثيري (24 عاما) لاستعارة الكتب من الأكشاك، تقول الشابة التي تدرس مادة الإعلام، إن هذه المبادرة “واحدة من أهم التجارب خلال السنة الأخيرة”، معتبرة أن الأكشاك “توفّر كتبا من الصعب الحصول عليها في المكتبات بسبب عدم وجودها أو ارتفاع أسعارها”. وترى الكثيري، أنّ أكشاك الكتب، “تعطي الشخص إحساسا بأنه موجود في مكتبته الخاصة، وآلية الاستعارة غير معقدة”، مشددة على أن “القراءة تساعد الشخص على تصفية ذهنه و توسيع مداركه” في زمن الحرب. ويتمنى الشاب عبدالسلام أن يحمل الأطفال الكتب بدل السلاح، فالكتاب صديق في طياته أسباب لتنوير العقل وقبول الآخر رغم الخلافات والاختلافات، أما السلاح فهو عدوّ الحياة وأكثر ضحاياه من الأبرياء؛ السلاح يقتل في كل يوم اليمن واليمنيين.

مشاركة :