يجب أن يكون الاحتفاء الوطني بالتاريخ الأدبي والفني للكويت، من الأولويات التي تتحمل مسؤوليات نشره والتعريف به كافة الجهات الرسمية وغير الرسمية، وذلك في سياق تمهيد الطريق أمام أجيالنا الصاعدة للتعرف على النابغين والمتميزين من أبناء الوطن، الذين كان لهم الأثر الرائد في التطوير الذي لحق ببلدنا عبر العصور المتلاحقة. والنهضة التي قامت عليها الركائز الأساسية للثقافة والفكر والفن. وبين مقالة وأخرى أحرص على إلقاء الضوء على شخصية من هذه الشخصيات الكويتية التي نفتخر بها، ونعدها مثالا صادقا للوطنية والتميز. وعليه سيكون حديثنا في هذه المساحة عن الشاعر الغنائي الكويتي الراحل سالم ثاني الوهيدة، الذي يتمتع سجله الفني بالكثير من المنجزات، تلك التي أسهمت في تطوير الأغنية الكويتية، خصوصا على مستوى الكلمات، فقد كان الوهيدة شاعرا غنائيا، لديه الرغبة في أن تحتل الأغنية الكويتية المكانة المرموقة خليجيا وعربيا، وساعده على ذلك نشأته في أسرة محبة للشعر قراءة وتأليفا، وبالتالي فقد كانت موهبته ذات جذور متعمقة في الأصالة، حيث ان جده وعمه وخاله شعراء، ومن ثم فإنه كان يحضر جلساتهم الشعرية خصوصا في مجال «الرديات»، التي برع فيها وأتقنها، إلى جانب مصاحبته لشعراء ومؤرخين ومثقفين كبار تتلمذ على أيديهم أمثال فهد بورسلي ومحمد بن لعبون وعبد الله عبد العزيز الدويش، والملحن الدكتور يوسف الدوخي والمؤرخ الكويتي عبد الله حاتم، وغيرهم الكثير. وخاض شاعرنا الراحل سالم ثاني الوهيدة الكثير من التجارب الحياتية، تلك التي صقلت موهبته وقربته أكثر من مجتمع المثقفين والشعراء والفنانين، خصوصا في المجال المهني، ليعمل في سن مبكرة في مطبعة وزارة الإعلام في مهنة التجليد والجمع اليدوي وصولا إلى عمله كمخرج صحافي لمجلة «الكويت» العريقة، كما شغف بالإذاعة كي يتردد عليها، وكان من ثمار هذا التردد البنّاء أنه في عام 1964 التقى بشعراء وفنانين متميزين منهم أحمد الصالح، ومبارك الحديبي، وفايق عبد الجليل، وماجد سلطان، لتكشف هذه اللقاءات عن تكوين اللبنة الأولى للجنة مهمتها مناقشة الأعمال التي يكتبونها، قبل تقديمها إلى لجنة إحازة النصوص في الإذاعة الكويتية، وذلك للوصول إلى التميز والتفرد، كما كان مستمعا جيدا للأغان العربية ومناقشة كلماتها مع أعضاء اللجنة من النواحي اللغوية والفنية. والشاعر الراحل سالم ثاني الوهيدة ساهم في انتشار الأغنية الكويتية، بفضل ما كان يقدمه لها من كلمات راقية، تعبر عن التفوق والنبوغ. ولقد شدا بكلماته الشعرية الغنائية الكثير من مطربي الكويت ومن هؤلاء عوض دوخى وعائشة المرطة وغازى العطار وعبدالحميد السيد وخليفة بدر ومبارك ومصطفى احمد وحورية وغيرهم. في ما كوّن مع الفنانين فيصل عبدالله وعبدالعزيز الحمدان ثلاثيا ناجحا خلال السبعينات من القرن الماضي على مستوى الكلمة والصوت واللحن، كي يتبقى لنا من هذا الثلاثي الناجع أغان خالدة مثل: «يا بلادي يا حلوة»، «مدري شيبي فيني»، «واعذاب القلب»، «والله ورجعنا يا هوى»، «بدور»، «يا صبر قلبي من يصبرني»، «يا أهل الهوى تاه مني الراي»، «يا سمره ودي أحكيلك». رحم الله شاعرنا الذي امتع أبناء جيله بالكلمات الغنائية الراقية، في المجالات الوطنية والاجتماعية والدينية والعاطفية... والتي عبرت بكل صدق عن مشاعر الكويتيين، في زمن الفن الجميل. رئيس تحرير مجلة «البيان» وأكاديمي بجامعة الكويت* alsowaifan@yahoo.com
مشاركة :