كيف يدفع الاقتصاد السياسي المعارضة التونسية إلى الواجهة | رياض بوعزة | صحيفة العرب

  • 10/8/2020
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

تونس - يسهم الركود الاقتصادي والتنموي بأي بلد في تذمر الشعوب وهذا هو الدافع الرئيسي للانتفاضات التي شهدتها المنطقة العربية، وتونس جزء منها، ولكن أي دور يمكن أن تفعله المعارضة مع عجز السلطة والأحزاب التي هي في واجهة الأحداث عن استخدام أداة الاقتصاد السياسي في تنفيذ برامجهما على الأرض؟ يعتقد البعض أن النتائج السلبية، التي طفت على السطح بعد الإطاحة بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي كانت ظرفية ومناسبة لصعود الأحزاب العلمانية بعد أن فشل تيار الإسلام السياسي في رسم معالم واضحة للاقتصاد المترنح حيث لم يقدر على فعل شيء بسبب الارتجال في اتخاذ القرارات. ومن هنا كان دافع المعارضة التونسية قويا لاستخدام مفهوم الاقتصاد السياسي في معركتها. وتنسب بعض القوى السياسية مثل الحزب الدستوري الحر التردي الاقتصادي إلى ما جاءت به “الثورة” وذلك استنادا إلى ما أكدته عدة تقارير بصندوق النقد الدولي حول مدى تأثر اقتصاد البلاد كبقية اقتصادات دول “الربيع العربي” بما يحصل في الحياة السياسية نتيجة عدم الاستقرار فيما تم توجيه اللوم إلى من قاموا بالانتفاضات. واستطاعت القوى السياسية التي ربطتها مصالح بالدولة العميقة أو مؤسسات النظام الإدارية إلى عودة تفعيل شبكة المصالح وتشابكها بين رجال الأعمال والسياسة والإعلام وزادت بذلك مؤشرات الفساد السياسي والمالي في تونس، وهنا يمكن تحميل المسؤولية للأحزاب الإسلامية الرافضة لأي مبدأ في المشاركة والعمل على تحقيق مفهوم الاقتصاد السياسي لكون تجربتها ضعيفة في هذا المجال. وتظهر التقارير الدولية وحتى المحللين السياسيين المحليين والأجانب أن الحرب المعلنة على الفساد في الدولة ظلت شعارا فقط خاصة مع تأكيد الأوساط الشعبية على تفاقم ظاهرة الرشوة والتهريب واتساع سطوة المحتكرين في السوق وتدهور الخدمات الأساسية في بعض المناطق. وقد تزايدت المؤشرات وتونس على أعتاب الذكرى العاشرة للانتفاضة الشعبية ضد نظام بن علي، حول عجز السلطات عن إنقاذ الشركات المملوكة للدولة والغارقة في الديون، والتي تفاقمت نتيجة بطء الإصلاحات والشكاوى من تدني خدماتها بعد أن وقفت الصراعات السياسية حائلا أمام تخفيف أزماتها المتراكمة. فشل تيار الإسلام السياسي في رسم معالم واضحة للإصلاح، جعل المعارضة العلمانية تستخدم سلاح الاقتصاد السياسي ومن هنا يمكن القول إنه لا معنى للحديث عن العمل السياسي المنظم والشفاف من دون أن تلعب المعارضة اليوم دورها كاملا في العملية السياسية فلقد كانت لدى الأحزاب العلمانية التي استُبعدت إلى حد كبير منذ 2011 فرصة للوصول إلى السلطة فقط إذا استطاعت أن تعالج الانقسامات الداخلية، وتعلّمت أن تتعاون في ما بينها أحيانا ولكن دون تحقيق نتائج ملموسة. ومن المؤكد أن أهم قنوات التطور السياسي وحمايته من أي ضعف يتمثل أساسا في تفعيل قوى سياسية معارضة تمارس عملها بصدق وحرية تامة، بغية مراقبة أداء الحكومة وممارسة عملية نقد موضوعي لأي قرار أو إجراء تقدم عليه السلطة التنفيذية، ويترتب على ذلك أن وجود المعارضة في حد ذاته حالة صحية مؤسساتية. ولكن ماذا عن الاقتصاد، وكيف سيتم إصلاحه؟ إن هذا الأمر يستدعي من الحكومة أن تدرك جيدا أن تقزيم المعارضة أو مجاملتها أو تمييعها بأي وسيلة، يؤدي في النهاية إلى القضاء عليها وعند ذلك تنعدم القوة التي بإمكانها أن تقف في وجه صانع القرار، وهذا المسار الأحادي يشجع على التفرد ويؤدي حتما إلى المواجهة والعنف. ومع ذلك فإن انتزاع المعارضة لأي مكسب يأتي عادة ثمرة لجهود مكثفة من الاحتجاجات والضغوط والنقد والاعتراض وإدانة التجاوزات واقتراح الحلول الملموسة أو البديلة بغية تمكين المواطنين من الاختيار بين برامج ومبادئ متعددة تسمح بتجديد النخب السياسية. وبالنظر إلى ما يحدث اليوم فإن علاقة السياسة بالاقتصاد هي أكثر تعقيدا من المنافسة الثنائية بين العلمانيين والإسلاميين حيث تقوّض الخصومة الأيديولوجية، والاختلافات الاستراتيجية، والانقسامات القيادية في صفوف الأحزاب العلمانية، قوتها في السياسة وبالتالي تضعف كل البرامج المخصصة لبناء دولة قوية ماليا. ويمكن القول إن المعارضة التونسية كان باستطاعتها أن تراكم الأنشطة والفعاليات، لأنها ليست مكبلة من طرف الحكومة، بل إنها تتوفر في الوقت الحاضر على ما يلزم من الضمانات الدستورية والقانونية التي ستمكنها من القيام بأدوارها ومهامها، التي ستحتاج إليها، من أجل موازنة المتطلبات والتطلعات وتحويل ذلك كله إلى سياسات عامة. ومن ثم توفير قنوات للمشاركة الشعبية والصعود بها إلى درجة من الرقي والتنظيم الفاعل، لتحريك وتفعيل الجماهير بغية انتزاع القرار السياسي، وتحويل آراء المواطنين إلى خيارات سياسية واقعية تخدم البلاد والعباد. ولكن ثنائية المعارضة والحكومة التي يرافقها عادة الاختلاف في وجهات النظر حول بعض القضايا الحساسة، ينبغي ألّا تخضع لمفهوم إقصائي يعتمد “إما معي وإما ضدي”، بل يجب أن تحكمها معايير تحفظها من الفوضى.

مشاركة :