هل تونس تشهد حقا عودة "الدولة البوليسية" | رياض بوعزة | صحيفة العرب

  • 10/12/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يشكل مشروع القانون الخاص بحماية الأجهزة الأمنية، والذي ظل مثار جدل بين شريحة واسعة من التونسيين الذين يرون فيه إنكارا لمكاسب “الثورة”، أحد أبرز نقاط التصادم بين القوى المدنية والدولة. وهل يفترض أن تشهد تونس، التي قطعت أشواطا في تثبيت أقدامها كبلد يطبق مبادئ الديمقراطية على الأرض، عودة لـ“الدولة البوليسية”؟ تونس - أظهرت أجهزة الأمن في عهد نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي إجراءات صارمة ضد المجتمع المدني حيث تحكمت من خلالها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للشعب، ولكن مع سقوطه تتباين الآراء حول إمكانية الحديث اليوم عن عودة “الدولة البوليسية”. في العادة، يعاني مواطنو “الدولة البوليسية” من القيود المفروضة على التنقل وعلى حرية التعبير عن الآراء السياسية أو غيرها ويصل الأمر إلى الاعتقالات القسرية، والتي تخضع لمراقبة أو قمع الشرطة، ولذلك فإن فرض السيطرة السياسية قد يكون عن طريق قوة من “الشرطة السرية” تعمل خارج الحدود المعتادة المفروضة من قبل الدولة الدستورية. ويبدو النقاش حول هذا الأمر ضربا من الوهم بعد عشر سنوات منذ الإطاحة ببن علي، رغم أن مسألة الوصول إلى ولادة “الأمن الجمهوري” لا يزال في المهد، لأن الوضع مختلف الآن مع وجود أرضية قانونية ودستورية تمنع تدخل أجهزة الأمن في الحياة العامة وتكتفي فقط بجمع المعلومات تحت يافطة الأمن القومي، وهذا ضروري لأي بلد يريد تحصين نفسه من الاختراقات ومن الهجمات الإرهابية. وعلى النقيض، يتضح أن الطبقة السياسية هي الرابح في هذه المعركة، فالصراعات الخفية بين الأحزاب حول مشروع قانون زجر الاعتداءات على الأمنيين، والذي أثير لأول مرة في عام 2015، لن تنتهي وأن إثارته في هذا التوقيت وإخراجه للشارع هو مسألة لكسب النقاط السياسية لا أكثر. وتؤكد الكثير من التقارير الغربية أنه خلال حكم بن علي، كانت أجهزة الأمن بمختلف تصنيفاتها تتوخى عمليات الترهيب والتخويف ضد المجتمع ما أدت إلى تجذير الدكتاتورية، حيث باتت مسألة الوعي السياسي تهمة من قبل السلطة لقمع وتصفية السياسيين والمنادين بالحرية ومنهم الحركات الطلابية، مثل الاتحاد العام التونسي للطلبة والاتحاد العام لطلبة تونس. كما اتخذت السلطة عدة إجراءات لتسييس قادة الجمعيات والمنظمات في محاولة منها لمنع التحركات الطلابية والسياسية مثل تعيين رؤساء المنظمات والجمعيات من طرف الحزب الحاكم آنذاك، وهو التجمع الدستوري الديمقراطي، الذي تم حله. وقد عبدت تونس بالانتفاضة على النظام السابق، وفق ما قاله الباحث والناشط التونسي توفيق المديني، في كتابه الذي أصدره في أبريل 2011 بعنوان “سقوط الدولة البوليسية في تونس”، طريق الحرية للعالم العربي، لأنها برأيه أسقطت نموذج الدولة البوليسية السائد عربيا، والذي يمثل قطيعة جذرية مع نظرية المجتمع المدني. مشروع قانون لحماية الأجهزة الأمنية يثير حفيظة الشباب التونسي لأنهم يرون فيه إنكارا لمكاسب "الثورة" ومع أن البعض يرى في مشروع القانون تهديدا للحريات ومنها حرية التعبير والإعلام باعتبار أن الفصل الرابع منه يشير إلى أن “كل المعلومات المتعلقة بالأمن في تونس تعتبر أسرارا لا يمكن استعمالها أو مسكها أو تداولها بأي وسيلة من الوسائل بما في ذلك الإعلام”. ولكن في الواقع هذا المعطى لا يبدو مقلقا، فأي دولة في العالم تسمح بمرور معلومات حتى يتداولها العامة، وتعمل أيضا على مراقبة الشأن العام حتى يتسنى لها التدخل حينما تشعر أن هناك تهديدا، فكيف وتونس اليوم تعيش على وقع سيل من التهديدات. ويؤكد علماء السلوك الاجتماعي أن “الدولة البوليسية” تظهر في العادة عناصر من الشمولية والسيطرة الاجتماعية، وعادة ما يكون هناك فارق بسيط أو ربما لا يوجد فارق بين القانون وممارسة السلطة السياسية من جانب السلطة التنفيذية، ولذلك من المهم مناقشة مشروع القانون الجديد باستفاضة حتى لا يكون منعطفا للرجوع إلى المربع الأول. ولأن الجميع في تونس متفق على أن الاعتقال والسجن لم يعد وسيلة للردع وأن الأفضل اتباع طرق أخرى تتماشى والدولة الديمقراطية، فإن العقوبات المشددة، التي يتضمنها مشروع القانون قد لا تتناسب مع الجرائم التي يتم التقاضي حولها، وهذه النقطة مرفوضة من منظمات حقوق الإنسان المحلية. وينص أحد بنود مشروع القانون على تسليط عقوبة السجن مدى الحياة على كل من تعمد حرق أو هدم مقر أسلحة أو تحطيم عربة أو آلية تابعة للقوات المسلحة، كما يعاقب بالسجن لخمس سنوات كل من هدد بارتكاب جناية أو جنحة في حق رجال الشرطة. ولكن أكثر البنود المثيرة للجدل ما يتعلق بعقوبة السجن لمدة عامين لكلّ من تعمد تحقير القوات المسلحة بقصد الإضرار بالأمن العام، حيث يرى منتقدوه أنه يتضمن مصطلحات غير واضحة ربما تكون مدخلا للمس من حرية تعبير التونسيين عن أي شيء لا يعجبهم. ومع ذلك فإن اللحظة الانتقالية التاريخية في تونس، ستكون الحلقة المفصلية من خلال طبقة سياسية تمارس دورها وفق مجموعة من المسؤوليات والحقوق والواجبات كفاعلية اجتماعية ومجتمعة، لا كفاعلية سلطوية بوليسية ولا كفاعلية حزبية فقط. ومن الواضح أن كافة الأحزاب بما فيها المعارضة مطالبة اليوم أكثر من أي وقت بالتوافق حول هذا المشروع الحداثي عبر تقديم تصور جديد لعملية الانتقال إلى بناء نظام ديمقراطي متماسك يقطع الطريق أمام أي جهة أو شخص أو كيان للتفكير في العودة إلى دوامة التسلط البوليسي من جديد، ولا يسمح بإعادة إنتاجه. ShareWhatsAppTwitterFacebook

مشاركة :