خفض الفائدة سلاح المصارف العربية لمواجهة تداعيات كورونا | محمد حماد | صحيفة العرب

  • 10/12/2020
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

تبنت العديد من المصارف العربية سياسات متنوعة لمواجهة تداعيات أزمة كورونا على الاقتصاد، واتفقت على خفض سعر الفائدة وتكبدها تكلفة هذا الحل، أملا في إنعاش الاستثمار وتحفيز المشروعات على زيادة معدلات التشغيل لتعزيز نمو الاقتصاد والحفاظ على العمالة. القاهرة - دفعت جائحة كورونا دول العالم إلى البحث عن حلول لإنقاذ اقتصادها من تداعيات الوباء، وهرعت دول كثيرة إلى اتباع السياسات التي تناسبها، وسارت دول عربية عدة على تلك الخطوات، وانتفضت بنوكها المركزية لاستخدام سلاح السياسة النقدية لمواجهة الأزمة. وكشف صندوق النقد العربي عن أن غالبية المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية لجأت إلى خفض أسعار الفائدة النقدية في آن واحد. وتمت جميع جولات الخفض خلال شهر مارس الماضي، بنسب متقاربة من بعضها البعض، من أجل دعم مستويات السيولة النقدية التي تأثرت عام 2019 نتيجة ظروف تباطؤ النشاط الاقتصادي في غالبية الدول العربية. ورغم الاتفاق العام على سلاح السياسة النقدية لمواجهة الأزمة، إلا أن استخداماته تنوعت بين خفض معدلات الفائدة وتوظيف عمليات السوق المفتوحة، في حين لجأ آخرون إلى استخدام نسبة الاحتياطي النقدي القانوني لزيادة قدرة المصارف التجارية على منح التمويل. واتبعت الدول التي تتمتع بوفرة في الاحتياطي النقدي سياسات تحفيزية على مستوى السياسة النقدية لدعم الطلب المحلي في الاقتصاد، وتعزيز سيولة القطاع المصرفي وتشجيع المصارف التجارية على تمويل القطاع الخاص، والمشروعات الصغيرة والمتوسطة العاملة في المجال الصحي بوصفة الدرع الواقي أمام تفشي الوباء. وطُبقت ذات السياسات في القطاعات التي تداعت بسبب فايروس كورونا، منها النقل والسياحة، فضلا عن تقديم البنوك المركزية ومؤسسات النقد العربية حزمة من المزايا للمصارف التجارية لتخفيف آثار انتشار الفايروس على عملائها. وعند قيام البنوك المركزية بالإعلان عن المؤشرات الكمية لسياستها النقدية، يتبادر إلى الذهن قنوات انتقال السياسة النقدية، وهي سعر الفائدة، والائتمان المحلي، وأسعار الأصول، إلى القطاع الحقيقي، حيث يظهر الأثر على معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي ومعدلات التضخم. وعززت قوة الجهاز المصرفي في منطقة الخليج من الدفع بحزم تحفيز مالية نابعة من قوة مؤشرات السلامة المالية للقطاع المصرفي في ما يتعلق بكفاية رأس المال، وجودة الأصول، والربحية، وحجم التعثر في التمويل المصرفي. واقتفت مصارف مركزية في دول المنطقة أثر هذه السياسات التوسعية، لكنها كانت بنسب تختلف عن المصارف التي لديها سيولة نقدية، وذات السيولة المحدودة. تتمتع المصارف الكبيرة بفائض في السيولة النقدية فقدمت تسهيلات مصرفية ومزايا مجزية للمشروعات، مقارنة بتلك التي تعاني أصلا من عجز في السيولة. كان من ضمن تلك المزايا تأجيل أقساط القروض لفترة زمنية تراوحت في دول المنطقة بين ثلاثة وستة أشهر. ووفقا لدراسة صندوق النقد العربي حول التداعيات الاقتصادية لفايروس كورونا، اتخذت مصارف مركزية ومؤسسات النقد خطوات جادة للحد من انتشار المرض. وتبنت السعودية حزمة تحفيزية بقيمة 34.4 مليار دولار، وتمثل نحو 16.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، لدعم الائتمان والسيولة والقطاع الخاص في مواجهة كورونا، وجرى تحمل 60 في المئة من رواتب موظفي القطاع الخاص. وأمعنت في دعم الشركات والأفراد ورصدت حزما إضافية بنحو 26 مليار دولار ليرتفع إجمالي الحزم التي قدمتها المملكة إلى 60.4 مليار دولار. وأعلنت الإمارات عن تبني حزمة تحفيز إجمالية بقيمة 76 مليار دولار، بما يعادل نحو 19 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، عززت من منح الاقتصاد جرعة تنشيطية قوية، في مواجهة الفايروس الذي نال من الاقتصاد العالمي. ورصدت الحكومة الكويتية 1.6 مليار دولار لدعم مؤسساتها والتي توازي 1.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وأطلقت مبادرة بإنشاء صندوق تمويلي بمشاركة المصارف التجارية لمجابهة تحديات تفشي كورونا والحد من انتشاره. وأنشأ العراق حسابا خاصا تُودع فيه المبالغ المخصصة لمحاربة كورونا بقيمة أولية 20 مليون دولار، ومساهمة بنك العراق التجاري بقيمة 5 ملايين دولار. وقدم البنك المركزي تسهيلات مصرفية تعمل على إعادة جدولة القروض المصرفية لدى القطاع الخاص، المستحقة على الشركات الصغيرة والمتوسطة، فضلا عن زيادة أجل السداد للقروض القائمة والمستقبلية للقطاعات الأكثر عرضة لتداعيات الفايروس، وتخفيض تكلفة الاقتراض في العراق. وأعلنت القاهرة حزمة من الإجراءات والتدابير بقيمة 6.25 مليار دولار، تمثلت في تأجيل الاستحقاقات الائتمانية للشركات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر لمدة 6 أشهر وتقديم تسهيلات ائتمانية تقضي بإعفاء أي غرامات يتم فرضها نتيجة لعدم السداد، وتشمل الخطة أيضا تقديم الدعم للعمالة المؤقتة بسبب تفشي الفايروس. وتلقت الحكومة المصرية دعما من البنك الدولي بقيمة 7.9 مليون دولار لصالح مشروع تطوير نظام الرعاية الصحية، الذي يهدف إلى تحسين جودة خدمات الرعاية الطبية، وتعزيز الطلب على الخدمات الصحية. أما في تونس فأعلنت السلطات عن خطة طوارئ بقيمة 2.5 مليار دينار تونسي، وتعادل نحو مليار دولار، وتمثل 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، تشمل الحزمة تحفيزات، من ضمنها إعفاءات ضريبية، وتحويلات نقدية مباشرة للأسر الفقيرة وذوي الدخل المحدود بحوالي 55 مليون دولار، و36 مليون دولار لدعم المستشفيات بالمستلزمات الطبية اللازمة للتصدي لفايروس كورونا. قالت الخبيرة الاقتصادية والمصرفية بسنت فهمي إن خفض أسعار الفائدة الحالي بالبلدان العربية مؤقت، وليس حلا لتنشيط الاستثمارات، فالشركات في المنطقة تعاني نقص السيولة، وهو ما يوضحه رأس المال العامل الذي ينتج عن طرح الأصول المتداولة من الالتزامات قصيرة الأجل. وأضافت “على سبيل المثال فإن 90 في المئة من الشركات المصرية رأس المال العامل لها بالسالب، ولا يمكن حل هذه الإشكالية من خلال خفض أسعار الفائدة فقط، وإنما أيضا بإعادة تقييم الشركات ذات رؤوس الأموال الضعيفة، ثم دمجها مع بعضها، أو عبر تنشيط صفقات الاستحواذ من الشركات الكبرى للصغرى”. وتعزز هذه الإشكالية من فرص البحث عن مصادر أخرى للتمويل خارج قطاع البنوك، ومن أهم هذه المصادر أسواق المال، الأمر الذي يعزز نشاط البورصات العربية عبر ضخ أسهم، وفتح آفاق تمويلية للشركات بعيدا عن الجهاز المصرفي. وأكد المحلل الاقتصادي حسام الغايش أن البنوك المركزية العربية والعالمية سلكت عدة إجراءات بعد احتدام أزمة كورونا وفق ظروف كل دولة، من ضمنها تثبيت سعر الفائدة، إذا كانت معدلات التضخم لا تسمح بالخفض، أو خفض سعر الفائدة إذا كانت معدلات التضخم منخفضة. وأشار لـ”العرب” إلى أن الدول العربية تأثرت بأزمة كورونا بشدة، لذلك من المتوقع أن تشهد المزيد من التخفيضات في أسعار الفائدة خلال الربع الأخير من العام الحالي، لتشجيع الاستثمار ورفع معدلات التشغيل. وتوقع استمرار الخفض حتى منتصف العام المقبل لضمان ضخ استثمارات محلية أو أجنبية، إذ تهتم الشركات بتكلفة الاقتراض بشدة وترغب في أن تكون رخيصة. ورغم أن سلاح الفائدة يبدو مشجعا للشركات إلا أنه يمثل تهديدا للأفراد الذين ليست لديهم القدرة على تشغيل أموالهم واستثمارها، ما يفتح الباب أمام عمليات توظيف الأموال خارج المنظومة الرسمية للاقتصاد. ويدفع هذا السلاح إلى عودة ظاهرة الدولرة في المنطقة العربية مجددا، وتعني احتفاظ الأفراد بالدولار مخزنا للقيمة بدلا من العملة الوطنية.

مشاركة :