ليست مجرد قطع فنية تلك التي يحتضنها معرض قصص من اللوفر أبوظبي، بل استقراء للمستقبل، الذي يخبئ الكثير في حناياه، لكن هذا المعرض بشكل خاص يحدد تماماً غرضه، التعرف إلى الآخر وتعزيز الحوار معه تحت سقف واحد، ومنح فرصة للجمهور للتعرف إلى أبرز وأول معروضات اللوفر أبوظبي، الذي ينتظر العالم افتتاحه كأول متحف في المنطقة الثقافية بجزيرة السعديات بالعاصمة أبوظبي. تسلط المرحلة الثانية من معرض قصص من اللوفر أبوظبي رغم محدودية معروضاتها، ويستمر حتى نهاية الشهر الجاري من التاسعة صباحاً حتى الثامنة مساء في منارة السعديات، الضوء على ما سيعرض في متحف اللوفر أبوظبي، فهو تمهيد وتعريف بمجموعة الأعمال الدائمة التي سيتمتع الجمهور برؤيتها في أول متحف خارج باريس باسم اللوفر. جاء المعرض على مرحلتين، الأولى بعنوان القلم وضمت 6 مخطوطات تجسد تأثير الكلمة في الماضي والحاضر، والثانية تختتم نهاية الشهر الجاري بعنوان صور خالدة، وتترجم المرحلتان الرؤية الثقافية والفنية والحضارية للعاصمة أبوظبي من خلال متحف اللوفر، حيث التواصل الإنساني والثقافي مع الآخر وتعزيز هذه الثقافة من خلال الأعمال الفنية والمخطوطات التاريخية. صور خالدة المرحلة الثانية التي يتاح حالياً للزوار مشاهدتها، وتتضمن ثلاثة أعمال فنية بالإضافة إلى لوحة الفيوم التي شهدتها مرحلتا المعرض، كونها اللوحة الأبرز والأكثر ترجمة لرؤية متحف اللوفر أبوظبي وأهدافه، حيث تمزج بين الحضارتين الإغريقية والفرعونية، وبذلك تجسد التلاقي مع الآخر من دون الذوبان فيه، فكل ثقافة لها مميزاتها وشكلها الذي برز في اللوحة. وبحسب تعريف المعرض، تعود لوحة الفيوم إلى مصر، أنتينوبوليس، 225 - 250 ميلادي، كجزء من سلسلة مميزة تعرف باسم بورتريهات مومياوات الفيوم وهي رسم بالطلاء على لوح خشبي، لم يبق منها إلا ألف لوحة في وقتنا الحالي، ومن النادر العثور على إحدى لوحات الفيوم بجودة اللوحة المعروضة، ويشار إلى أنها جزء من مجموعة جنائزية يتم وضعها على وجه المتوفى، الذي يتم تحنيط جسده، حسب التقاليد المصرية القديمة. أما تمثال أولي، فيعتبر والعملان الفنيان الآخران من أعمال معرض صور خالدة بشكل خاص، ويعود أولي لإيرلندا الجديدة، في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين، وصنع من خشب ملون، وكان التمثال يستخدم في الطقوس الجنائزية الخاصة بكبار الشخصيات في قبيلة ماداك في إيرلندا الجديدة، وتجسد هذه الشخصية طبيعة الذكر والأنثى من خلال شكل التمثال الذي يتصف بصفات القوة والخصوبة والموت. مايتريا، تمثال يعود إلى نيبال، القرن الثاني عشر الميلادي تقريباً، ومصنوع من نحاس مطلي بالذهب، وصنع هذا التمثال التقليدي فنانون من شعب نيوار في وادي كاتماندو في العصور الوسطى، وترمز الشخصية المستنيرة التي يجسدها التمثال المصقول جيداً، حسبما يعتقد أتباعه إلى بوذا المستقبل، الذي سيأتي لينشر التنوير وينقل تعاليم دارما الخالصة، ويظهر بشكلٍ حقيقي ليؤدي المهمة المطلوبة. المنحوتة الثالثة الشهيد سانت بيير مارتير، ويعود إلى فلورنسا، إيطاليا، حوالي 1490 ميلادية، تمثال نصفي منحوت من التاركوتا الملون، ويجسد هذا النحت الذي يعود إلى عصر النهضة صورة واقعية تعكس أسلوب القرن الخامس عشر الذي كان واسع الانتشار في أوروبا الشمالية والجنوبية، وكان النحاتون في عصر النهضة يجتهدون في إبداع الصور الشخصية التي تحاكي الواقع ويستوحونها من أقنعة الموت التي كانت تصنع في ذلك العصر. حول المرحلة الثانية من المعرض تقول عليا زعل لوتاه باحثة في اللوفر أبوظبي، أن معرض صور خالدة يبرز ويسلط الضوء على ثلاث منحوتات تعبّر عن ثقافات وأزمان مختلفة، والغرض منها التركيز على مدى الاختلاف والتمازج في آن واحد بين ثقافات العالم، فما يمنحنا اليوم الفكرة عن تلك الثقافات فنونها التي تميزت كل منها بميزات خاصة، وبنفس الوقت تحيلنا إلى تاريخ غني وثقافات تغني ثقافتنا الحالية، فالتنوع الحفل الذي تتضمنه كافة المعروضات ومن بينها أعمال صور خالدة تدفع الجمهور لمزيد من التفكير والتأمل وخلق حالة من الحوار الدائم، وهذا أحد أهم أهداف اللوفر أبوظبي. أوضح محمد عبد الله المنصوري باحث في اللوفر أبوظبي خلال المرحلة الأولى من المتحف وكانت بعنوان القلم، أهمية الكلمة المخطوطة التي مثلت في 6 مخطوطات تضمنها المعرض، وشملت خطوطاً مكتوبة وملونة ومزخرفة تعبر عن ثقافات شتى تأخذ عين الرائي إلى أبعاد كثيرة، ونوه المنصوري إلى أن التنوع في اختيار المخطوطات التي اعتمدت على إبراز الثقافات المختلفة جاء لتجسيد رؤية اللوفر أبوظبي، ولبناء حالة التلاقي في مساحة صغيرة تجمع الكثير، فمنها صفحات من القرآن الكريم تعود للعصر العباسي، ومخطوطة سوترا التي تعود لأديرة الهند الشرقية، وصفحتان مصورتان من سيرة النبي محمد عليه الصلاة والسلام تعود للعصر العثماني 1594-1595 ميلادية، ومخطوطة باللغة الفرنسية من كتاب مُختار الحكم ومحاسن الكلم فرنسا، تعود لحوالي 1460 ميلادية. تعتبر الأعمال مقدمة في مرحلتي معرض قصص من اللوفر أبوظبي، من أحدث المقتنيات الدائمة التي ضمها المتحف تهيؤاً لافتتاحه كأول معرض ضمن المنطقة الثقافية في جزيرة السعديات، حيث وصل عددها إلى 500 عمل منذ بدأت عملية الاقتناء في العام 2009، وتعود الأعمال المنتقاة بتاريخها إلى عصور ما قبل التاريخ حتى عصرنا الحالي، بهدف سرد قصة البشرية وثقافاتها المتعددة.
مشاركة :