قوة شخصيتها ودفاعها عن قضايا المرأة الدؤوب منذ نعومة أظفارها، وحتى هذه اللحظة التي تحيا لها، كان الدافع الأبرز إلى جانب دوافع أخرى، ليندرجَ اسمها بين أسماء السيدات العربيات المؤثرات والقويات، ضمن قائمة التقرير الخاص في موقع (أريبيان بزنس)، وذلك عن أكثر 100 امرأة قوية عربية حول العالم لعام 2013، إذ لَمع بريق زينب سلبي، ليُبرهن، وبِلا أدنى شك، حُبها وتفانيها لتقديم الخدمة، ما دام أن هناك نفساً يدبّ الحياة بين حنايا صدرها. تُنسب سلبي، وهي ابنة الطيّار الخاص بالرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، في عطائها إلى بلد دجلة والفرات، إذ اقترن اسمها بتأمين حقوق المرأة ونبذ التمييز ضدها، إضافة إلى الأعمال الخيرية والمجتمعية العديدة التي وضعت لها بصمة إنسانية تُميزها فيها، إلى جانب كونها رئيسة منظمة نساء من أجل نساء العالم من 1993 وحتى 2011، ومَقرها الرئيسي في واشنطن، وأسستها وهي فتاة في الثالثة والعشرين من عمرها. تعمل سلبي حالياً مُحررة في مجلة المرأة في عالم الإعلام، والتي تُصدر بالتعاون مع صحيفة نيويورك تايمز، وتستضاف على موقعها الإلكتروني؛ لاستعراض قصص بعض السيدات المؤثرات والرجال المدافعين والمناصرين لَهن على طول المسار. في الحوار التالي نتلمس مكنون زينب سلبي تلك الشخصية المؤثرة قولاً وفعلاً، حتى وصفتها أنجلينا جولي بأنها غير اعتيادية، ورشحها الرئيس الأمريكي بيل كلينتون كواحدة من أبطال القرن الواحد والعشرين في عام 2010. } حَدثينا عن التحديات والصعاب التي واجهتِها؟ - بدأت سلسلة تحدياتي اللامُتناهية من تزويج أهلي لي زواجاً تقليدياً لرجل في أمريكا أثناء إقامتنا هنالك، وأنا بنت التاسعة عشرة ربيعاً، ثم عادوا إلى العراق، فاستضعفني زوجي أكثر وتجرأ عليّ كوني امرأة وحيدة مغتربة، وبعد أسبوعين بدأت حرب الخليج وغزت العراق الكويت، لتتعذر جميع وسائل اتصالي بأهلي، فكانت هذه أولى العثرات في طريقي، وبالتحديد حينما اتخذت قرار الانفصال عن زوجي، بعد مدة استمرت ثلاثة أشهر، ولم أكن أملك وقتها سوى 400 دولار، في بلد لا أعرف فيه أحداً وأجهل الكثير فيه من الإجراءات والقوانين، بما فيها إجراءات تخليص معاملة إقامتي بشكل قانوني، خصوصاً أنني كنت تلك الفتاة المُعززة المُدللة عند أهلها، التي لم تعتد مواجهة هذه الأمور بمفردها. وثانية مواجهة حقيقية لي تمثلت في تأسيسي منظمة نساء من أجل نساء العالم التي ترأست إدارتها، ووضعت كل طاقتي فيها، للتعبير عن أنفسنا كنساء عربيات، والتحرر من الكبت الذي لطالما عشنا تحت وطأته، في بُلداننا العربية، رغم كل الاضطهاد الذي أحاط أسوارنا، خاصة عندما رأيت مناظر الظلم تتكرر في بلدان أخرى لأناس لا تجمعني بهم أيّ صلة، في البوسنة مثلاً، أثناء هجرتي إلى أمريكا، حينها شعرت بالمسؤولية النابعة من إنسانيتي قبل أيّ شيء آخر، والتي تتمثل بالحديث عنهم وإيصال أصواتهم المبحوحة إلى العالم بأكمله. كما أعتبر تثبيط معنويات البعض لي، خاصة من قِبل أصدقائي العرب، عند بدئي رحلتي في نساء من أجل نساء العالم، بعمر 23 سنة، تحدياً كبيراً أمام الرسالة التي كُنت أدافع عنها وأسعى إلى إيصالها، وتتمثل في نبذ الظلم الذي يُلامس حياة كل امرأة في سجون التعذيب ومعسكرات الاغتصاب، وتكرر سيناريو الاستخفاف بأعمالي أيضاً عند مجيئي للوطن العربي أخيراً؛ للعمل على برنامج نداء، إذ واجهت نقداً من بعض الناس والأقارب، لذا فإنني كل ما أتبع مسار تحقيق حلم جديد أواجه صعوبات وتحديات عدة، ساعدت وبشكل كبير في تكوين نظرتي الإيجابية للحياة وفي كوني زينب سلبي اليوم. } ما الدافع الأساسي وراء تخصُصك في دعم قضايا المرأة؟ - لا أعرف تحديداً ما المُحفز وراء ذلك، ولكنني على يقين تام أنني لن أتخلى يوماً عن حماية حقوق المرأة والنضال من أجلها، بِكل ما أُوتيت من قوة، ويمكنني أن أرجع ذلك إلى أمي، ورؤيتي للاضطهاد الذي واجهته في حياتها، حيث كانت تحثني دائماً على أن أكون امرأة قوية، صاحبة مبدأ وكلمة مسموعة، منذ أن كنت في عمر المراهقة، وكانت تشجعني للاعتماد على نفسي بكل مناحي الحياة، خاصة في الجانب الاقتصادي، فأنا عايشتُ جيلاً كانت تدفع فيه كل أم ابنتها نحو الأفضل، وفعلت جدتي هكذا مع أمي، وأمي ورثت تلك الدفعة لي، وأنا أحملها إزاء كل النسوة البقيّة من حولي. } بعد الربيع العربي، هل ترينَ أن المرأة العربية تمتعت بحقوقها كاملة؟ - ما سمعته من النساء العربيات أنفسهن أنهن عبرن حد الخوف، ولن يتقهقرن عن خطه الأحمر مرة ثانية، خاصة الشابات ومهما تعرضن لضغوط وكبح سيواصلن المسير قُدماً، وما يمكنني قوله عن هؤلاء السيدات بالرغم مما يواجهنه من مخاوف عدة، وردات فعل تكبت أصواتهن، إنهن بالفعل قويات اجتزن حاجز الصمت وكل ما يحدث ردة فعل ضد قوتهن. } الموقف الأكثر تأثيراً في نفسك عند تصوير برنامج نداء الخاص بالمرأة العربية؟ - هناك مواقف عدة أثرت فيّ لدرجة أن دموعي ذُرفت في كل مقابلة تقريباً، كوني تأثرت بمعاناة كل فرد منهم، بسبب الضغوط المجتمعية التي تحيط بهم، وأشكرهم على فتح قلوبهم في حلقات البرنامج وإعطائي فرصة لكشف ما في خباياه لي بطريقة لم أكن أتوقعها من قبل. } اذكري لنا إحدى هذه القصص المؤثرة إنسانياً؟ - غطينا قصصاً من أقطار الوطن العربي كافة، ومن بينها قصة الأب العراقي الذي لجأ إلى الهروب من داعش مع أولاده فحملهم بسيارة نقل كبيرة، واصطحب زوجته وأمه معه، وفي طريقه وقعت طفلته ذات الأربع سنوات من السيارة، وكان أمامه خياران، أن يكمل طريقه وينقذ كل العائلة، أو يوقف المركبة ويرجع إلى النار التي اجتازها بشق الأنفس ليأخذ طفلته، لكنه في نهاية المطاف أكمل طريقه، والآن يعيش طريح هذه اللحظة لا يستطيع إكمال حياته بشكل طبيعي من دون طفلته. } ما طبيعة عملكِ الحالي في مجلة المرأة في عالم الإعلام؟ - أعمل مُحررة أسبوعية فيها، وأكتب مقالات تتناول قصصاً عن المرأة العربية وتجربتي في الوطن العربي، ويضيف لي عملي في هذه المجلة تعزيز إيماني بأن التغيير في الوطن العربي سيكون بنا ولنا، وليس مستورداً من الغرب، ويعمل على تعريف مفهوم المواطنة وحياة الشخص العربي بشكله الأمثل، ذلك المصطلح الذي ينبغي أن نألفه ونصيغه نحن ولا يُفرض أو يُسرَّب إلينا، وهذا في الحقيقة هدف برنامج نداء، الذي سيُبث حصرياً في أكتوبر/ تشرين الأول المُقبل، عبر شاشة قناة ( 212OSN ) التابعة لمجموعة TLC وأعمل على تقديمه، حيث عشت مدة طويلة في الولايات المتحدة ولي صوت فيها كامرأة عربية ومسلمة، وأتطلع لأن يكون لي صوت مسموع في وطني، وأوضح الصورة النمطية المأخوذة عن العرب للمجتمع الغربي بأسلوب تفسيري، أمد من خلاله جسوراً توضيحية للحكم علينا بطريقة صحيحة، توضح مسألة صناعة القرار لدينا، ومن يقوم بها، والمواجهات الحقيقية التي يواجهها العرب بمُجملهم.
مشاركة :